جاء وقت التخلص من مجموعة الثماني

جاء وقت التخلص من مجموعة الثماني

في عام 2008 أحدثت الأزمة المالية الكونية تغييرا في لقاءات القمة الاقتصادية العالمية حيث حلت مجموعة العشرين بدلا من مجموعة الثماني، الأمر الذي يبرهن بأن منبرا واسع العضوية هو أقدر على التعامل مع أسوأ ركود اقتصادي عرفه العالم منذ عقود. وبعد عام واحد، أي في خريف عام 2009 أعلنت مجموعة العشرين عن نفسها كمنبر رئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي، بمعنى أن مجموعة العشرين لم تعد تدعي هيمنة على حقل التعاون الاقتصادي الدولي, وهو مبرر وجودها في منتصف السبعينيات.
والتغير الجذري في لقاءات القمة يقترح بأن أيام مجموعة الثماني قد أصبحت معدودة، غير أن اللافت أن رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر سيستضيف قمة مجموعة الدول الثماني في حزيران (يونيو) 2011, أي قبل يوم واحد من لقاء مجموعة العشرين، وينوي الرئيس الفرنسي ساركوزي رئاسة الاجتماعين في عام 2011. فرئيس وزراء إيطاليا برلسكوني الذي ترأس مجموعة الثماني في عام 2009 لم يبذل أي جهد للتخلص من المجموعة، لأن اليابان وهي المشارك الآسيوي الوحيد كانت قد أظهرت رغبتها في الحفاظ على مجموعة الثماني ولأن الولايات المتحدة تعتقد أن للمجموعة دورا تلعبه.
لكن ما الدور الذي يمكن أن تلعبه بعد أن برهنت مجموعة العشرين بأنها منبر فعال للقادة؟ فقد برهنت على سلطتها وقوتها الناجحة خلال الأزمة المالية, حثت تمكنت من تنسيق السياسة العالمية لاستعادة الرخاء الاقتصادي وأوجدت إطارا للدول لمراجعة سياساتها حتى يتسنى لها من خلق الظروف لنمو عالمي قوي ومتوازن ومستدام.
وبالتالي فإن مستقبل مجموعة الثماني هو غير واضح، لكن وبالحكم على التصريحات التي تصدر عن قادة مجموعة الثمان، فإن للمجموعة دورا ستستمر في لعبه في المجالات غير الاقتصادية والتي مازالت تلعب فيها دورا كبيرا وبخاصة في الأمن وانتشار السلاح النووي والمساعدات التنموية وربما أيضا في الشرق الأوسط. لكن لا يمكن اعتبار مجموعة الثماني كعامل مهيمن في كل المجالات آنفة الذكر، فالصين هي لاعب رئيس في التعامل مع التهديدات التي تأتي من كوريا الشمالية ولا يمكن الاستغناء عنها لتضييق الخناق على إيران، وهناك 39 دولة غير دول مجموعة الثماني كانت قد انضمت إلى 47 دولة شاركت في قمة منع انتشار الأسلحة النووية. كما أن المساعدات التقليدية التنموية تأتي من دول غير مجموعة الثماني, إذ تشارك المجموعة فقط بما يقارب من 60 في المائة من مجموع المساعدات، إضافة إلى ذلك فإن تركيا التي ليست عضوا في مجموعة الثماني تحاول أن تتبوأ مركزا قياديا في الشرق الأوسط.
وهناك غرض آخر لمجموعة الثماني وهو أنها ملتقى ثلاثي لتشكيل الدول المتقدمة وهن الحديث عن شمال أمريكا وأوروبا واليابان. وهذا ما يخاطر بإيجاد انطباع بأن المجموعة، وهي بالفعل كذلك، ملتقى لدول متشابهة تسعى لعقد اجتماع قمة العشرين للبحث عن جبهة موحدة ضد الآخرين. وبالفعل واجه رئيس الوزراء هاربر ردا سلبيا من الصين وكوريا الجنوبية عندما اقترح أن يعقد اجتماع مجموعة الثماني في كندا في حزيران (يونيو) قبل أن ينعقد لقاء مجموعة العشرين. وهو لم ينحن ويخضع لاحتجاجهم لكنه شعر بذلك. وهو ما يؤسس لأن تقوم دول أخرى بتشكيل جبهات, وهنا الإشارة إلى الجبهة الآسيوية والجبهة المسلمة وهو ما يمكن أن يصبح حقيقة.
ولقد جادلنا لسنوات ماضية بأن قمة العشرين يجب أن تتأسس حتى تملأ الفراغ في قمة النظام الدولي التي خلفته مجموعة الثماني بعد أن فقدت شرعيتها بسبب التراجع النسبي في وزنها في الاقتصاد العالمي ولعدم تمتعها بالفعالية، ونحن نرى أن على قمة الثماني أن تنتهي الآن وبخاصة وأن مجموعة العشرين تعمل بكامل قوتها. وهذ يقدم فرصة للخروج من التحالفات التقليدية المشكلة سابقا للدخول في عملية نقاش مرنة ومتحركة.
فالتحديات الكونية في القرن الحادي والعشرين هي متعددة ومعقدة ومترابطة. فالمصالح الوطنية التي سيتم تعريفها بشكل براغماتي ستتحالف بشكل مختلف بين الدول حسب القضايا الدولية المختلفة، ولهذا السبب فإن البراغماتية سيكون لها دور كبير في تشكيل وصياغة موقف الدولة في التفاوض في قضايا مختلفة, وستكون براغماتية في البحث عن تحالفات مع شركاء سيطرأ عليهم التغير حسب القضية. فدول مختلفة بهذا المعنى ستتحالف بعضها مع بعض على قضايا مختلفة, وهذا يعني أن التوصل إلى تسويات سيكون أكثر سهولة وأن نتائج أفضل ستكون ويمكن توقعها لأن الحكومات ستكون متسعدة للتأمل ودراسة المقايضات بين القضايا في سعيها لتحقيق نتائج معتمدة بشكل أكبر على الجوهر بدلا من الأيدولوجيا أو تحالف سابق.
وإذا ما تلاشت مجموعة العشرين في الصباح فإن من شأن ذلك أن يرجح زوال قاعدة "الغرب ضد البقية" لأن هذه القاعدة ميزت القرن العشرين وهي أمر جسدته قمة الثمان وسيفضي إلى استبدال ذلك بمجموعة العشرين التي ستعتمد ديناميكياتها على القيادة البراغماتية والتغير في التحالفات. أما في حال استمرار لقاءات قمة الثماني وبخاصة قبل لقاءات قمة العشرين فإن من شأن ذلك أن يطيل من عمر المعادلة السابقة في سياسة التحالفات. وسيكون هناك سعر كبير لندفعه في حال عدم الانخراط في طريق مختلفة للتعاون الدولي والقيادة, وهو الأمر الذي يعد مع قمة العشرين قاب قوسين أو أدنى.

الأكثر قراءة