"أوبك" تتوقع تراجعا .. وتساؤلات حول فاعلية الطاقة الإنتاجية الفائضة

"أوبك" تتوقع تراجعا .. وتساؤلات حول فاعلية الطاقة الإنتاجية الفائضة

يتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) هذا العام 28.5 مليون برميل يوميا، متراجعا عن 28.8 مليون تم إنتاجها العام الماضي، وذلك للمرة الأولى خلال ثلاث سنوات من التصاعد المتصل في الإنتاج.
جاء ذلك في التقرير الشهري عن حالة السوق الذي صدر عن المنظمة يوم الأربعاء الماضي. ووفقا للتقرير فإن الطلب على نفط المنظمة سيشهد تراجعا طفيفا بنحو 60 ألف برميل إلى 84.6 مليون برميل، وهو ما يرجع إلى اعتدال الطقس من ناحية وتأثير الأسعار المرتفعة من الناحية الأخرى خاصة في الدول النامية وتلك التي شهدت رفعا للدعم عن المحروقات بصورة من الصور. إلى جانب هذا فإن الأسعار المرتفعة تعود من ناحية ثانية إلى الشح الذي تعانيه سوق المنتجات المكررة، الأمر الذي دفع إلى رفع نسبة استغلال الطاقة التكريرية من 80 في المائة عام 2002 إلى 95 في المائة العام الماضي، علما بأن الوضع العام الخاص بالصناعة التكريرية ظل كما هو عليه خلال فترة السنوات الخمس هذه، في الوقت الذي شهد فيه الطلب على النفط نموا أدى إلى حدوث شح انعكس بصورة ما على الوضع الخاص بالأسعار.
وسبق تقرير "أوبك" تقرير آخر في الأسبوع الأسبق للوكالة الدولية للطاقة يتحدث عن تراجع في الطلب بصورة عامة في حدود 220 ألف برميل يوميا، يقع الجزء الأكبر منها على عاتق الدول الأعضاء في "أوبك"، وليصبح إجمالي الطلب المتوقع 84.8 مليون برميل يوميا، وهو ما يعزز من الاتجاه التراجعي في الطلب.
وإذا كانت معظم التقارير تشير إلى تراجع في التوقعات، فإن الجديد في تقرير "أوبك" لهذا الشهر أنه يتحدث من ناحية عن تراجع في الإمدادات الفعلية لأعضاء المنظمة إلى السوق، كما أنه يشير إلى حدوث تحسن ملموس في الطاقة الإنتاجية الفائضة تم تقديرها بنحو ثلاثة ملايين برميل يوميا.
وبسبب النمو الكبير في الطلب الذي بلغ أربعة ملايين برميل منذ عام 2002، فقد أدى هذا إلى حدوث اضمحلال في الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تراجعت من خمسة ملايين برميل يوميا عام 2002 إلى مليونين العام الماضي، لكن التحسن في إنتاج بعض المشاريع بإضافة بعض الوحدات وحدوث توسعات أسهم في رفع الطاقة الإنتاجية المتاحة إلى 33 مليونا، ستوفر 10 في المائة طاقة إنتاجية فائضة حتى إذا قامت "أوبك" بالإنتاج بطاقتها القصوى وهي 30 مليون برميل يوميا، كما كانت تفعل قبل ربع قرن من الزمان. وهذه النسبة كافية جدا, كما توضح تجارب السوق الدولية خلال الـ 15 عاما الماضية لتغطية أي فجوة يمكن أن تحدث فيما يتعلق بالإمدادات.
ويشير التقرير إلى أن المنظمة أنتجت في الربع الأول من عام 29.7 مليون، ويتوقع لها أن تنتج 28.2 مليون في الربعين الثاني والثالث و28.4 مليون في الربع الأخير من العام، على أن إنتاج الدول الأعضاء بلغ في الشهر الماضي 29.8 مليون برميل يوميا.
لكن من ناحية أخرى يرى بعض الخبراء أن الطاقة الإنتاجية الفائضة والمتاحة حاليا إنما تتركز في النفوط الثقيلة، إذ إن الدول الأعضاء لم تستثمر كثيرا في النفوط الخفيفة التي يزيد عليها الطلب، خاصة وأنه لا تتوافر طاقة للتحويل في المصافي الأمريكية تحديدا بما يمكن من زيادة كميات البنزين والديزل التي يمكن استخلاصها من النفط الخام.
ولعب الفائض من النفوط الخفيفة الدور الأساسي في تلبية الاحتياجات التي تطلبها وضع السوق مثلما كان الأمر عليه عام 1990، عندما اجتاح الرئيس العراقي السابق صدام حسين الكويت، وأصدرت الأمم المتحدة قرارات حظرت بموجبها النفطين العراقي والكويتي من الوصول إلى الأسواق، الأمر الذي يعني غياب 4.5 مليون برميل تم تعويضها بسهولة من قبل منتجين آخرين على رأسهم السعودية لتوفر كميات كافية من النفوط الخفيفة، وهو ما ليس متاحا بصورة كافية في الوقت الحالي، ولهذا تشعر السوق بقلق من حدث انقطاع بسبب العوامل الجيوسياسية من المواجهة الغربية مع إيران إلى الاضطرابات النيجيرية وغيرها.
ويرى خبراء نفطيون مثل فاضل الجلبي الذي عمل قائما بأعباء الأمانة العام لـ "أوبك" في عقد الثمانينيات، أن المنظمة تجاهلت حتى الآن موضوع الآلية السعرية التي يمكن أن تؤثر بها في السوق، وركزت في مطالبها الآخرين المستهلكين أن يحددوا لها معدل الطلب الذي يتوقعونه. وإذا كان للسياسات الضريبية تأثير، إلا أنه يبقى محدودا، كما يشير الجلبي، الذي أضاف أن عملية الطلب تؤثر فيها عوامل عديدة معقدة من النمو الاقتصادي والعادات الاستهلاكية، لكن هناك جانبا آخر يتعلق بالمنتجين وهو التسعير. فالمرونة السعرية مهمة للتأثير على الأسعار.
وضرب الجلبي مثلا أن أوروبا الغربية استهلكت 14.7 مليون برميل يوميا من النفط عام 1979، لكنها عادت بعد ربع قرن من الزمان ليبلغ استهلاكها 14 مليون فقط مع ملاحظة أن الناتج المحلي الإجمالي تضاعف أكثر من 300 في المائة خلال هذه الفترة. ويعود ذلك بصورة رئيسية إلى وضع الأسعار مضافا إليها الضرائب التي أثرت على عادات المستهلكين.
وكان المهندس علي النعيمي قد لخّص الوضع في حديث له أمام المركز العالمي للدراسات الاستراتيجية أخيرا، بالقول إن أمن الطاقة يتحقق من خلال ثلاثة محاور: حدوث استقرار سعري، وجود مصداقية في العرض والطلب، والقدرة على توفير الإمدادات. وهذه بدورها تقوم على تدفق معلوماتي يحتاج إلى التحسين باستمرار والتمتع بالمرونة اللازمة.
إلا أن الجلبي يرى وجود عنصر يتعلق بالمخاطرة تبدي الدول المنتجة ترددا في القيام به وهو ما يعبر عنه تساؤلها الدائم عن ضمانات لاستمرار الطلب حتى تتقدم بثقة للقيام باستثمارات ضخمة. وفي تقديره أن الدول المنتجة إذا لم تود تحمل مثل هذه المخاطرة، فإنه يمكنها فتح الباب أمام الشركات الأجنبية التي تبدي استعدادا لضخ استثمارات ورفع القدرات الإنتاجية حتى يمكن تلبية الاحتياجات المتنامية للأسواق.
وتشير أرقام أوردها نادر سلطان المسؤول الأسبق لشركة نفط الكويت إلى هذا الوضع، إذ أوضح في ورقة له أمام مؤتمر نفطي أنه بين عامي 1995 و2003، فإن منطقة الشرق الأوسط، التي تتمتع بمعظم الثقل فيما يتعلق باحتياطيات النفط، حيث تحتل شركات النفط الوطنية المراتب الأولى الثلاث عشرة، شهدت حفر 2 في المائة فقط من آبار النفط مقابل 64 في المائة في أمريكا الشمالية.

الأكثر قراءة