أزمة اليورو تدخل أوروبا في مأزق نقدي واقتصادي
يبحث وزراء الخزانة والمال الأوروبيون حزمة من المقترحات صاغتها المفوضية الأوروبية للإسراع في وتيرة تنسيق السياسات الأوروبية في مجالات التعامل مع متاعب موازنات الدول الأعضاء والتحكم في العجز العام وإدارة الديون، وذلك من خلال اجتماع استثنائي جديد يعقد غداً الجمعة في بروكسل.
وقال مصدر في المجلس الوزاري الأوروبي في بروكسل أمس، إن الاجتماع الذي دعيت إليه جميع دول منطقة اليورو سيرأسه الرئيس الأوروبي هرمان فان رومباي في خطوة إضافية للسعي على التأثير في أسواق المال، وفي وقت تواصل فيه هذه الأسواق ممارسة ضغط قوية على أداء التكتل وعلى العملة الموحدة.
وترغب المفوضية في جر الدول الأعضاء نحو وضع اللمسات الأخيرة التي تسمح بتطبيق آلية الطوارئ الخاصة بتقديم الدعم الضروري للدول التي تواجه متاعب في إدارة شؤونها المالية والنقدية.
وتنص الخطة على تكريس سلة مالية متكاملة من طوابق مختلفة وبتمويل متعدد الأطراف وبمشاركة المفوضية والدول الأعضاء وصندوق النقد الدولي والمصرف المركزي قد تصل إلى 750 مليار يورو عند الضرورة لتأمين أية ديون لإحدى دول منطقة اليورو.
ولا تزال الخلافات تتمحور في الإطار القانوني الذي ستتخذه الهيئة المالية والنقدية التي ستدير هذه السلة المالية بشكل عملي ومفصل.
واقترحت لكسمبورج إرساء هيئة مالية بصلاحيات مستقلة فوق أراضيها، ولكن محور خلافات الرئيس يظل مرتبطاً بإشكالية تحيد بشأن ضوابط الإفراج عن القروض من جهة ومطالبة ألمانيا بتدابير جديدة ومحددة لفرضها في المستقبل من جهة أخرى، وتراوح ما بين معاقبة الدول المتسيبة وحرمانها من الإعانات الأوروبية مباشرة وتجريدها من حق التصويت.
من جهتها، أعلنت ألمانيا أمس تدابير غير مسبوقة للتحكم في معاملات بعض أنشطة أسواق المال لكبح جماح المضاربين، ولفترة عام كامل والمنطوية تحت بند ما يسمى بالمعاملات والمبادلات غير المضمونة أو المكشوفة والتي تدّر أرباحاً كبيرة للمضاربين.
وقالت المفوضية رداً على ذلك إنها تأمل أن تلتزم برلين بالتنسيق مع شريكاتها في مثل هذه التحركات المفاجئة.. كما أن برلين لوحت في اليوم نفسه، بأنها تفضل تمكين المصرف المركزي الأوروبي، وليس المفوضية من مراقبة موازنات الدول الأعضاء وعلى خلفية المتاعب التي تعترض اليورو وباتت تهدده بشكل جدي عمل وزراء الخزانة والمال الأوروبيون يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين مرة أخرى على كسب الوقت في المواجهة المفتوحة بينهم وبين أسواق المال، ويخشى أن تمثل اجتماعات نهار غداً الجمعة مجرد فصل جديد من محولات كسب الوقت حسب غالبية المحللين الأوروبيين.
ووضع الوزراء بعد اجتماعات استمرت يومين في بروكسل إطاراً أولياً لمراقبة أنشطة الصناديق السيادية، وأفرجوا عن أول دفعة من المساعدات لليونان، وأوصوا بمزيد من الضوابط في الموازنات، ولكن الضغوط تظل مستمرة على إسبانيا والبرتغال أي على صلابة اليورو نفسه.
ويرى المحللون أنه وبعد تبادل الانتقادات بين برلين وباريس خلال الساعات الأخيرة، فإن المحور الفرنسي الألماني الذي كان ضمانة اليورو الفعلية بات يتعرض للتآكل جراء أزمة الديون، كما أن الدول الغنية في شمال أوروبا المؤيدة لألمانيا، تطالب بمزيد من الضوابط قد لا تتحملها دول الجنوب، وهو ما يزيد حالياً من متاعب أوروبا، ومتاعب اليورو.
ويرى المتفائلون داخل منطقة اليورو أن تراجع سعر العملة الأوروبية سيحفز صادرات الاتحاد، ويدعم تنافسية المنتجات الأوروبية، ولكن إعلان الوزراء الأوروبيين عن لقاء جديد غداً الجمعة ليس من شأنه طمأنة المتعاملين.
ويتضح يوماً بعد يوم، ومن خلال معاينة الأزمة الحالية، فإن متاعب اليورو تعود أساساً إلى حالة الانفصام التي يعانيها الاتحاد الأوروبي الساعي منذ طرح العملة الأوروبية، إلى إقامة وحدة نقدية دون اتحاد سياسي اقتصادي، وهي إشكالية يصعب حلها بالسرعة الضرورية والقادرة على احتواء ضغوط الأسواق.
من جانبها، حذرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من انهيار الاتحاد الأوروبي في أزمة اليورو. وقالت ميركل أمس في بيان حكومي أمام البرلمان الألماني حول شبكة الأمان إن تجاوز أزمة اليورو سيجعل اليورو وأوروبا أقوى من قبل.
وأكدت حاجة أوروبا إلى ثقافة استقرار جديدة، مطالبة في الوقت نفسه باتخاذ تدابير وقائية على مستوى مجموعة العشرين لمنع حدوث أزمات مالية. من ناحية أخرى، أكدت المستشارة ضرورة فرض ضرائب على أسواق المال على المستوى العالمي من خلال فرض ضرائب على المعاملات المالية في صفقات البورصة أو على الأنشطة المالية، أي على أرباح ومدفوعات رواتب البنوك. والمقررة نهاية حزيران (يونيو) المقبل. وذكرت ميركل أنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق حول فرض ضرائب عالمية على المعاملات المالية خلال القمة، فإنه سيتم مناقشة هذا الأمر في أوروبا. كما دعت ميركل مجدداً إلى إجراء إصلاح شامل لميثاق الاستقرار النقدي، والنمو لأعوام "خطأ كبير".
وعلى الصعيد نفسه، دعت ميركل مجدداً إلى توطيد التنسيق بين دول منطق الديون". ومن ناحية أخرى، ذكرت ميركل أن استقلالية البنك المركزي الأوروبي غير معرضة للخطر، موضحة أن تأمين استقرار الأسعار يمثل لب مصداقية البنك المركزي الأوروبي.
تجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الأوروبي واجه انتقادات أخيرا بعد شرائه أول مرة ديون بشأن المساهمة الألمانية في شبكة الأمان المالي لمنطقة اليورو غداً الجمعة.
وقد تسهم ألمانيا في تلك الشبكة بضمانات ائتمان تصل إلى 148 مليار يورو خلال الأعوام الثلاثة المقبلة. من جهة أخرى، هبط سعر الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته في 14 شهراً أمام الدولار أمس، متبعاً خطى اليورو الذي هبط بعد أن حظرت ألمانيا بيع بعض الأوراق المالية على المكشوف، ما أضر بالإقبال على المخاطر.
وجاءت عمليات البيع الجديدة للاسترليني بعد أن تضررت العملة بالفعل من مخاوف من أن تؤدي إجراءات تشديد السياسة المالية من جانب الحكومة البريطانية الجديد إلى تعطيل الانتعاش، وتوقعات بأن يبقي بنك إنجلترا على أسعار الفائدة منخفضة لبعض الوقت. وحظرت ألمانيا أمس الأول، البيع على المكشوف للسندات الحكومية الخاصة بمنطقة اليورو، وبعض الأسهم وضمانات الائتمان المدعومة بالدين السيادي. ويقول المحللون إن الحظر لن يسهم بدرجة كبيرة في حل مشكلة ديون منطقة اليورو في حين أن الميل لتطبيق إجراءات مالية أكثر صرامة قد يؤثر في أداء القطاع المالي والنمو الاقتصادي والإقبال على المخاطر. وهبط سعر الاسترليني إلى 1.4240 دولار وهو أدنى مستوياته منذ آذار (مارس) عام 2009. قبل أن ينتعش إلى 1.4281 دولار. وخسر الاسترليني 11 في المائة من قيمته أمام الدولار هذا العام ليصبح من أضعف العملات أداء.
وسددت اليونان أمس، قروضاً بقيمة تسعة مليارات يورو استحق موعد سدادها، وذلك عشية إضراب عام جديد هو الرابع منذ شباط (فبراير) الماضي دعت إليه النقابات احتجاجاً على خطة التقشف التي أقرتها الحكومة.
وبفضل الدفعة الأولى من القرض الأوروبي التي بلغت قيمتها 14.5 مليار يورو، وتسلمتها أثينا الثلاثاء الماضي، بات بإمكان الحكومة اليونانية تسديد استحقاقات الديون في موعدها، وذلك عبر دفع نحو تسعة مليارات يورو لدائنيها.
وأعلنت وزارة المال اليونانية أن الخزانة تلقت أيضاً قرضاً بنحو 5.5 مليار يورو منحه إياها صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي، وبهذا باتت البلاد في مأمن من الإفلاس وتمت تغطية حاجاتها المالية للاستحقاقات القصيرة المدى. وأوضحت الوزارة أن "هذه الأموال تغطي حاجات الاقتراض الفورية والقصيرة المدى، إضافة إلى سندات اليونان". ويندرج مبلغ 14.5 مليار يورو في إطار برنامج قروض بنحو 80 مليار يورو، وعد شركاء اليونان في منطقة اليورو بدفعه على ثلاث سنوات، بينما وعد صندوق النقد الدولي بدفع 30 مليار يورو.
وسيكون الاستحقاق المهم المقبل في آذار (مارس) 2011 عندما يتعين على أثينا أن تدفع لدائنيها سندات خزانة لثلاث سنوات قيمتها 8.6 مليار يورو.