رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هيئة السوق المالية على صفيح ساخن (1/12)

سوء الطالع ..

سوء الطالع مصطلح ينضح بالذوق لوصف حالة من يبدأ يومه أو رحلته بمشكلة، وأكبر مشكلة - حسب اعتقادي - أن تبدأ العمل، أي عمل، وأنت تحت نظر الجميع، كبيرهم وصغيرهم، الفاهم منهم ومَن هو دون ذلك، تتعرض للنقد والتقييم في كل مرحلة من مراحل عملك من قبلهم جميعا قبل أن تنهيه، ذلك أنك تعمل تحت ضغط هائل لا يمكنك احتماله، ضغط يشتت ذهنك عن العمل الأساسي لتنشغل بما هو غير ذلك بشكل يستنفذ جهدك وفكرك ووقتك معا لتصار إلى يوم أسود عندما تكون نتيجة ذلك التشتت إخفاقات عليك أن تتحملها كاملة حتى وإن كان معظم أسبابها مسؤولية جهات أخرى.
قدمت ذلك وأنا أرى حال أعضاء مجلس هيئة السوق المالية والعاملين فيها وهم يقاتلون في ساحات كثيرة فتحت عليهم من أطراف عديدة بحُسن نية أو بسوئها، ساحات قتالية شغلتهم عن الساحة الرئيسية التي يريدون تركيز العمل فيها، وهي هيكلة السوق المالية بما يجعلها سوقا مالية قائمة على قواعد ثابتة لتنطلق في أداء مهمتها ضمن المنظومة الاقتصادية السعودية بما يدعم المسيرة التنموية للبلاد.
ولأبين ذلك أقول إن هيئة السوق المالية التي تأسست بموجب (نظام السوق المالية) الصادر في 2/6/1424هـ، ولم تنطلق في أعمالها إلا بعد عام عندما تم تشكيل مجلس إدارتها بموجب المرسوم الملكي الصادر في 15/6/1425هـ، قد وجدت نفسها وسط جمرة ساخنة تزداد لهيبا بازدياد المتداولين، وارتفاع وتيرة المضاربات بدخول المزيد من رؤوس الأموال التي أغلقت معظم القنوات الاستثمارية في وجهها حتى بات في كل بيت سعودي مضارب أو أكثر.

هؤلاء الأعضاء الذين حددت صلاحياتهم قبل عام من تعيينهم، وهذه الصلاحيات منصوص عليها بالنظام الذي تم إعداده ومراجعته من قبل عدة جهات ومؤسسات حكومية ومتخصصة، وأقرّه مجلس الشورى قبل أن يصدره مجلس الوزراء رسمياً وقعوا تحت ضغط شديد لا مثيل له، لأنهم يعملون تحت رقابة الجميع من أصغر مستثمر إلى أعلى سلطة في البلاد مرورا بكبار المستثمرين والوسائل الإعلامية والجهات التشريعية والرقابية ومجتمع الأعمال عموما، فما ظنكم بمن يعمل تحت رقابة بلد بكامله، ورضا الناس غاية لا تدرك، خاصة وأن هؤلاء الناس يتفاوتون بالنوايا أولا وبالقدرات والمهارات والعقول ثانيا.

هذه الرقابة نشأت وازدادت ضراوتها عندما أصبح معظم السعوديين يتعاملون بالأسهم مشكلين فريقين، الأول يعمل دون وعي بماهيتها وأهميتها وكيفية التعامل معها ومعظمهم من صغار المستثمرين الذين شكلوا أكثرية كقاعدة استثمارية، مشكلين خللا هيكليا في السوق لا يمكن لأجود برامج التوعية معالجته في وقت قصير أو متوسط، والثاني كبار المستثمرين "الهوامير" وهؤلاء رغم أنهم يعملون بمهنية ومعرفة إلا أنهم اعتادوا العمل منذ إنشاء سوق الأسهم المحلية دون أنظمة رسمية تصنف التداولات القانونية المشروعة والتداولات أو الممارسات غير المشروعة (المخالفة للنظام)، والتي تتيح لفئة نافذة صغيرة غش وتظليل عموم المستثمرين مما جعلهم لا يتقبلون الأنظمة، وهذه طبيعة الإنسان فمن عمل من اليوم الأول تحت ظل النظام ليس كمن عمل دون نظام لمدة طويلة ثم يطلب منه الالتزام بالنظام بعد ذلك.

ومما يزيد الضغط على العاملين في هيئة السوق المالية تعرضها لطرح إعلامي أقل ما يُقال عنه إنه طرح إعلامي متواضع، ذلك أنه يبحث عن الإثارة ليجذب القارئ أو المشاهد دون النظر إلى الأضرار التي ستلحق بسوق المال على المديين القصير والبعيد، نتيجة هذا الطرح الذي سببه ضعف الإمكانيات الفنية لمعظم الصحافيين الاقتصاديين في مجال الأوراق المالية وأسواقها وأنظمتها ولوائحها، ولقد بين ذلك الأستاذ محمد العقيل في لقائه مع جريدة "الحياة" بقوله "إن معظم الصحافيين الاقتصاديين في الصحف ووسائل الإعلام لا يفهمون في مجال الأسهم، ولا يعرفون قراءة القوائم المالية، وكتاباتهم لا تعدو، كونها انطباعات أكثر منها تحليلا، مؤكدا أن معظم الصحافيين مستثمرون في سوق الأسهم".

وماذا إذا أضفنا إلى ذلك غياب أو عدم اكتمال جاهزية المؤسسات المتخصصة التي لا يمكن لأي سوق أن تنضج من دونها كشركات الوساطة والاستشارات، والمستشارين الماليين ومؤسسات التقييم المالي والائتماني المحترفة، وقيام البنوك بدور الوسطاء التي تضاربت مصالحها بمصالح المستثمرين، لتبين لنا مدى الاختلالات الهيكلية التي تعاني منها سوق الأوراق المالية في المملكة العربية السعودية، والمسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق هيئة السوق المالية، وهذا يشير لمهام هيكلية كثيرة ومتعددة واجبة التشكيل في وقت ضيق في ظل هجوم شديد ومتكرر من قبل المتعاملين كافة.

ختاما لن أكون في سلسلة المقالات هذه مدافعا عن هيئة السوق المالية "التي وجدت نفسها على صفيح ساخن" بقدر ما أسعى لتحليل سليم لسوق الأسهم في صعوده وهبوطه الحادين، لتشخيص المرض الذي أصابه تشخيصا سليما "فالتشخيص الصحيح نصف العلاج" لنتعاون جميعا باقتراح الحلول المناسبة (العقلانية لا العاطفية) لكي نتجنب حدوث مثل هذه الهزة العنيفة مرة أخرى، فالعاقل من يتعظ بغيره، لا أن يتعظ به الناس، راجيا الله ألا يعدو التصحيح الحاد أو الانهيار، كما يحلو للبعض أن يسميه، أن يكون تجربة مريرة نستلهم منها العظة لغد مشرق وواعد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي