رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مدينة الملك عبد الله الاقتصادية.. خطوة طال انتظارها

تضاعفت الإيرادات النفطية السعودية عدة مرات خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي ظل عدم طرح مشاريع استراتيجية تسهم في توجيه الموارد المالية المتنامية لتمويل أنشطة استثمارية ضخمة تزيد من تنويع مصادر الدخل وتحد من نمو فائض السيولة المحلية، فقد تضخمت قيم الأصول المالية بسرعة كبيرة تضاعفت معها أسعار معظم الشركات عشرات المرات، ما ساعد على استقطاب سوق الأسهم لمعظم المدخرات المحلية. فما طرح من اكتتابات جديدة كانت شحيحة ومتباعدة بحيث لم تستطع إحداث أي تأثير في معدلات نمو السيولة المحلية، فخلال عام 2005 مثلا لم يطرح إلا أربع شركات هي بنك البلاد، سدافكو، المراعي، وينساب، بقيمة طرح إجمالية لم تزد على 6.3 مليار ريال، في حين نمت السيولة المحلية خلال العام نفسه بما يقرب من 60 مليار ريال.
ففي العامين الماضيين تجاوز متوسط معدل النمو السنوي في السيولة المحلية 15.5 في المائة سنويا، بوصولها إلى حوالي 550 مليار ريال نهاية هذا العام مقارنة بـ 411 مليار ريال فقط نهاية عام 2003، بينما لم يزد معدل النمو السنوي في القطاع غير النفطي في السعودية خلال الفترة نفسها على 6 في المائة. الأمر الذي ترتب عليه عدم خلق فرص توظيف جديدة كافية لامتصاص فائض السيولة المتنامي بسرعة، ما جعلها تنقلب من ميزة وفرصة اقتصادية إلى ظاهرة سلبية أثرت عكسيا في معدل النمو في قطاعات النشاط الاقتصادي الحقيقي، بانجراف فائض السيولة نحو تغذية مضاربات سوق الأسهم، ما تسبب في ارتفاع مؤشر السوق ليصل خلال أقل من ثلاثة أعوام إلى ستة أضعاف قيمته بنهاية عام 2002 والبالغة 2.518 نقطة، وتضخمت القيمة السوقية للأسهم المحلية بحدة بحيث أصبحت تقترب الآن من ضعفي قيمة الناتج المحلي الإجمالي للسعودية.
لذا فتدشين مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية الذي قدرت استثماراته بحوالي 100 مليار ريال والإعلان عن أن المشروع باكورة خمسة مشاريع يخطط لتنفيذها في أنحاء مختلفة من السعودية يعتبر خطوة مهمة جدا، وإن جاءت متأخرة عدة سنوات عن وقتها المناسب، ستسهم في رفع مستوى توظيف فائض سيولتنا المحلية، وتخلق فرصا استثمارية تساعد على توطين الاستثمارات السعودية في الخارج بل وحتى استقطاب الاستثمارات الأجنبية، كما ستسهم في تحقيق تنمية متوازنة في أنحاء السعودية المختلفة من خلال إقامة مشاريع جبارة تتصف بارتفاع قيمها المضافة ما ينعكس بإيجابية على نوعية الفرص الوظيفية ويزيد من فرص تأهيل وتطوير الموارد البشرية السعودية بكفاءة. وقد كان من المفترض أن تكون مثل هذه الأفكار مستكملة ومخططا لها منذ فترة بدلا من الانتظار ثلاث سنوات على بدء الطفرة قبل أن تبدأ الأجهزة الحكومية المعنية بالشأن الاقتصادي بطرح أفكار إقامة مشاريع استراتيجية تسهم في تعظيم مكاسب الطفرة الاقتصادية التي نعيشها وتساعد على الحفاظ على جاذبية وكفاءة مختلف الأنشطة الاقتصادية، بدلا من السماح للسيولة المحلية بالنمو وفق معدلات تخل بنشاطات الاقتصاد الحقيقي بتوجه معظم الموارد المالية لمضاربات سوق الأسهم.
التأثيرات المتوقعة على السوق المالية نتيجة طرح 30 في المائة من أسهم هذا المشروع، وطرح جزء من أسهم المشروعات المماثلة التي أعلن عن النية لتدشينها لاحقا، وأي مشاريع أخرى يؤمل أن تكون في جعبة أجهزة حكومية أخرى، وانطلاق عملية التخصيص المتوقفة، إضافة إلى طرح أسهم العديد من الشركات التي تقدمت إلى هيئة السوق المالية بطلبات طرح أسهمها في اكتتابات عامة، ستكون كبيرة وستسهم دون شك في الحد من فائض السيولة المحلية وترفع من معدلات نمو القطاع غير البترولي ما يحقق قدرا من التوازن بين معدلات نمو السيولة المحلية ومعدلات النمو في قطاعات الاقتصاد غير النفطي، ما يفقد السوق المالية قوة الدفع التي أسهمت في ارتفاعها غير المبرر والمبالغ فيه خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ويعيد التوازن بين فرص الاستثمار المختلفة في اقتصادنا الوطني بدلا من انجرف معظم المدخرات نحو مضاربات سوق الأسهم، بحيث يعود أفراد المجتمع إلى ممارسة أعمالهم بصورة طبيعية سعيا لاقتناص الفرص الاستثمارية التي ستتيحها هذه المشاريع الجبارة لا الانكفاء التام على سوق الأسهم سعيا للربح السريع بالجهد القليل، وهو أمر كان مستحيلا في خضم تسجيل سوق الأسهم المحلية والخليجية أرقاما قياسية تاريخية لم تعرفها أي سوق مالية أخرى في العالم.

أكاديمي وكاتب اقتصادي
[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي