جاذبية الاكتتابات القادمة
توصف السوق المالية السعودية خلال الأعوام الماضية بأنها سوق الطرح الأولي بكل ما يعنيه هذا الوصف من معنى, بدءا من ''الاتصالات السعودية''، مروراً بـ ''ينساب''، حتى ''هرفي'' و''السريع''. تميزت حركة تداول أسهم بعض هذه الشركات خلال الأيام الأولى من التداول بعمق مالي كبير عكس تباين الأهداف الاستثمارية بين المكتتبين والمستثمرين.
يثير هذا التباين تساؤلات حول حجم وطبيعة حركة تداول أسهم شركات الطرح الأولي خلال الأيام الأولى، وكيفية انتقال ملكية أسهم شركات الطرح الأولي من المكتتبين إلى المستثمرين، وهوية أكثر المستفيدين من تداولات هذه الأسهم.
حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات عن طريق دراسة سلوك طبيعة المكتتبين، وصناع السوق، والمستثمرين خلال اليومين الأولين من تداول أسهم شركات الطرح الأولي المدرجة في سوق ناسداك. نشرت الدراسة في مجلة ''علم الاقتصاد المالي''The Journal of Financial Economics تحت عنوان ''من يتداول أسهم الطرح الأولي؟ نظرة على الأيام الأولى للتداول''.
هناك سببان دعما اختيار هذه الدراسة عوضا عن غيرها من دراسات تداول الطرح الأولي كمنظور مشاهدة لواقع حركة تداول أسهم شركات الطرح الأولي في السوق المالية السعودية.
السبب الأول أن الدراسة أجريت في سوق مالية متقدمة (سوق ناسداك) تختلف شرائح المتداولين فيها عن تلك الموجودة في السوق المالية السعودية في الفترة الحالية، وربما تتشابه شرائح المتداولين فيها في الفترة المقبلة مع تطوير شريحة صناع السوق.
والسبب الآخر أن السوق المالية السعودية تمر بمرحلة انتقالية تستأنس الإدراج التسلسلي لشركات جديدة، ما يزيد الحاجة إلى فهم سلوك المكتتبين والمستثمرين في تداول أسهم شركات الطرح الأولي.
اعتمدت الدراسة على معلومات حركة تداول اليومين الأولين لـ 559 شركة طرح أولي أدرجت في سوق ناسداك خلال الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) 1996م إلى حزيران (يونيو) 1997.
استندت الدراسة إلى قاعدتي بيانات لحركة تداول أسهم الطرح الأولي لاستقاء هذه المعلومات. وقسمت عينة الدراسة (559 شركة) إلى أربع مجموعات بناء على التباين بين سعر طرح السهم والسعر الافتتاحي مع بداية عملية التداول. المجموعات الأربع كالتالي: أسهم العائد العالي، وأسهم العائد شبه العالي، وأسهم العائد المعتدل، وأسهم العائد المنخفض.
من الأهمية بمكان قبيل ذكر نتائج الدراسة الأخذ في الاعتبار التباين بين آلية عمل سوق ناسداك والسوق المالية السعودية, حيث تصنف سوق ناسداك على أنها سوق تفاوضية تقوم على مبدأ التفاوض بين البائع والمشتري على تحديد قيمة السهم, وبالتالي، فإن سعر السهم يتحدد بناء على القدرة التفاوضية بين البائع والمشتري.
تصنف السوق المالية السعودية في المقابل على أنها سوق مزدوجة تقوم على وجود مجموعة من المتداولين تعرض مجموعة من الأسهم، ومجموعة أخرى تطلبها, وبالتالي، فإن سعر السهم يتحدد بناء على التوافق بين كلا السعرين. توصلت الدراسة إلى عدة نتائج مفيدة تشكل في مجملها إجابة شمولية عن التساؤلات حول حجم وطبيعة حركة تداول أسهم شركات الطرح الأولي خلال الأيام الأولى، وكيفية انتقال ملكية أسهم شركات الطرح الأولي من المكتتبين إلى المستثمرين، وهوية أكثر المستفيدين من تداولات هذه الأسهم.
النتيجة الأولى أن حركة تداول أسهم العائد العالي تتميز بحجم تداول يفوق مجموعات الأسهم الثلاث الأخرى. والنتيجة الثانية أن عملية تداول أسهم العائد العالي تنحصر في المكتتبين والمستثمرين، بينما ينحصر دور صناع السوق في الوساطة بين المكتتبين والمستثمرين. والنتيجة الثالثة أن طبيعة تداول أسهم العائد العالي تتميز في بدايتها بتساوي القدرة التفاوضية على سعر السهم بين المكتتبين والمستثمرين، لكنها لا تلبث في نهاية اليوم الثاني للتداول أن تميل القدرة التفاوضية، وبالتالي التجميع، لكفة المستثمرين. والنتيجة الرابعة أن عملية تداول أسهم العائد المنخفض تنحصر في المكتتبين وصناع السوق. والنتيجة الخامسة أن طبيعة تداول أسهم العائد المنخفض تتميز في بدايتها بتساوي القدرة التفاوضية على سعر السهم بين المكتتبين وصناع السوق، لكنها لا تلبث في نهاية اليوم الثاني للتداول أن تميل القدرة التفاوضية، وبالتالي التجميع، لكفة صناع السوق.
عندما ننظر إلى واقع السوق المالية السعودية من منظور نتائج هذه الدراسة، مع الأخذ في الاعتبار التباين بين آلية عمل سوق ناسداك والسوق المالية السعودية، فإنه من الممكن وضع اللمسات الأولية للإجابة عن التساؤلات حول حجم وطبيعة حركة تداول أسهم شركات الطرح الأولي خلال الأيام الأولى، وكيفية انتقال ملكية أسهم شركات الطرح الأولي من المكتتبين إلى المستثمرين، وهوية الرابح الأكبر من تداولات هذه الأسهم.
تنتظر السوق المالية السعودية خلال الفترة المقبلة إدراجات جديدة من منطلق ما تقتضيه المرحلة الانتقالية المقبلة من تشجيع الشركات على طرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام وإدراجها تباعاً في السوق. ستشهد حركة تداول أسهم بعض هذه الشركات نمواً ملحوظاً في العمق المالي، وتبايناً في الأهداف الاستثمارية بين المكتتبين، وصناع السوق، والمستثمرين. ومع تباين الأهداف ستتباين هوية أكثر المكتتبين وصناع السوق والمستثمرين استفادةً.