علاقات عامة

علاقات عامة

<a href="mailto:[email protected]">asidahmed@hotmail.com</a>

يخطط وزيرا الخزانة البريطاني جوردون براون ورصيفه الفرنسي ثييري بريتون للقيام بزيارة مشتركة إلى منطقة الشرق الأوسط للالتقاء بمنتجين رئيسيين للنفط، نيابة عن مجموعة السبع، لحث الدول المنتجة على عمل أي شيء ممكن لخفض أسعار النفط، التي حذرت المجموعة أخيرا أن ارتفاعها أصبح يهدد الاقتصاد العالمي.
هذه الزيارة المتوقعة تبدو بلا معنى، لأن منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) أعلنت على لسان أكثر من مسؤول فيها أنها تقف عاجزة عن كبح جماح الأسعار المرتفعة، رغم أنها تنتج بأقصى طاقة متاحة لديها، ولكن كما يعرف كل متابع للسوق النفطية أن وضع الأسعار الحالي تتحكم في عوامل عديدة يأتي في ذيلها النقص في توفير إمدادات جديدة.
وفي واقع الأمر فإن هناك عاملين يؤثران في موضوع الأسعار أكثر من غيرهما هذه الأيام وليس للدول المنتجة يد فيهما. الأول أن هناك شبه اتفاق على أن ما يعادل 15 دولارا من سعر البرميل الحالي يعود إلى المواجهة التي تقوم بها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضد ايران بسبب ملفها النووي، كما أن السوق أصبحت مقادة إلى حد كبير بتحركات أسعار المنتجات المكررة خاصة البنزين، الذي يعاني من قلة المعروض بسبب الإجراءات الأمريكية الأخيرة الخاصة بالتحول إلى الإيثانول واقتراب موسم قيادة السيارات، وتميز فترة الأسابيع الثمانية المقبلة بأنها فترة الصيانة حيث يغلق العديد من المصافي أبوابها أو تعمل بأقل من طاقتها.
من المؤكد أن الوزيرين يعرفان هذه الحقائق حقّ المعرفة، وما دام الأمر كذلك فما الداعي لمثل هذا التحرك؟ الهدف تكرار ممارسة أصبحت تقليدا تتبعه الدول الرئيسية، وهو اصطياد عصفورين بحجر واحد: أن تبدو بمظهر من يفعل شيئا أمام الرأي العام في بلادها، رغم أن ذلك من الناحية العملية بعيد عن الواقع. وكذلك تعزيز الانطباع عن وجود جهة ما خارجية مسؤولة عن المتاعب التي يعانيها المستهلكون في الدول الصناعية. فما دام المسؤولون يذهبون إلى الدول المنتجة للنفط ويكررون مناشدتهم لها أن تضخ المزيد من الإمدادات، فإن ذلك يمكن أن يرسخ لدى جمهرة المستهلكين أن الحل للمتاعب التي يعانيها موجود لدى جهات أجنبية وأن المسؤولين في بلدانهم يبذلون جهدهم للتوصل إلى اتفاقات مع أولئك المنتجين تخفف الأعباء.
هذه ممارسة للعلاقات العامة في أدنى صورها الهادفة فقط إلى إبعاد المسؤولية وإلقاء اللوم على أطراف أخرى، وليس إلى تحسين الصورة أو تهيئة البيئة الصالحة للتوصل إلى حلول.
وجه الخطأ في هذه الممارسة أنها تتجنب مواجهة الواقع الحقيقي بما يتطلب من قرارات مؤلمة أحيانا. وعلى رأس القضايا المطلوب مواجهتها نمط الحياة الغربي والأمريكي على وجه التحديد، القائم على الإفراط في استخدام النفط، إلى جانب تثاقل الدول الغربية الرئيسية المستهلكة للنفط في البدء بحوار حقيقي مع المنتجين ليعرف كل طرف حدود واجباته ومسؤولياته في اتجاه تحقيق استقرار للسوق النفطية يضمن تدفق الإمدادات وبسعر معقول.
الحوار الذي بدأ عقب الصدمة النفطية الأولى في إطار ما عرف وقتها بحوار الشمال والجنوب في سبعينيات القرن الماضي لم يتقدم قيد أنملة ومات موتا طبيعيا بعد تحول سوق النفط إلى سوق مشترين. فبسبب التخمة النفطية أصبحت للمشترين اليد العليا ولم يعودوا مهتمين بقضايا الحوار.
وفي مطلع العقد الماضي، وعقب حرب تحرير الكويت، انطلقت محاولات خجولة للبدء في حوار سار بطريقة متعثرة، لكنها متئدة، وتمكن أخيرا من تكوين منتدى الطاقة الذي تستضيفه الرياض وعقد اجتماعا أخيرا في الدوحة ليساعد على تدفق المعلومات بين المنتجين والمستهلكين. ومع أهمية هذا الجانب إلا أن بعض القضايا الساخنة لا تزال تنتظر الإرادة السياسية للتحرك بشأنها.
ففي مواجهة طلبات الدول المستهلكة مثل مجموعة السبع للمنتجين بزيادة إنتاجهم، جاء الرد الطبيعي والمنطقي من هؤلاء المنتجين أنهم على استعداد للقيام بهذا الدور شريطة وجود ضمانات أن زيادة الإنتاج التي ستقوم بها ستجد سوقا. فهناك استثمارات ضخمة مادية وبشرية وتقنية لا بد من بذلها لتحقيق الزيادة المطلوبة في الإنتاج. وهذا في حد ذاته عبء تقدر عليه فقط الدول لا الشركات، حتى وإن كانت في ضخامة "إكسون موبيل"، التي يماثل دخلها السنوي الناتج المحلي الإجمالي لدولة نفطية، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الشركات التي تتداول أسهمها في البورصة محكومة بمعايير استثمارية معينة، وهناك حَمَلة أسهم يحاسبونها على ما تحققه لهم، وبالتالي فليس من أولوياتها ضخ استثمارات ضخمة وإبقاؤها عاطلة تحسبا للمستقبل سواء لمقابلة نمو متوقع في الطلب أو خوف من انقطاع في الإمدادات لا بد من التعويض عنه.
هذه مسؤولية محددة مطروحة أمام المنتجين تتطلب مقابلا محددا من جهة المستهلكين، ولن يساعد على تفاديها ممارسة العلاقات العامة الجارية حاليا على قدم وساق.

الأكثر قراءة