مبادرة 10 x 10 تجربة إدارية علينا استثمارها

لكل تجربة تكلفة سواء كانت تجربة ناجحة أو فاشلة, وبكل تأكيد تكاليف الفشل أعلى من تكاليف النجاح ولرفع كفاءة تكاليف التجارب الفاشلة قالوا لنا إن توثيقها وعرضها على الآخرين يجنبهم الوقوع بالفشل مرة أخرى، كما أن نتائجها يمكن أن تكون قاعدة صلبة للانطلاق نحو النجاح، وهو كلام صحيح ودقيق ويدركه العاملون في الطب والهندسة والعلوم أكثر من العاملين في العلوم الإنسانية.
التجارب الناجحة تنسي القائمين عليها قضية رفع كفاءة تكاليفها، حيث نشوة النجاح والاعتقاد أن النجاح يستحق هذه التكاليف, وهو رأي لا بأس به, ولكن ما هو أكثر منطقية أن نزيد منتجات التجربة لتخفيض تكلفتها بأقصى قدر ممكن، وإن كانت تجربة ناجحة وأبسط وسائل رفع كفاءة تكاليف التجربة الناجحة توثيقها وتعميمها بمقابل أو دون مقابل لتوسيع قاعدة المستفيدين منها.
تجربة جاك ويلش الإدارية في شركة جنرال إليكتريك حققت نجاحات كبيرة لصالح مساهمي الشركة، حيث استطاع جاك ويلش رفع القيمة السوقية للشركة من نحو 14 مليار دولار إلى نحو 410 مليارات دولار في أقل من 20 عاما، ولرفع كفاءة تكاليف هذه التجربة فقد تم توثيقها ونشرها, الأمر الذي حقق سمعة كبيرة لشركة جنرال إليكتريك من ناحية وسمعة كبيرة لجاك ويلش من ناحية أخرى حتى حاز لقب مدير القرن الـ 20 الأمر الذي مكنه من تحقيق إيرادات كبيرة لصالحه بعد التقاعد فضلا عن تمكين الكثير من المديرين في أمريكا وخارجها للاستفادة من مدخلات وعمليات هذه التجربة الإدارية الفريدة والمتميزة.
إذن استثمار التجارب الناجحة والفاشلة أو المريرة كما يحلو للبعض أن يسميها يرفع من كفاءة تكلفتها والعكس يجعلها عالية التكلفة، وحيث إننا نعيش في عالم يحركه الاقتصاد يعمل على رسملة كل شيء بذكاء شديد بات من الضروري أن نستثمر تجاربنا الناجحة قبل الفاشلة خصوصا التجارب الإدارية لأننا فعلا في حاجة إلى تجارب إدارية ناجحة في بيئتنا السعودية بكل محفزاتها ومعوقاتها لتلعب دور المحفز للمتعذرين المتذمرين من ناحية, ولتلعب دور البلسم الشافي للمجتهدين المجدين, ولتمنح كل هؤلاء فكر وأدوات النجاح لدعمهم وتعزيز قدراتهم لتحقيق النجاح تلو النجاح الذي سينعكس على كل حال على بلادنا بالمحصلة.
التجربة الإدارية لمبادرة 10 x 10 كما علمت أصبحت مثار إعجاب دول نامية ترغب في تحسين بيئتها الاستثمارية ما جعلهم يريدون معرفة تفاصيلها لاستثمارها في خفض تكاليف تحسين بيئة بلادهم الاستثمارية بالبدء من حيث انتهى الآخرون الناجحون، وحسب علمي أن الهيئة العامة للاستثمار لم تبخل بعرض تجربتها ومساعدة الآخرين للاستفادة منها، ولكن الأقربين أولى بالمعروف حتى وإن لم يدرك الآخرون مدى نجاح هذه التجربة الإدارية المتميزة لأي سبب كان. تجربة مبادرة 10 x 10 بها من الفوائد الشيء الكثير والتي ما إن تدركها القيادات الإدارية في بلادنا ستقوم باستثمارها لصالح تطوير الأجهزة الحكومية أو المؤسسات المدنية أو المنشآت الخاصة التي يديرونها, فهي تجربة جريئة تحثنا على الجرأة في طرح خططنا ومؤشرات ومعايير تقييمها أمام الجميع، وأثبتت أن الجرأة هنا محفزة لتحقيق الغاية المعلنة أكثر من كونها مثبطة على اعتبار أنها مصدر قلق وخوف من الفشل أمام الجميع، كما أنها تجربة إدارية قامت على احترام المؤشرات المحايدة ومعاييرها كمرجعية علمية دقيقة يمكن الاحتكام لها دون الخوض في جدليات عقيمة للتعرف على مدى فاعلية ما نحن عليه من تقدم أو تخلف، وفيما إذا كان من الضروري تطوير ما نحن عليه وما هو التطويرات ذات الأولوية، وبذلك نقلتنا من التقييم الانطباعي إلى التقييم العملي الدقيق والمحايد لتؤكد لنا “أن ما لا يمكن قياسه لا يمكن إنجازه”. أيضا هي تجربة نقلتنا من الأنا العالية الانطباعية التي تقول الزين عندي والشين عند غيري إلى الأنا الحقيقية التي تظهر واقعنا دون أبعاد عاطفية وشتان بينهما، فالأولى مخدرة والثانية محفزة وهو ما جعل مبادرة 10x10 مبادرة تحفيزية بكل المقاييس، حيث كشفت موقعنا بالنسبة للدول الأخرى في مؤشرات التنافسية الرئيسة ومؤشراتها الفرعية بكل واقعية, الأمر الذي حفزنا جميعا لإجراء ما يلزم للتقدم في تلك المؤشرات وهو ما أفضى لأكثر من 180 تعديلا في الأنظمة واللوائح والإجراءات أجرتها الأجهزة الحكومية مشكورة في الوقت المستهدف ما دفع بلادنا إلى صفوف متقدمة في مؤشرات التنافسية حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الهدف المعلن وهو تحقيق المركز العاشر في مؤشرات التنافسية عام 2010م.
تجربة مبادرة 10x10 رسخت لدينا مفهوم مأسسة الأفكار، حيث قامت هيئة الاستثمار بتأسيس مركز التنافسية الوطني كمركز متخصص في تعزيز تنافسية بلادنا من خلال عدة أدوات أهمها إطلاق المبادرات وتخطيطها والإشراف على تنفيذها وتقييمها, وهو مركز يحظى اليوم بكفاءات وطنية متميزة ، وللأمانة عدم مأسسة الأفكار مشكلة كبيرة نعانيها في بلادنا، حيث تضيع الأفكار الرائعة والفاعلة هنا وهناك دون أن تجد جهازا متخصصا في تحويلها إلى واقع لتحقيق غاياتها.
أعرف أن الهيئة العامة للاستثمار مازالت في خضم هذه التجربة، حيث تصبو لتتويج جهودها بتحقيق المركز العاشر في مؤشرات التنافسية عام 2010 الأمر الذي قد يجعلها غير متفرغة لتوثيق هذه التجربة وتحويلها لمطبوعات متعددة ومتنوعة تناسب جميع المستفيدين المحتملين وإلى ورش عمل ودورات تدريبية وهو مبرر مقبول, ولكن الأمل يحدونا بأن يقوم مركز التنافسية الوطني بالتخطيط لتوثيق التجربة وتحويلها لمنتجات إدارية تعمم فائدتها وترفع من كفاءة تكاليفها ـ بإذن الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي