«برجوازية اقتصادية»

حديث عميق وفكر عالمي رغم بساطته في الطرح والفهم على العامة قبل النخبة.. ذلك الذي استنتجته من لقاء البروفيسور العالمي محمد يونس مع عدد من كتاب «الاقتصادية» خلال زيارته الأخيرة للمملكة، وهو المصرفي الذي حقق ما عجز عن تحقيقه الكثير من المشاريع التنموية للبلدان الفقيرة بل حتى المؤسسات الدولية الكبرى المعنية بإنقاذ العالم من الفقر والجوع.
لقد طرح مصرفي الفقراء مفهوما «حكيما ومنطقيا» للاستثمار أولا ومفهوما آخر للمسؤولية الاجتماعية ثانيا، عبر دمج الإثنين معا فحقق الأرباح والتنمية.. نعم فقد اكتشفت خلال طرحه رؤيته التنويرية التي أكد أنه في حال تطبيقها على صعيد دولي بين بلدان العالم ومنها الغنية فإنها ستخلق عصراً جديدا للاقتصاد العالمي، اكتشفت أن هناك خلطا واسعا أو سوء فهم اعترى القطاع الخاص في المملكة فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية.
معلوم أن المتتبع لنشاط الشركات السعودية في إطار تنمية المجتمع يجد أنها انحصرت في تقديم الهبات والتبرعات السنوية وتطورت لاحقا إلى كراسي أبحاث.. وكانت في أحيان أخرى.. تعبر عن برجوازية اقتصادية عبر تنفيذ المشاريع العملاقة ومن ثم الحديث عن تأثيرها في الاقتصاد والتوظيف.. وهي كلها أنشطة جيدة ولكنها لا تحقق الهدف الأكبر.
الهدف الكبير والثمرة النهائية من وجهة نظر يونس هو دمج شريحة واسعة من المجتمع ضمن دائرة الإنتاج الاقتصادي عبر القروض متناهية الصغر، التي تضمن لاحقا أن يكون الفقراء والبسطاء مساهمين في تعزيز الناتج القومي للأمة.. وعند هذه النقطة اتفقت وزملاء شاركوا في اللقاء على أن توفير قوارب صيد وشباك للعاطلين عن العمل في جزيرة فرسان هو أسلوب يونس وليس دعمهم بمعونة شهرية.. وأن منح أسرة لا عائل لها في شمال السعودية مكائن خياطة وأدواتها خير من سداد إيجار المنزل وفاتورة الكهرباء بانتظام.. وأن فتح مصنع شرق المملكة لإنتاج أجهزة الجوال خير من مناقشة منحهم إعانة بطالة في دوائر الشورى.
لست هنا في صدد مدح هذه الفكرة والتأكيد على مدى نجاعتها فقد سبقني إلى ذلك العشرات ومن فوقهم «جائزة نوبل للسلام» التي منحت له سنة 2006 بعد أن أقرض بنكه الشهير (جرامين) 8 ملايين فقير في بنجلاديش دون أي ضمانات، ولكني أسعى للتأكيد على أن تلك الأفكار جدا بسيطة في التنفيذ ومضمونة العوائد على الشركات وعلى الاقتصاد الوطني.
وهي أفكار نسمع عن مثلها في عدد من المدن السعودية ولكن بصورة فردية وغير كافية.. وما أود اقتراحه هنا .. أن نلغي أسلوب الرعاية الاجتماعية الذي تنتهجه كل المؤسسات الحكومية المعنية ومعظم الشركات المحلية كأسلوب عمل لمساعدة الفقراء والعاطلين في المجتمع عبر تبني «نهج يونس» المتمثل في الذهاب إلى كل مكان نعتقد أنه يواجه مشكلة ونبحث عن أبرز ما يمكن أن يبرعوا فيه ومن ثم نعمد لتأسيس عمل تجاري لتلك الفئة.. وننتظر النتائج.. بالتأكيد أنها ستغير الواقع كثيرا.. وستحول المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى عمل مربح، وستخلصنا من المشاريع البرجوازية التي تطول استفادة المجتمع منها.. إن استفادت!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي