كيف نصلح سوق العمل ونحن لا نجيد حتى قراءتها؟

في ورقة قدمت في منتدى الرياض الاقتصادي الأسبوع الماضي حول المساهمة الاقتصادية للمرأة في المملكة العربية السعودية تجلت قدرتنا المحدودة على قراءة سوق العمل السعودية. فالدراسة أظهرت أن مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل السعودية لا تتعدى 7 في المائة من إجمالي العاملين واستخلصت من ذلك: أن هناك تدنيا شديدا في فرص العمل المتاحة للمرأة السعودية مقارنة بالرجل، وأن مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل ضعيفة جدا مقارنة بمساهمة المرأة في دول أخرى عديدة.
ومقارنة نسبة مساهمة المرأة السعودية في سوق العمل بالنسب المحققة في دول أخرى دون مراعاة أن ما يزيد على 80 في المائة من فرص التوظيف في سوق العمل السعودية مشغولة بعمالة وافدة تعطي نتائج مضللة وغير سليمة. فحصول المرأة في السعودية على 7 في المائة من إجمالي فرص العمل المتاحة للعمالة المواطنة، التي تشكل أصلا أقل من 20 في المائة من إجمالي فرص سوق العمل، يعني أنها حظيت بما يزيد على ثلث فرص العمل المتاحة للمواطنين، وهي نسبة لا تقل عن النسب المحققة في الكثير من دول العالم التي تجرى المقارنة بها عادة. فإن كانت المرأة في مصر قد حصلت على 30 في المائة من فرص العمل المتاحة فإن ما تبقى من فرص عمل ذهبت للرجل المصري لا إلى عمالة وافدة متدنية الأجر.
ولا يمكن الاستنتاج من كون مساهمة المرأة السعودية لا تتعدى 7 في المائة أنها تواجه صعوبة أكبر في الحصول على عمل من تلك التي يواجهها الرجل. فالرغبة في المشاركة في سوق العمل بين الإناث، لأسباب كثيرة منها الزواج والرغبة في التفرغ لتربية الأبناء، لا تتعدى, وكما أشارت الورقة, 22 في المائة من إجمالي عدد الإناث، بينما تبلغ نسبة الرغبة في المشاركة بين الرجال ما يزيد على 85 في المائة. ما يعني أن الإناث الراغبات في المشاركة في سوق العمل يشكلن أقل من 20 في المائة من إجمالي المواطنين من الجنسين الراغبين في الحصول على عمل وحصولهن على ثلث فرص العمل المتاحة يعني أن فرص المرأة الراغبة في الحصول على عمل تفوق تلك المتاحة للرجل.
أيضا المقارنة السطحية لمساهمة المرأة السعودية في سوق العمل في السعودية مع دول أخرى مع إهمال نوعية فرص العمل المتاحة للمرأة السعودية أمر غير مقبول. فإنجاز السعودية ليس فقط في أن 37 في المائة من العاملين في القطاع الحكومي من النساء وإنما أيضا في شغلهن في الغالب وظائف تتصف بدخلها العالي وارتفاع مستواها الوظيفي، بينما العاملات في القطاع الحكومي في معظم دول العالم يشغلن في الغالب وظائف دنيا في السلم الوظيفي كأعمال الخدمات والسكرتارية. وشكوى الدراسة من أن 84 في المائة من العاملات في القطاع الحكومي يعملن في قطاع التعليم تصبح بالتالي شكوى من كون معظم الوظائف المتاحة للمرأة السعودية تتصف بارتفاع الدخل والمستوى الإداري وتبدو كما لو أنها مطالبة بأن تكون معظم الوظائف المتاحة للمرأة متدنية أسوة بما هو حاصل في دول أخرى عديدة لم تستطع المرأة أن تحظى بهذا الكم الهائل من الوظائف عالية الدخل. لذا فما حققته المرأة السعودية إنجاز يجب أن يفتخر به ويبرز للعالم وهو يفوق كما وكيفا ما حققته معظم دول العالم، ففرص التعليم المتاحة للمرأة السعودية مساوية تماما للرجل إن لم تكن أفضل، ولا توجد قرية واحدة في السعودية فيها مدرسة بنين دون مدرسة بنات، وعدد الملتحقات بالتعليم العالي يفوق عدد الذكور.
إننا عندما نتجاهل إنجازاتنا بل ونحاول إظهارها كعيوب ونقائص قد نوجد شكوكا بأن هناك أجندة غير معلنة من وراء ذلك وليس الهدف فعلا الرغبة في زيادة مساهمة المرأة الاقتصادية. فإن كنا نرغب حقيقة في توسيع مساهمة المرأة فعلينا البناء على تجاربنا الناجحة ونحاول تعميقها وتوسعتها. فنجاحنا في توسيع مشاركة المرأة في قطاع التعليم بحيث إن 84 في المائة من العاملات في القطاع الحكومي يعملن في هذا القطاع، وعجزنا عن توسيع مشاركة المرأة في القطاع الصحي الذي لا تعمل فيه إلا 4 في المائة فقط من العاملات في القطاع الحكومي، يعود بشكل أساسي إلى نجاحنا في خلق بيئة مناسبة لعمل المرأة في قطاع التعليم وفشلنا في خلق بيئة مماثلة في القطاع الصحي.
وتعمد تجاهل هذه الحقيقة والاعتقاد أن السبيل لرفع مساهمة المرأة في القطاع الخاص هو في إزالة القيود المفروضة على بيئة العمل المطلوبة لعمل المرأة هو بناء على الفشل لا على النجاح. فالتأكيد على توفير البيئة المناسبة لعمل المرأة في القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لرفع نسبة توظيفها في القطاع الخاص التي تقل حاليا عن 0.5 في المائة من إجمالي العاملين في هذا القطاع. والاعتقاد مثلا أن عدم وجود بيئة مختلطة أسهم في تراجع مساهمة المرأة في سوق العمل مجانب للحقيقة تماما، فعدم وجود بيئة مناسبة حد من رغبة المرأة في المشاركة أصلا ناهيك عن الالتحاق بالعمل والاستمرار فيه. ولو ألزم القطاع الخاص بخلق بيئة مناسبة لعمل المرأة لارتفعت نسبة الراغبات في العمل ولأرغم القطاع الخاص على رفع نسبة توظيفه النساء.
ودون خلق بيئة مناسبة لعمل المرأة، فإن مهمة القطاع الخاص في التنصل من توظيف النساء ستكون أسهل بحجة عدم وجود عاملات سعوديات يرغبن في شغل الوظائف المتاحة، تماما كاحتجاج القطاع الخاص بعدم وجود سعوديين يرغبون في شغل بعض الأعمال في بيئة وشروط العمل نفسها التي يقبل بها العامل الوافد. على سبيل المثال، كان من أبرز ما جاء في ورقة واقع ومستقبل القوى العاملة الوافدة في القطاع الخاص المقدمة في هذا المنتدى هو نتيجة استبيانين حول معوقات حصول المواطن على فرصة عمل في القطاع الخاص وجه الأول لرجال الأعمال والآخر لسعوديين باحثين عن عمل. كل استبيان أكد باستقلالية عن الآخر أن المعوق الأول لحصول المواطن على فرصة عمل في القطاع الخاص هو وجود العمالة الوافدة منخفضة الأجر. إلا أن توصيات المنتدى تجاهلت ذلك تماما، وخلصت إلى أن قلة الكفاءات السعودية وعدم قدرة مخرجات التعليم عن تلبية حاجة سوق العمل هي المعوق الأساس للسعودة وطالبت بسياسات مرنة تتعامل بفاعلية وواقعية مع حاجة السوق من أنواع العمالة الوافدة.
إننا بتجنبنا اتخاذ أي خطوة تسهم في إصلاح سوق العمل بما يعيد إليها توازنها ويشجع على توفير فرص عمل أفضل للمواطن بجنسيه، نؤكد قراءتنا الخاطئة لواقع سوق العمل، في وقت يدخل السوق كل عام مئات الآلاف من المواطنين تواجههم في القطاع الخاص فرص عمل محدودة أو رواتب متدنية، والمشكلة ليست في تدني مشاركة المرأة السعودية وإنما في تدني مساهمة المواطن السعودي بجنسيه نتيجة للمنافسة غير العادلة التي يواجهها من العمالة الوافدة متدنية التكلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي