77.2 مليار برميل تجبر الشركات النفطية على الانصياح لرغبات فنزويلا

77.2 مليار برميل تجبر الشركات النفطية على الانصياح لرغبات فنزويلا

أواخر الشهر الماضي فتحت فنزويلا معركة جديدة مع شركات النفط الأجنبية العاملة فيها، وذلك بالطلب إليها التقيد بالقانون الذي أصدرته بهدف زيادة عائدات الحكومة من العقود التي تدير بموجبها الشركات الأجنبية حقولا نفطية. ووصل الأمر بالرئيس هيوجو شافيز إلى تهديد الشركات التي لا تتقيد بالقانون، كما اتبع وزير الطاقة والمناجم رافائيل راميريز أسلوبا أكثر تحديدا بالقول إنهم لا يرحبون بشركة إكسون موبيل. ولم يلفت التصريح أنظار المراقبين فقط، لأن "إكسون موبيل" أكبر شركة في العالم يتم تداول أسهمها في البورصة، وإنما لعلاقات "إكسون" بالصناعة النفطية الفنزويلية المستمرة على مدى أكثر من سبعة عقود من الزمان. لكن تصريح الوزير يعكس نوع الأجواء المتوترة التي تحيط بعلاقات الشركات الأجنبية والحكومة الفنزويلية.
ووفقا للأرقام المتاحة، فإن الشركات الأجنبية تدير نحو 32 حقلا وبصورة مستقلة بعيدا عن السيطرة الحكومية، لكن القانون الجديد طالب بتغيير هذه الصيغة وأن تصبح إدارة هذه العقود مشتركة وبنسبة للحكومة لا تقل عن 60 في المائة تكون من نصيب شركة النفط الوطنية الفنزويلية.
وأوضح أيلوجيو ديل بينو مدير الشركة الوطنية، أن ترتيبات الشراكة الجديدة ستوفر عليهم مبلغا يصل إلى 31.3 مليار دولار خلال فترة 12 عاما، حيث إنه ووفقا لترتيبات العقود القديمة، فإن الشركة الوطنية كانت ملزمة بشراء برميل النفط بسعر يزيد خمسة أضعاف عن تكلفة استخراجه.
رد فعل الشركات بصورة عامة كان إيجابيا من باب أن وضع الأسعار العالية الحالي يجعل الشراكة مربحة بأي مقياس. وأوضح الوزير أن 25 شركة، بما فيها "ريبسول" الإسبانية، "رويال دتش شل" الهولندية، وشركة النفط الوطنية الصينية وافقت على الالتزام بنصوص القانون الجديد، الأمر الذي سيفتح الباب أمام تعديل في العقود القائمة وإدخال شركة النفط الوطنية في المعادلة، وهناك خمسة حقول أعيدت اختياريا للشركة الوطنية لعدم رغبة الشركات الأجنبية الدخول في مشاركة.
ولإرسال رسالة أنها جادة في تنفيذ القانون، سيطرت الحكومة على حقلين يتبعان لشركتي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية، بعد فشل الشركتين في توفيق أوضاعهما مع القانون الجديد بالاشتراك مع الشركة الوطنية. أما "إكسون موبيل" فقررت من جانبها بيع حصتها في عدد من الحقول إلى شركات أخرى بدلا من تسليمها للشركة الوطنية، وهو ما أدى إلى فتح المعركة مع الحكومة.
موضوع الشراكة مع الحكومة يعتبر قضية واحدة من عدة قضايا تواجهها "إكسون" في فنزويلا، فهناك الرفع لحجم الضرائب التي ينبغي أن تدفع للدولة، وهناك المنافسة المتزايدة من قبل شركات تدعمها حكومات كما هو الأمر مع الشركات الصينية والهندية، وترحيب فنزويلا فيما يبدو بهذا الاتجاه. كما انتقدت "إكسون" سعي الحكومة إلى زيادة عائداتها عبر الضرائب على مشروعها الضخم في إقليم أورينوكو، مهددة بنقل الأمر إلى التحكيم الدولي. وتتبع "إكسون" هذا الخط المتشدد لأن لها تاريخا عريقا واستثمارات ضخمة في فنزويلا، آخرها مجمع البتروكيماويات الضخم الذي دخلت فيه شريكا وتبلغ تكلفته ثلاثة مليارات دولار، وهناك أيضا مشروع تصدير الغاز الذي تم التعاقد عليه عام 2002 وباستثمارات تبلغ خمسة مليارات دولار.
لكن رغم ذلك فإن "إكسون"، خاصة رئيسها التنفيذي الجديد ريكس تيلرسون الذي تولى رئاسة الشركة مطلع هذا العام، يسعون جاهدين للتخفيف من حدة المواجهة، لأن الشركة ترى أن مستقبلها في صناعة النفط والغاز وهي مواجهة بعدم قدرتها على الوصول إلى احتياطيات تعوض بها عما تنتجه ويبلغ في المتوسط أربعة ملايين برميل نفط وغاز يوميا. لكنها تسعى دائما إلى الوصول إلى فرص استثمارية تنتج عنها مشاريع مثل تلك التي خططت لها لفترة السنوات الثلاث المقبلة وتغطي 22 مشروعا في أنجولا، النرويج، بحر الشمال وغيرها، وكما تخطط لنحو 32 مشروعا للفترة بعد عام 2009. وستزيد الشركة إنفاقها الرأسمالي إلى نحو 20 مليار برميل في العام بنهاية هذا العقد وذلك بأمل رفع إنتاجها اليومي إلى خمسة ملايين برميل يوميا بحلول 2010.
لكن إذا كان حجم "إكسون موبيل" يؤهلها للمضي قدما في مواجهة الحكومة الفنزويلية، فإن شركات أخرى آثرت فيما يبدو التعاون بهدوء. ومن هؤلاء شركة شيفرون تكساكو التي وافقت على دفع مبلغ 50.2 مليون دولار إضافية لتغطية حسابات ضرائب متأخرة وغرامات، وأيضا شركة "بي. بي" التي وافقت على دفع مبلغ 14 مليونا للسبب ذاته، و"توتال" التي دفعت 19 مليونا بعد يومين من إغلاق مكتبها الشهر الماضي.
وضع السوق النفطية المواتي للدول المنتجة زاد من حماس شافيز لفتح معركة مع شركات النفط الأجنبية، كما أن وجود احتياطيات نفطية في البلاد تقدر بنحو 77.2 مليار برميل، وهو أكبر احتياطي نفطي تقليدي خارج منطقة الشرق الأوسط، يعطي فنزويلا ورقة قوية ويدفع الشركات للعمل على الوصول إلى اتفاق معها، خاصة وأن مناخ الاستثمار فيها يظل أفضل، إذ لا تزال هناك إمكانية للشركات الأجنبية للعمل في ميدان العمليات الأمامية من استكشاف وتنقيب وإنتاج النفط والغاز، على عكس الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط مثلا.
على أن معارك الشركات النفطية وعلى رأسها "إكسون موبيل" لا تقتصر على وجودها في الدول الأجنبية، خاصة تلك التي تسيطر عليها حكومات ذات توجهات يسارية تجعلها تلقائيا على طرف مضاد للشركات، وإنما هي تواجه معارك داخل بلادها وفي صورتها العامة أمام جمهرة المستهلكين. فللمرة الثانية خلال فترة أربعة أشهر فقط، استدعى الكونجرس الأمريكي رؤساء الشركات النفطية الكبرى للإدلاء بشهاداتهم أمام بعض اللجان الفرعية خلال الشهر الماضي بسبب أسعار الوقود العالية التي أصبحت هما عاما، وكذلك الأرباح الضخمة التي حققتها هذه الشركات، وهو ما لفت الأنظار إليها والتساؤل إذا كانت تقوم بعمليات رفع للأسعار مقصودة للتربح من ورائها، فالشركات الخمس الرئيسية حققت أرباحا للعام الماضي بلغت في مجملها نحو 100 مليار دولار.
على أن الجديد في الشهادة هذه المرة أنها تمت تحت القسم، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حدث لمديري شركات التبغ قبل 12 عاما، وهو ما لم يرغب فيه رؤساء شركات: "إكسون موبيل"، "شيفرون تكساكو"، "كونوكو فيليبس"، "رويال داتش شل"، و"فاليرو"، وهي صاحبة أكبر مصفاة مستقلة.

السيناتور الديمقراطي آرلين سبيكتور رئيس اللجنة القضائية الذي ترأس جلسات الإدلاء بالشهادات، كان واضحا في إبداء قناعاته، إذ قال إنه يعتقد أن الشركات تتلاعب بالأسعار لتضخيم أرباحها، مضيفا أنه سيقترح تشريعا يجعل من الصعوبة بمكان القيام بعمليات اندماج في الصناعة، وكذلك أن يصبح من غير القانوني إحداث شح في الإمدادات بهدف تحقيق أرباح، إضافة إلى السعي إلى مقاضاة منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" لدورها في رفع الأسعار وتثبيتها.
عمليات الاندماج شكلت مصدر قلق للكثيرين. ووفقا لتقارير مكتب المحاسبة العام التابع للحكومة، فإن العقد الماضي شهد 2600 عملية اندماج إلى جانب ثماني منذ عام 2000. ويرى بعض الخبراء أن الخطوط الإرشادية للحكم على مدى تنافسية هذه الاندماجات لا يضع في الاعتبار تقلب الطلب على النفط والغاز والمنتجات الأخرى، كما أن هناك تباينا في التقدير، فبينما وجد تقرير لمكتب المحاسبة الحكومي قبل عامين أن اندماجات العقد الماضي رفعت سعر الوقود بنحو سبعة سنتات للجالون، قالت دراسة أخرى للمفوضية الفيدرالية التجارية إنه لا يوجد تأثير يذكر.
في شهاداتهم، قال المديرون إن الصناعة تقوم على المنافسة، وإن الأرباح الضخمة التي يحققونها إنما تعكس حجم الشركات والعمل الذي تقوم به، ومن الضروري العمل بحجم كبير لأن الاستثمار في صناعة النفط يتطلب مليارات ضخمة ووقتا أطول، ثم إن الشركات لاعب واحد فقط من جملة لاعبين يؤثرون بصورة أو أخرى على ما تشهده السوق من تقلبات وتطورات.
وفي الوقت الذي عرض فيه السيناتور الجمهوري جون كارنين وجهة نظر إيجابية تجاه الشركات بالقول إن تحقيق الأرباح ليس جريمة، إلا أن رصيفه الديمقراطي هيرب كول أوضح أن قاعدته الانتخابية ليست سعيدة بالإيضاحات التي قدمها مديرو الشركات، مضيفا "إنكم إذا خسرتم أموالا فإن ذلك لن يحزنهم كثيرا".
وكان استطلاع مشترك لمحطة "سي. إن. إن" التلفزيونية وصحيفة "يو. إس. توداي" قد أوضح أن معظم الأمريكيين يحمّلون الإدارة الأمريكية والشركات مسؤولية ما يجري، سواء فيما يتعلق بارتفاع الأسعار وربما حدوث انقطاع في الإمدادات. وقال 71 في المائة من الذين استطلعت أراؤهم إن الرئيس جورج بوش لا يفعل ما فيه الكفاية لحل مشاكل الطاقة التي تواجه البلاد، بينما ترى مجموعة أخرى تصل إلى 89 في المائة أن الشركات النفطية تتحمل مسؤولية أكبر من البيت الأبيض، الذي رأى 81 في المائة تحميله المسؤولية فيما يخص مشاكل الطاقة.
وفي الوقت الذي يرى فيه واحد من كل ثلاثة أشخاص أن اللوم يقع على الدول المنتجة، فإن 27 في المائة من الذين استطلعت آراؤهم يحملون شركات تصنيع السيارات المسؤولية، بينما واحد من كل أربعة يلوم المستهلك الأمريكي نفسه.
وفيما يتعلق بالطلب، يرى 77 في المائة أن حجم الإمدادات المتاح لن يوفي بالطلب المتزايد، وأن ثلاثة من كل عشرة يرون أن النفط سينضب من العالم في غضون 25 عاما، كما يرى 12 في المائة أن الوضع الراهن لسوق الطاقة في الولايات المتحدة كارثي، ويخفف 49 في المائة من النغمة التشاؤمية مضيفين أن السوق تواجه مشاكل "عويصة". أما ثلثا الذين استطلعت آراؤهم فيعتقدون أن الإرهاب سيقوم بمهاجمة مجمعات نفطية خلال فترة عام.

الأكثر قراءة