رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تسديد الصكوك في حينها وطمأنة الممول الأجنبي

في مقالة كتبتها في الثالث من كانون الثاني (يناير) عام 2009م بعنوان ''مستقبل الاقتصاد السعودي في ظل الأزمة المالية'' قلت فيها باختصار إن القطاع الخاص السعودي وهو المُوظِف الأكبر للعمالة في بلادنا وأنه سيعاني مشكلات كبيرة أثناء الأزمة المالية نتيجة ندرة التمويل المحلي والخارجي لأسباب متعددة.
وأشرت في المقالة أيضا إلى أن التمويل الخارجي سيتوقف نتيجة انشغال المؤسسات المالية العالمية في أسواقها وفي معالجة مشاكلها الأمر الذي يتطلب دعما ماليا حكوميا يغطي حجم التمويل الذي كانت تغطيه المؤسسات المالية العالمية إضافة إلى تعزيز قدرات مؤسساتنا المالية المحلية وتمنيت على حكومتنا الرشيدة أن تدعم مؤسساتنا المالية لرفع قدراتها التمويلية خصوصا في ظل استقرار أسعار النفط بأسعار جيدة لمعالجة هذه الندرة القاتلة للنشاط الاقتصادي في بلادنا.
بعد أكثر من سنة على هذه المقالة ازداد الأمر سوءا إذ تزايدت أسباب ندرة التمويل المحلي والعالمي بسبب إخفاق عدة شركات محلية وإقليمية كبرى عن تسديد ديونها وطالبت بإعادة الجدولة ما أضعف ثقة الممولين خصوصا أن بعض هذه الشركات مملوكة من قبل حكومات رفعت من تقييمها الائتماني الأمر الذي جعل كثيرا من المؤسسات المحلية تغلب سياسة المحافظة على الأموال على سياسة تحقيق الأرباح في هذه المرحلة كإجراء احترازي كما جعل المؤسسات العالمية تحجم عن تمويل شركات المنطقة أو تمويلها وفق شروط أكثر من متشددة.
تجربة تسديد شركة دار الأركان لصكوك مستحقة في أول آذار (مارس) 2010م بقيمة 2.25 مليار ريال (600 مليون دولار) في وقتها ودون تأخير فضلا عن تسديد أرباحها تعتبر تجربة مالية فريدة ذات دلالات وانعكاسات متعددة تستحق الدراسة والتأمل في ظل هذه الظروف المالية القاسية والإخفاقات والإفلاسات التي انتقلت من الشركات الكبرى إلى الدول كما نسمع هنا وهناك.
ككاتب اقتصادي أعتقد جازما بأن هذه التجربة لم تأخذ حقها من الدراسة والتأمل للاستفادة منها حيث استطاعت الشركة التي تنشط في سوقنا العقارية بهيكل استثماري فاعل جعلها تحقق أرباحا عالية (أكثر من ملياري ريال) عام 2009م بانخفاض نحو 10 في المائة عن عام 2008م وهو انخفاض في ظل هذه الظروف الاستثنائية يصنف كإنجاز خيالي إذا ما قورن بكثير من مثيلاتها من الشركات الكبرى التي يأمل ملاكها ألا تتلاشى بدل البحث عن الأرباح، أقول استطاعت أن تنفذ خططها الإنتاجية والتسويقية دون تأخير أو إيقاف بل إنها أطلقت مشروعا سكنيا كبيرا متكاملا في شرق جدة كما استطاعت أن توفر النقد اللازم لسداد الصكوك المستحقة عليها خلال عام 2009م كما يظهر في قوائمها المالية.
وكل ذلك مكن الشركة من تعزيز مكانتها الائتمانية لثقة الممولين بقدراتها وبقيمها وسياستها من ناحية ولثقة المستثمرين بالقطاع العقاري الذي يشهد طلبا حقيقيا ولثقتهم أيضا بقوة الاقتصاد السعودي من ناحية أخرى، بل إن الأمر تجاوز ذلك إذ عززت الثقة بالمستثمر السعودي والخليجي في أسواق المال العالمية ولعلها من وجهة نظري خففت من الآثار السلبية التي تعرض لها مستثمرو المنطقة نتيجة طلب بعض الشركات الكبرى إعادة جدولة ديونها.
هذه التجربة المالية الفريدة والمقرونة بقدرات إنتاجية هائلة وغير مسبوقة من أي شركة عقارية والتي من المتوقع أن تكون لها آثار إيجابية كبيرة على سوق التمويل في بلادنا وعلى ثقة الممولين الأجانب بشركاتنا لم تطرح بما يتناسب وحجمها وتفردها وأهميتها وانعكاساتها بل إن البعض طرحها بطريقة سطحية سمجة في إطار عاطفي سلبي ما أفقدنا فوائدها على كافة المستويات. أتمنى على القائمين على شركة دار الأركان طرح فكرها التمويلي وتجربتها التمويلية في ظروف الانتعاش وظروف الانكماش الحالية وطرح تجربتها في إصدار الصكوك وإقفالها في أسواق المال العالمية والمحلية وتسديدها في مختلف الظروف وتوثيقها كتجربة وطنية حقيقية ناجحة للاستفادة منها كحالة دراسية في رحم البيئة السعودية.
ختاما أود أن أؤكد على حقيقة مهمة جدا وهي أن الشركات الوطنية الكبرى بما تقدمه من فكر وتطبيقات ناجحة تلعب دورا كبيرا في تطوير البيئة الاستثمارية التي تنشط بها وتعزيز الثقة المحلية والخارجية بها، ولاشك أن كل شركة وطنية تضع مساهمة ناجحة في هذا الاتجاه إنما تعزز اقتصاد بلادنا وتسهم في التصدي لقضاياه ومعالجة مشكلاته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي