النظام النقدي الدولي وقدرتنا على التأثير!!

طالعتنا الأخبار من فترة ليست بالبعيدة عن بيع صندوق النقد الدولي بعض موجوداته من الذهب وبما يُعادل 90 مليار دولار لتوفير بعض من السيولة التي تحتاج إليها هذه المؤسسة المالية العريقة. ومن المفارقات الغريبة ألا يكون للمؤسسات المالية الدولية دور بارز أثناء الأزمة المالية العالمية الحالية، حيث وقفت موقف المُتفرج من الإقتصادات العالمية وهي تكتوي بنار الأزمة وتتجرع مرارة حصادها ولم تُحرك ساكنا سوى توصيات لا تُغني ولا تُسمن من جوع. ولو أمعنا البحث في أسباب هذا التلكؤ الشديد لوجدنا وبكل صدق أن المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي ليس لديه من الإمكانات المالية خلاف التي تُمكنه من علاج بعض المشاكل البسيطة والجروح السطحية فقط، لكنه لا يمتلك غرف عمليات مُجهزة بالتمويل والإمكانات ما تجعله يقوم بواجباته على أكمل وجه. هذا التحدي يفرض واقعاً جديداً ومريراً على الأسرة الدولية عله يدفعها إلى التحرك قُدما لمواجهة مثل هذا التقصير. وقد يكون من الموضوعية القول، إنه في السبعينيات الميلادية ظهرت دعوات لتشكيل نظام إقتصادي عالمي، بحيث تتم مناقشة مفرداته عبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة أو من خلال المحادثات الثنائية لكل دولة على حدة بُغية الوصول إلى تصورات ناضجة تخدم البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حدٍ سواء، وفي هذه الأثناء توجهت الأنظار إلى الدول الخليجية بخاصة وعلى رأسها المملكة للمساهمة والمشاركة الفعالة في صياغة هذا النظام والدفع إلى تطبيقه، خاصةً أن هذه البلدان تمتلك من الموارد الطبيعية والمالية والخبرات مايؤهلها للقيام بهذا الدور الحيوي المهم وبما يحقق الفوائد الجمة للبلدان النامية بعامة والعربية على وجه الخصوص مع إدراكنا لحجم الوعي والنضج السياسي والعقلاني لهذه البلدان. وليس من قبيل الصدفة أن يبدي النظام المالي الدولي اهتمامه بدول الخليج العربية وفي مقدمتها المملكة وذلك من خلال ثلاثة محاور مهمة تمثل العمق السياسي والاقتصادي العربي وتشمل النفط، العلاقات المالية، والتجارية الدولية. وحتى نكون على قدر من الإقناع والتأثير المباشر وغير المباشر للغير خاصة من لديه الدراية والخبرة والتأهيل، يلزمنا إظهار إمكاناتنا وتقديرنا للقانون. فظاهرة تجاوز القوانين عالمية الانتشار متفاوتة النسب، حيث إن تجاوز الأنظمة والقوانين الموضوعة معناه نسبية عدم وجودها وهذا لاشك هو التخلف الذي سيؤثر سلبا في الأداء العام والإنتاجية ومن ثم التنمية الشاملة التي نسعى لتحقيقها خاصةً في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات، التي أسهمت بشكل كبير في إحداث تحولات اجتماعية، سياسية واقتصادية. من المؤكد أن الأزمة المالية العالمية شكلت المحور الرئيس للاهتمام والتعاون الدولي من خلال التأكيد على العمل الجماعي من خلال وضع تصورات عملية للخروج منها وذلك من خلال دعم المؤسسات المالية الدولية ومعالجة مواطن الخلل والضعف التي اعترت النظام النقدي الحالي من خلال ما حددته الكثير من الطروحات والدراسات العلمية الهادفة وذلك بالتركيز على توسيع الحدود التنظيمية والرقابية على الأنشطة الاقتصادية والنقدية، ضبط إيقاع البورصات العالمية والمؤسسات التي تتولى تقدير المخاطر، توفير المعلومات عن كل الأنشطة المالية والإقتصادية وما يتعلق منها بالمشتقات المالية، وكذلك رفع التعاون المعلوماتي من خلال المؤسسات المالية الدولية. ومع كل الثقة بإمكاناتنا المادية والبشرية إلا أننا لا نستطيع إقناع العالم بهويتنا الثقافية، العلمية، المادية، والخبراتية إن لم نكن على مستوى طموحات قادتنا ووطننا، فعلى سبيل المثال تأسيس هيئة للنزاهة ومحاربة الفساد وتفعيلها ما هي إلا أداة حقيقية وفعلية لغسل صورة واقعنا الحالي أمام الغير التي شوهتها بعض الشوائب الناجمة عن الفساد الإداري والهدر المالي. وكما أن واقعنا الحالي يضع على كاهلنا زمام المبادرة في تطبيق خططنا التنموية كما ينبغي وحسب الأولويات التي تم رسمها من قبل ولاة الأمر آخذين في الاعتبار الإصلاح الشامل للنظام المصرفي والمالي ليقوم على الشفافية والمصداقية، بحيث تتم معالجة عدم التوازن القائم مابين المصروفات والإيرادات من خلال آليات منضبطة تضمن تحصين اقتصادنا الوطني ضد تيارات الضغوط المالية الخارجية جراء التحولات القوية في رياح الأسعار النفطية. وليس بجديد التأكيد أيضاً على أهمية ومتانة النظام التعليمي بحيث يستطيع خلق قاعدة عمالة وطنية عندها الاستعداد التام للعمل تحت أي ظرف وبأي مكان طالما أنها تعمل ضمن القارة السعودية، وبالتأكيد هذا لن يتحقق طالما أن مناهجنا التعليمية لاتؤدي هذه المهمة ولاتخدم هذا الهدف السامي. فأي خريج بدون تأهيل علمي وتدريبي كاف سيكون عبئا على الاقتصاد الوطني بصورة عامة. بيد أن هذه الصورة الوردية من الممكن الحفاظ عليها إذا كان لدينا الاستعداد للتغيير، والتغيير الجاد الذي يطمح إلى إيجاد قاعدة إنتاجية قوية، فاليابان استطاعت أن تتسنم عرش الصناعة وهي لا تمتلك من الموارد الطبيعية إلا النزر اليسير. إذاً لانتوقع من الغير إشراكنا في القرارات المصيرية الدولية وخاصةً على المستوى المالي الدولي وبجميع مؤسساته ونحن لا نحتكم إلى أبجديات العمل التخطيطي الجاد والمُنظم وفنون فهم التعامل العصري مع الغير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي