الأخلاقيات تغيب عن الجدل الدائر حول الأزمة المالية
يبدو أن الجدل الدائر من أجل التصدي للأزمة المالية يفتقر إلى عنصر رئيسي.. ألا وهو مناقشة أخلاقية واسعة النطاق عن الصواب والخطأ في الاقتصاد الحديث.
ويبرز هذا السهو في وقت يشير فيه مسح للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي يستضيف اجتماعات قمة دافوس السنوية للدول الغنية وصاحبة النفوذ إلى أن ثلثي من شملهم البحث يعتقدون أن الأزمة هي أيضا أزمة أخلاقيات وقيم.
تقول مجموعة تحاول أن تطلق نقاشا عن الأخلاقيات إنه ربما يشعر الناخبون في الدول الغربية أن المكافآت الضخمة وخطط إنقاذ البنوك غير عادلة بصورة ما لكن السياسيين يبدون عاجزين عن التصرف بطريقة حازمة تعكس ذلك.
وقالت مادلين بونتينج وهي واحدة من ثلاثة مؤسسين لشبكة المواطنين للأخلاقيات
التي أطلقت في لندن الأسبوع الماضي لـ «رويترز»، «يتمتع الناس بمشاعر قوية حيال الصواب والخطأ.. هذا الإحساس بالعدالة مجبول في الطريقة التي ننظر بها إلى العالم».
وتضيف بونتينج مساعدة رئيس تحرير صحيفة جارديان البريطانية «فقدت سياساتنا القدرة على التواصل مع هذا النوع من المشاعر». «السياسة أصبحت تكنوقراطية وإدارية.. تتعلق فقط بمن سيحقق المزيد من النمو الاقتصادي».
وأجبرت الانتقادات لخطط إنقاذ البنوك الكثير من المديرين التنفيذيين للبنوك الكبرى على التخلي عن مكافآتهم عن العام الجاري. ورغم ذلك أعلن رويال بنك أوف سكوتلند الذي يمتلك العامة 84 في المائة من أسهمه الأسبوع الماضي عن مكافآت لأكثر من 100 مصرفي قيمتها مليون جنيه استرليني لكل منهم.
وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما اقترح تشديد اللوائح التنظيمية الخاصة بالبنوك لكنه قال إنه لا يحسد جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لـ «جيه .بي مورجان» على المكافأة التي حصل عليها وقدرها 17 مليون دولار أو التسعة ملايين دولار التي حصل عليها لويد بلانكفين المدير التنفيذي لـ «جولدمان ساكس جروب» لأنهما «رجلا أعمال يتمتعان بالحنكة» وبعض الرياضيين يكسبون أكثر من ذلك.
وربما لا يثير الدهشة في بريطانيا قبل الانتخابات أن تجذب الشبكة، التي كونتها بونتينج وأدم لينت من مؤتمر النقابات العالمية والكاتب مارك فيرنون، كبار السياسيين للمشاركة في النقاش.
وقال رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إن الناس يرغبون في عودة «الفضائل الراسخة» من المساءلة والمسؤولية والإنصاف. وكتب في صفحات الشبكة على موقع الجارديان الإلكتروني «يجب أن تكون هذه القيم مصدر الإلهام لردود أفعالنا».وكتب ديفيد كاميرون زعيم حزب المحافظين المعارض «ينأي السياسيون بأنفسهم عن هذه المسائل خشية أن يبدو الأمر وكأنهم يطلقون الأحكام... من الضروري أن نجد طريقة للحديث عن هذه القضايا دون أن يشعر الناس بأنهم يستمعون لمواعظ».
وعلى الرغم من أن شبكة المواطنين للأخلاقيات بدأت في بريطانيا حيث أثارت الأزمة المالية وفضيحة حساب للنفقات في البرلمان استياء عاما فيبدو أن الحالة التي تعكسها أوسع انتشارا.
استطلع مسح المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أظهر قلقا واسعا حيال الأخلاقيات في عالم الأعمال والسياسة أراء 130 ألف شخص في فرنسا وألمانيا والهند وإندونيسيا وإسرائيل والمكسيك والسعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والولايات المتحدة.
وكانت هناك دعوات لا تحصى لتبني المزيد من المعايير الأخلاقية في عالم الأعمال والسياسة وخاصة من جانب كثير من رجال الدين لكن حقيقة عدم إثارتها في النقاش السياسي هو ما دفع مؤسسي الشبكة إلى إطلاق مبادرتهم.
ويرى المساهمون في إعداد كتيب لوجهات نظر الشبكة أن تراجع الالتزام الديني سبب حالة من الخواء الأخلاقي في عديد من المجتمعات الغربية. وكتب الفيلسوف ألان دي بوتون «الخوف من الطرز القديمة للأخلاقيات أخرج كل أشكال الحديث عن الأخلاقيات من الاهتمام العام».
وكتب آخرون أن المجتمع الاستهلاكي الذي تتحكم فيه قوانين السوق بتركيزه على إرضاء الرغبات الشخصية أو حتى خلقها حطم أيضا الروابط الاجتماعية والثقة التي ساعدت الناس في الماضي على التفكير أيضا في الصالح العام.
وأسهم أسقف كانتربري روان وليامز والمفكر الإسلامي طارق رمضان في إعداد كتيب الشبكة. لكن المنظمين يشددون على أنهم لا يريدون إعادة طرح قضية الدين أو العودة لأي «عصر ذهبي» سابق. يقول لينت «المشكلة أنه لم يحل محلهما أي شيء جديد.. حان الوقت للبدء في تطوير آفاق جديدة».وذكرت بونتينج أن أفضل وسيلة للقيام بهذا هو «العودة إلى القضايا الجوهرية الحقيقية للفلسفة السياسية والأخلاقية وبدء الجدل من جديد». «هذا الجدل لن تحسمه السوق أو الاشتراكية. الأمر يتعلق بالعودة إلى بعض أوجه الجدل التي كانت جوهرية بالنسبة لأغلب المجتمعات الإنسانية».