السودان يرفع إنتاجه النفطي إلى نصف مليون برميل يوميا
بعد طول تأخير أعلن السودان الأسبوع الماضي رسميا بدء العمل في حقل 3 و7 المشترك، الأمر الذي يرفع طاقة البلاد الإنتاجية إلى نصف مليون برميل يوميا، مع توافر بنية أساسية تسمح بمضاعفة هذا الحجم في غضون عام. ووفقا للفنيين فإن الحقل يحتوي مبدئيا على 88 بئرا تنتج بين 160 و180 ألف برميل يوميا يتم نقلها عبر خطوط أنابيب إلى مدينة الجبلين على بعد 250 كيلومترا إلى الشمال، ومنها يبدأ خط الأنابيب الرئيسي الناقل بقطر 32 بوصة ويمتد على مسافة 1369 كيلو مترا من أعالي النيل في جنوب شرق السودان إلى ساحل البحر الأحمر إلى ميناء بشائر.
الخط الذي يحمل في الوقت الحالي نصف مليون برميل، يحتاج إلى 45 يوما لملئه بالنفط الخام ويمكن زيادة طاقته مستقبلا إلى 750 ألفا. ومع أنه لم يذكر سبب رسمي للتأخير في إنجاز المشروع وبدء التصدير منه، الذي كان مقدرا له آب (أغسطس) الماضي، إلا أن أوساطا صناعية أشارت إلى بعض الصعوبات المتعلقة ببناء خط الأنابيب والمرافق المصاحبة من خزانات وغيرها في مناطق التحميل، وكذلك إلى بعض التعديلات مثل رفع طاقة الخط من 300 ألف برميل إلى نصف مليون.
وتم تقسيم خط الأنابيب إلى أربعة أجزاء تمت ترسية كل قسم على كونسورتيوم مختلف. وكان القسم الأول من نصيب الشركتين الصينيتين CPPE وHSPIC ويبلغ طوله 242 كيلو مترا بقيمة 44.38 مليون دولار. القسم الثاني كان من نصيب الشركة الروسية Stroytransgas ويبلغ طوله 369 كيلو مترا بقيمة 65.87 مليون دولار. أما القسم الثالث فتولته مجموعة من الشركات الماليزية بقيادة MMC، مجموعة "صينوبيك" الصينية، والشركة العمانية للإنشاءات، ويبلغ طول هذا القسم 478 كيلو مترا وقيمة العقد 65.6 مليون دولار. أما الجزء الرابع والأخير وطوله 280 كيلو مترا وبتكلفة 46.07 مليونا فكان من نصيب الشركة الماليزية Sapura ومعها شركة مسجلة في دبي تحت اسم Dodsal. واختيرت الشركة الصينية CPECC لبناء مرفق التحميل لتصدير النفط في بورتسودان بعد أن رسى عليها عقد بقيمة 215.49 مليون دولار.
كل هذه المرافق تم بناؤها أساسا لخدمة الإنتاج النفطي من منطقة ملوط التي تشرف عليها شركة بترودار لعمليات البترول المسجلة في جزر فيرجن البريطانية عام 2001، وهي مكونة من كونسورتيوم يشمل شركة النفط الوطنية الصينية بحصة 41 في المائة، "بتروناس" الماليزية بحصة 40 في المائة، "سودابت" السودانية بحصة 8 في المائة، ثم "صينوبيك" الصينية بحصة 6 في المائة، وأخيرا مجموعة آل ثاني الإماراتية بحصة 5 في المائة. وتبلغ مساحة الامتياز الذي تعمل عليه 72.342 كيلو متر مربع.
وبدأ العمل رسميا بوضع حجر الأساس في نيسان (أبريل) 2004 في منطقة فلوج، التي بني فيها مطار إقليمي حديث يمكّنها من استقبال طائرات "بوينج". وفي مبنى المطار هذا أدى زعيم التمرد الجنوبي الراحل جون قرنق آخر عمل رسمي له بصفته نائبا أول لرئيس الجمهورية، عندما حضر في أواخر تموز (يوليو) الماضي اجتماعا لمجلس الوزراء عقد في منطقة فلوج تلك لإطلاع الوزراء والمسؤولين على تقدم العمل في المشروع، الذي يشكل نقلة فيما يتعلق بإنتاج النفط وحجم الاحتياطيات المتوافرة في ذلك الوقت. وبعدها ببضعة أيام تحطمت الطائرة التي كان يقلها وقُتل.
ويشير بعض مسؤولي وزارة الطاقة السودانية إلى أن القناعة السائدة في البداية، وحسب المعلومات الفنية المتوافرة، أن مربعي 3 و7 لم يكونا يحتويان على احتياطيات كافية إذا طرح كل واحد لوحده على الشركات الراغبة، لذا رؤي جمعهما وطرحهما سوية. ووفقا لدكتور سون إكسيانج شينج رئيس مجلس إدارة "بترودار"، فإن الشركة ستبدأ بضخ 140 ألف برميل يوميا ترتفع إلى 200 ألف ثم 350 ألفا في غضون عام، بينما شركة النيل الكبرى لعمليات البترول التي بدأ معها الإنتاج النفطي السوداني احتاجت إلى ست سنوات ليتجاوز إنتاجها 300 ألف برميل يوميا، كما أن الاحتياطي المؤكد في حقل 3 و7 يبلغ خمسة مليارات برميل، بينما ذلك المتاح لشركة النيل الكبرى لعمليات البترول في حدود 4.5 مليار برميل.
ويتم الإنتاج من ثلاثة حقول، هي: عدارييل، فلوج، وأقورديد، وهي التي ظهرت فيها نحو 11 اكتشافا مهما عام 2003. الخام المنتج أطلق عليه "دار"، وهو يعتبر من النوع الثقيل وتراوح نوعيته بين 24 و26 درجة وفق مقياس معهد البترول الأمريكي، ولو أنه تم اكتشاف حقل آخر يطلق عليه (قمري) يتميز بأنه خفيف ويراوح بين 34 و35 درجة، لكنه مثل مزيج النيل يمتاز بضآلة نسبة الكبريت فيه، الأمر الذي يعطيه ميزة تسويقية.
الإنتاج من حوض ملوط يعتبر الثالث من نوعه بعد تدفق الإنتاج من حقول 1، 2، و4 وكذلك حقل 6، وهو الوحيد المنتج في شمال السودان وتديره شركة النفط الوطنية الصينية بحصة 95 في المائة وتعاونها "سودابت" السودانية بحصة 5 في المائة، ولو أن الإنتاج قليل ويذهب إلى مصفاة الخرطوم لاستخدامه ومقابلة الاستهلاك المحلي.
المنطقة الرابعة التي يتوقع لها أن تبدأ الإنتاج قريبا خلال هذا العام وبحجم متواضع يتصاعد تدريجيا تعمل فيها شركة النيل الأبيض لعمليات البترول المحدودة، التي تعمل في مربع 5B، وهي عبارة عن كونسورتيوم يضم "بتروناس" بحصة 41 في المائة، شركة البترول العالمية 24.5 في المائة، شركة النفط والغاز الهندية التي اشترت حصة "لندين" السويدية البالغة 23.5 في المائة، و"سودابت" السودانية بحصة 11 في المائة.
وإلى جوار هذا الموقع يوجد مربع B، الذي لا يزال يشكل إحدى نقاط الخلاف بين الشمال والجنوب. فالامتياز في هذا المربع يعود إلى شركة توتال الفرنسية التي حصلت عليه في مطلع عقد الثمانينيات، لكن بسبب ظروف إعادة اشتعال الحرب الأهلية بعد ذلك بثلاث سنوات وتدهور الوضع الأمني دفع بالشركة ومعها "ماراثون" الأمريكية وشركة النفط الكويتية إلى تجميد أنشطتها، لكن مع اتجاه الوضع نحو الاستقرار وقّع الكونسورتيوم اتفاقا مع وزارة الطاقة السودانية أواخر 2003 لتجديد عقد الامتياز للعمل في المربع، بعد أن أضيفت إليه "سودابت" الحكومية بحصة 10 في المائة.
ونقلت وكالة "رويترز" عن المهندس خضر عيساوي نائب رئيس شركة النيل الأبيض، المسؤول عن تنفيذ مشروع خط الأنابيب، أنه توجد في المنطقة احتياطيات نفطية كبيرة، وأن خط النفط الذي تمت إقامته سينقل كذلك النفط من مربع B بعد أن تبدأ "توتال" وشركاؤها الإنتاج.
لكن العمل في هذا المربع ينتظر حسم نزاع قانوني بين "توتال" وشركائها من جهة، وشركة أخرى باسم النيل الأبيض مسجلة في بريطانيا وتقيم شراكة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وبموجبها أعطيت امتياز العمل في المنطقة ذاتها التي تتبع لـ "توتال". وبرز النزاع بصورة واضحة مطلع العام الماضي عندما اتضح أن الحركة أعطت الامتياز في تلك المنطقة إلى شركة بريطانية مغمورة ثم شاركتها فيما بعد.
ووفقا لاتفاق قسمة الثروة، وهو واحد من عدة اتفاقيات تضمها اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب الموقعة في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي، فإن العقود الموقعة قبل توقيع الاتفاقية تظل سارية المفعول. وتتحجج الحركة الشعبية بأنها كانت تسيطر على تلك المناطق عسكريا. لكن من الناحية القانونية البحتة، فإنه لا يمكن لحركة تمرد الدخول في التزامات قانونية، وهذا ما ستركز عليه شركة توتال في دعواها.
لكن يعتقد بصورة عامة أن الحركة لا تزال تحتفظ بهذه الشركة كبطاقة تفاوض إلى أن ينتظم العمل في مفوضية البترول المكونة وفق اتفاق السلام وتضم الرئيس عمر البشير ونائبه الأول سيلفاكير ميارديت إلى جانب مسؤولين آخرين، وهي الجهة المنوط بها وضع السياسات والإشراف على مسيرة الصناعة النفطية السودانية بموافقة الطرفين.