رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


السعودة ووزارة العمل.. وهل يصلح العطار؟

آلمني كما أضحكني مشهد مجموعة من العمالة الأجنبية تدور في شوارع الرياض لتضع ملصقات ولوحات إعلانية لحملة عن السعودة. فهل يا ترى سيقوم هؤلاء الأجانب بإنجاز العمل بوطنية؟ أليس من الأولى فرض تشغيل شباب سعوديين لهذه المهمة التي لا تحتاج إلى تقنية؟ فموضوع السعودة كقرار هو مسؤولية الجميع ومترابط ومكمل للجهات الحكومية الأخرى وليس وزارة العمل وحدها التي أوقفت الاستقدام لتفرض علينا سوقا سوداء لتجارة العمالة وغاب عنها أن هناك عدة أمور مترابطة ومعقدة ولها تداخلاتها وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يجب على الوزارة التنسيق لها مع الأجهزة الأخرى والمجتمع. وليكمل نظامنا الاقتصادي المترابط مع السعودة وغيرها, وهو موضوع نمنا عنه عقودا من الزمن وفجأة نريد تنفيذه, فما خطة الوزارة المستقبلية إذا كانت هناك خطة تدريجية على مدى 10 إلى 20 سنة للسعودة؟ وهل تمت جدولة السعودة حسب الأولويات لتتمشى مع مخزوننا العمالي ومؤهلاته ونوعياته وتخصصاته؟ وهل لدينا حصر وتصنيف دقيق لمخزوننا من القوى العاملة ومحاولة معرفة مدى تأهيل كل شريحة ومقارنتها بنوعية وعدد الوظائف المطلوبة لتنمية الوطن لكل سنة حسب الخطط الخمسية؟ وبذلك نعرف ما هي الوظائف التي نستطيع سعودتها حالياَ؟ وما هي الوظائف التي تبقى مرحلياَ للأجانب لنستفيد من الاحتكاك بهم لحين سعودتها تدريجياً وفق خطة مجدولة ومدروسة. وهل يعمل السعودي المترف الذي لم يذله الفقر في أعمال الحفر أو تحميل الأشياء الثقيلة مثله مثل العامل الأجنبي؟ وهل تم وضع أولويات لخطة الإحلال؟ فقد نفاجأ بأن عدد الوظائف يفوق مخزوننا من السعوديين المؤهلين. وألا ننسى أن نصف مخزوننا وهم النساء لم يفعل دورهن بعد حيث يجب الاهتمام بتأنيث الوظائف تدريجياً وإعطاؤهن امتياز التوظيف وعدم السماح للرجال بمنافسة وظائف تستطيع القيام بها النساء. وهذه الأمور سبق أن أشرت إليها في مقال سابق "أعمدة السعودة العشرة" التي لا بد من أخذها في الاعتبار لإنجاح فكرة السعودة .
وهل استفدنا من تجارب غيرنا ممن سبقونا مثل المصرنة والعرقنة؟ بينما معظم دول العالم المتطور تستجدي وتنتهز الفرص لتوظيف العمالة الأجنبية المتميزة ليحتك بها مواطنوهم ولترفع من خبراتهم وتمكنهم للإبداع. وبعضها مثل كندا وأمريكا وفنلندا تضع نسبة أو عددا معينا (كوتات) سنوية لجذب هؤلاء الأجانب وتجنيسهم.
وأعود اليوم لشرح الوجه الآخر للعملة وهو الجانب الاجتماعي الذي لا بد للوزارة أن تعي أهميته وأن الموضوع أبعد وأعمق وأكبر مما تتصوره. وأن السعودة ليست وظيفتها ولكن لتنسق مع الآخرين لمعالجتها لإنجاح عملية السعودة وبطريقة تدريجية, وهو يصب في المحاور التالية:

1- التجنيس: فهمنا بالخطأ "وكالعادة" الأثر" تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس", الذي لم يمنعنا بل يدعو إلى البحث عن النطف الجيدة. "وجعلناكم شعوباَ وقبائل لتعارفوا.." فنحن في حاجة إلى جينات أو نسل ذكاء وفطنة وعمل دؤوب وإخلاص. ولعله يدس لنا ذلك بالتجنيس والبحث عن العرق الجيد. ولنحاول أن نعي أننا لسنا أفضل البشر. فالحضارة الإسلامية ليست من صنع العرب فقط، فلغتهم صححها غيرهم ووضع قواعدها العجم سيبويه وخمارويه، كما أن جزءا كبيرا من الحضارة يعود إلى غير العرب مثل أبي بكر الرازي والخوارزمي وابن سينا ورواة الحديث البخاري ومسلم وقائدنا صلاح الدين الأيوبي لم يكن من أصل عربي. ولعلنا نستفيد من آخر تجربة للتجنيس في عهد الملكين عبد العزيز وفيصل وما نراه من نجاح معظمهم في حضارتنا اليوم.
2- تحسين مستوى السعودة: لماذا لا ننظر إلى تجارب غيرنا مثل المصرنة والعرقنة التي فشلت بينما تعتمد معظم دول العالم المتقدم على استقدام الكفاءات الأجنبية عالية التأهيل من دول أخرى لتطعيم وشحذ عزيمة مواطنيها للعمل. ولا بد أن نعي أننا ملزمون بإبقاء بعض الوظائف للعمالة الأجنبية لسببين مهمين, هما: أولاَ هناك وظائف متخصصة ودقيقة ليس لدينا سعوديون ليحلوا محلها ونحتاج إلى سنوات لتأهيل السعوديين لها. ثانياَ وجود بعض العمالة المتميزة يساعدنا كسعوديين على الاحتكاك بهم وتقليدهم ومحاولة اكتساب الخبرة منها والمثابرة والإخلاص للعمل.
3- تهيئة الجيل الجديد: نحن اجتماعياَ متميزون في تعاملنا مع أبنائنا وتعويدهم على الرفاهية والكسل, وقد لا يكون ذلك صحيحاَ فنحن ندللهم ونفسدهم ولا نزرع فيهم نزعة الحاجة إلى العمل. فمعظم عائلات دول العالم المتقدم قد تطرد أولادها من المنزل بعد سن البلوغ وتتركها لتواجه الحياة بمفردها ولتعرف أهمية العمل لتعيش (وقد لا نتقبل ذلك ولكن تلك الدول لديها نظام اقتصادي اجتماعي مترابط). وطبعاَ نحن نعتقد أنهم سيفسدون. ولكننا اليوم نعيش ونستهلك ما صنعه معظم هؤلاء من الطائرات والسيارات والكمبيوترات والجولات وغيرها من الأنظمة الإلكترونية المتقدمة والحضارة والعلوم. كما أننا نفتقد التوعية لأبنائنا من الصغر ضمن المناهج المدرسية بأهمية العمل وبأخلاقيات الممارسة المهنية الشريفة والتركيز على التخطيط للمهنة CARRIER PLANNING.
4- مفهوم العمل: نحن نفتقد إيماننا وإخلاصنا للوطن ومدى أهمية العمل للوطن ولرفع الناتج القومي ومستقبل الأجيال المقبلة لا أن نكون مستفيدين منه ومثقلين له. "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم". فمعظم الدول المتقدمة قامت بعد أن مرت بحروب أو ضوائق اقتصادية على سواعد أبنائها الذين يعملون بجد وإخلاص لرفعة الوطن ولم يتذمروا بأنهم يعيشون في دولة غنية بالنفط وأنها مسؤولة عنهم. وهؤلاء هم المثل الأعلى لأبنائهم الجيل الجديد. وتشجيع المواطن على ضروة تقليل اعتماده على العمالة الأجنبية في الأعمال المهنية البسيطة في النظافة والصيانة المنزلية.
5- توحيد مواعيد الدوام: قرار لم نعطه أهميته وهو أهم قرار لأنه لم يوضع دولياَ هباءً ولكن لإعطاء أفراد المجتمع العامل وقتا محددا للعمل ووقتا محددا لتفرغه لعائلته وراحته خاصة في المساء وللترابط الاجتماعي والتربية مع أسرته "وجعلنا الليل لباسا، وجعلنا النهار معاشاَ" سورة النبأ. كما أن له علاقة بتوفير واستعمال الطاقة والخدمات والطرق وتقليل التلوث والازدحامات من جراء الذهاب والعودة للعمل أربع مرات يوميا.
6- عدم وجود نظام ضرائبي إسلامي ولو كان صغيراً مثل تطوير أسلوب الزكاة والوقف والخراج والرسوم في نظام متكامل إسلامي على غرار ما اخترعناه للتورق. فهو إضافة إلى فائدته الاقتصادية له فوائد كثيرة أخرى وأساسية. مثل فوائدة الإحصائية المهمة لمعرفة الدخول ومعدلات الناتج القومي وغيرها من المؤشرات والمعلومات الأساسية للتخطيط لمستقبل الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي