رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


شيكات النقود والدرجات بلا رصيد..!

لا يمكن أن ينهض الاقتصاد والتعليم في دولة ما, وأن يصعدا في سلم الرقي والتحضر, إذا لم يحط هذان المعلمان الحضاريان بسياج قوي يمنع من إضعافهما, أو من تسلل الشكوك إليهما, ومن ذلك إضعاف الثقة في الأوراق التجارية والشهادات التعليمية, وتسلل الشكوك إليهما, ومن أهم أسباب انهيار الثقة في الأوراق التجارية, والشهادات التعليمية: تحرير شيكات البنوك المصرفية بلا رصيد, وتوزيع درجات المواد الدراسية بلا رصيد, فالأولى تضعف من ثقة سوق التجارة بالشيكات, والثانية تضعف من ثقة سوق العمل بالمخرجات, واهتزاز الثقة اليوم يزعزع كيانات وصروحا كثيرة:
فاهتزاز الثقة في قرار سياسي لدولة ما يضعف من مكانته..
واهتزاز الثقة في أمن دولة ما يضعف من مهابته..
واهتزاز الثقة في اقتصاد دولة ما يضعف من استقراره..
واهتزاز الثقة في مخرج تعليم دولة ما يضعف من كفاءته..
وهكذا..
ولهذا تسعى الدول المتحضرة إلى إحاطة الأوراق الرسمية - تجارية كانت, أو تعليمية, أو غيرها - بسياج يحجز عن العبث بها أو التلاعب فيها, ولئن كانت الشيكات بلا رصيد تمثل جريمة نقدية لخداع فئة التجار والمتعاملين في مجال التجارة والمعاملات, فالدرجات بلا رصيد تمثل جريمة تعليمية لخداع فئة المجتمع في مجال الحياة ككل..!
وإذا كان تحرير الشيكات بلا رصيد يعني تسويد أوراق بيضاء بحبر أزرق, فتحرير الشهادات بلا رصيد يعني تزويق كشوف بيضاء بأرقام فارغة..!
إذن, فتحرير الشيكات المسودة يضلل فئة المال والأعمال, وتحرير الشهادات المزوقة يضلل فئة العلم وسوق العمل..!
ومن هنا, فإنه يجب وضع حدٍ لهذا العبث بمصير هاتين الضرورتين, ضرورة حفظ المال, وحفظ العلم والتعليم.
وفي تقديري أنه ينبغي تفعيل الرقابة على سوق الشيكات والشهادات؛ لئلا تتسع الظاهرة أكثر مما هي عليه الآن - وهي متسعة بلا شك - وأن تقرر العقوبات الرادعة لهذه المخالفات قبل أن تزول الثقة في هذه الأوراق المهمة, بعد أن اهتزت فعلا بفعل بعض الممارسات الخاطئة المتكررة..!
إنني على علم أكيد بأن الثقة في الاقتصاد لا تكمن فقط في شيكات برصيد نقود حقيقي, كما أن الثقة في التعليم لا تنحصر فقط في شهادات برصيد درجات واقعي, ولكن ينضم إلى ذلك تفوق اقتصادي في مجال الإنتاج والتصنيع وسلامة السياسة النقدية والمالية, وتفوق تعليمي في مجال خطط التعليم وتطوير المناهج وأساليب التعليم وتأهيل المعلمين, إلا أن ذلك لا يعني غض الطرف عن حصن حصين من حصون الاقتصاد والتعليم, وهو حماية الأوراق التجارية المتداولة في سوق البيع والشراء, وحماية الشهادات التعليمية الممنوحة في سوق العلم والتعليم.
وحديثي عن هذا الموضوع متزامن مع لحظتين:
الأولى: لحظة إطلاق «سمة» لمشروعها مطلع هذا العام, تجاه الكشف عن المصدرين للشيكات بلا رصيد, ووضعهم في القوائم السوداء, وهي خطوة في الطريق الصحيح, وإن كنت أتمنى أن تهب الجهات المعنية لتتزامن مع هذه الخطوة؛ من أجل أن تتضافر الجهود لإنجاح هذا المشروع, والذي يهدف إلى تهيئة بيئة خالية من شيكات بلا رصيد, وما يهمنا هو ما يتحقق على أرض الواقع, وحسب.
الثانية: لحظة إعلان المدارس والجامعات لنتائجها هذه الأيام, والمشاهد للمخرجات التعليمية في الكثير من البلاد العربية يجد أنها تعاني من جهات تعليمية تمنح شهادات علمية لا تحظى بالقدر الكافي من الكفاءة, سواء على مستوى المراحل الدنيا أو العليا, وهذا خاضع لأسباب كثيرة, تارة بسبب ضعف مستوى المناهج في بعض مراحل التعليم, وتارة بسبب انخفاض مستوى تأهيل المعلمين, وتارة بسبب التوزيع المجاني للدرجات لمن لا يستحق, وتارة باجتماع هذه الأسباب أو بعضها أو غيرها.
إن تساهل الأستاذ مع طلابه, بتوزيعه الدرجات بالمجان يمثل حالة مرضية, كما أن تحامله على طلابه, بحرمانهم من حقهم في الدرجات يمثل حالة مرضية أخرى, وكلاهما يجب علاجهما بمبضع الجراح, إلا أن الحالة المرضية الأولى أكثر اتساعاً, وأوسع انتشارا, وقد سعت بعض الجامعات المحلية والعالمية لمعالجة هذه الظاهرة- وذلك مما يدل على انتشارها, واتساع رقعتها- وذلك بفرض عدد كبير من الجامعات نظام المنحنى, لمعالجة حالة التساهل والتحامل, وذلك من خلال رسم منحنى لكل نتيجة, يفرض وجود التدرج الطبيعي بين الطلاب في الدرجة, بين الامتياز والجيد جدا والجيد والمقبول, كما يمكن إدخال نسبة محددة من الرسوب في نظام المنحنى, بحسب ما تراها الجهة التعليمية بما يتواءم مع حجم التساهل أو التحامل الموجود في المنشأة التعليمية, وهو نظام علاجي يطبق في الحالات المرضية, حتى إذا نضجت الحالة التعليمية, واستوت النتائج على سوقها, واستقامت على طريقة سواء, استبعدت هذه الطريقة, إذن, فأسلوب المنحنى لا يصح أن يكون نظاماً روتينياً يشتغل بنظام ضغطة زر ثم ينسى, بل هو مضاد حيوي يعالج الحالة الراهنة, حتى إذا صحت ذمة الأستاذ, وقام سوق العدالة, وأصبح توزيع الدرجات بين الطلاب خاضعاً لنظام العدالة, ومستوى الجدارة بينهم, ألغي نظام المنحنى, وأتمنى من المسؤولين دراسة هذا النظام بجدية, والأخذ بإيجابياته واستبعاد سلبياته, والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي