توقعات باستمرار الاتجاه التصحيحي لأسعار النفط
تتجه الساحة النيجيرية إلى أن تصبح نقطة التركيز بالنسبة إلى السوق النفطية ومتابعيها هذا الأسبوع لمعرفة ما سيستقر عليه الوضع السياسي الهادف إلى نزع فتيل المواجهة بين الحكومة والجماعات المتمردة في منطقة دلتا النيجر، وبالتالي عودة الإنتاج إلى سابق معدلاته، إضافة إلى وضع سلعة البنزين في جانبي الإمدادات والمخزون، علما بأن هذا الشهر سيشهد إغلاق العديد من المصافي أبوابها بسبب اعمال الصيانة الدورية.
وأسهمت هذه التحركات في دفع بعض مسؤولي شركة رويال دتش/ شل، إلى القول إنها تتوقع انفراجا قريبا يعيد إمداداتها النفطية الى السوق بعد غياب دام شهرين، وهو ما شكل عاملا في التراجع الذي شهدته أسعار النفط يوم الجمعة الماضي. وحقق سعر برميل خام ويست تكساس الأمريكي الخفيف الحلو قفزة كبيرة الأسبوع الماضي بداية من يوم الإثنين عند افتتاح السوق لم يشهد مثلها منذ الـ 30 من كانون الثاني (يناير) الماضي ومقاربته 68 دولارا للبرميل نتيجة عوامل متعددة على رأسها المناورات العسكرية الإيرانية، التي عرضت فيها صاروخا وطوربيدا في منطقة مضيق هرمز الذي يمر عبره معظم الصادرات النفطية الخليجية، وذلك في رد غير مباشر على المهلة التي وجهها مجلس الأمن إلى إيران بأن توقف مساعيها لتخصيب اليورانيوم في غضون 30 يوما، وفي إشارة غير مباشرة إلى أن احتمالات التصعيد توجد لديها ردا قد يصبح مسرحه خطوط نقل النفط لا الحظر النفطي مباشرة. وهو ما أكد عليه حديث محمد هادي نجاد الحسيني نائب وزير الطاقة الإيراني بعدم توقع حدوث تراجع في الأسعار من معدلها الحالي هذا العام.
هذا إلى جانب بيانات المخزون الأمريكي التي صدرت الأربعاء الماضي لتغطي فترة الأسبوع المنتهي في 31 من آذار (مارس) التي أوضحت فيه تراجع مخزون البنزين بأكثر مما كانت تتوقعه السوق. فالبيانات أشارت إلى تقلص حجم ذلك المخزون بنحو 4.4 مليون برميل إلى 211.8 مليون، وهو تراجع للأسبوع الخامس على التوالي ويتم في الوقت الذي تتجه فيه مصاف أمريكية إلى إغلاق أبوابها للصيانة الدورية. وأعلنت إحدى المصافي أن نحو 120 ألف برميل يوميا ستغيب عن السوق لهذا السبب. ومن ناحية أخرى فإن هذا هو الوقت الذي ينبغي أن تزيد فيه المصافي إمدادات البنزين المخلوط بالإيثانول تطبيقا للإجراءات الجديدة الخاصة بالبيئة التي ينبغي أن تدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل. ومعلوم أن الولايات المتحدة تستهلك 40 في المائة من حجم إمدادات البنزين العالمية.
أما فيما يتعلق بنيجيريا فإن الأسبوع الماضي شهد قيام الرئيس النيجيري أوليسيجون أوباسانجو بتكوين لجنة برئاسته وتضم ممثلين لكل الولايات للعمل على التوصل إلى حلول بخصوص قضايا منطقة دلتا النيجر التي تمثل حجر الأساس في الإنتاج النفطي النيجيري البالغ 2.5 مليون برميل يوميا، يذهب نحو مليون برميل منها يوميا الى السوق الأمريكية التي لا يفصلها عنها سوى مياه المحيط الأطلسي. وهذا هو السبب الذي جعل الإدارة الأمريكية مهتمة بما يجري في نيجيريا ودفع أوباسانجو إلى الإعلان عن خطوته هذه قبيل لقائه الرئيس الأمريكي جورج بوش الأسبوع الماضي. وأدت الاضطرابات العرقية والسياسية في هذه المنطقة إلى وقف نحو 445 ألف برميل يوميا من الدخول إلى الشبكة الإنتاجية عبر تخوف الشركات خاصة "رويال دتش/ شل"، التي تعد صاحبة أكبر حضور أجنبي في المنطقة، على سلامة العاملين لديها.
على أن تصريحا لمالكولم برنديد مسؤول الاستكشاف والإنتاج في "شل"، أن هناك احتمالا لانفراج في الموقف في المستقبل القريب أعطى الأمل أن "شل" على طريق استئناف نشاطها.
لكن المؤتمر الذي دعا له أوباسانجو ويفترض أن يصدر توصياته خلال فترة أسبوعين وجه بردود أفعال متباينة، خصوصا من الجهات التي يخاطبها مباشرة وهي المجموعات المتمردة في دلتا النيجر. ففي الوقت الذي اعتبره البعض خطوة في الاتجاه الصحيح، رفضه البعض على أساس أنه لن يغير شيئا في التركيبة القائمة.
وبالنسبة إلى عمليات التراجع في الأسعار التي شهدها يوم الجمعة، فانخفض كل من خامي ويست تكساس وبرنت بنحو 55 سنتا إلى 67.39 دولار و67.29 دولار للبرميل لكل منهما، ترجع بصورة جزئية إلى عمليات جني الأرباح التي قام بها بعض المتعاملين، كما ترجع من ناحية أخرى إلى أن سعر 68 دولارا للبرميل الذي تم التوصل إليه الأسبوع الماضي لفترة قصيرة لا يجد ما يسنده في أساسيات السوق والعرض والطلب. ولهذا يرى بعض المراقبين أن الاتجاه التصحيحي ربما يستمر، خاصة أن هناك قناعة بأن مبلغا يراوح بين ثمانية و 15 دولارا في كل برميل يعود إلى أسباب جيوسياسية، أي أنها ذات طبيعة سياسية أو أمنية تخص إحدى الدول المنتجة والخوف من انقطاع الإمدادات منها.
ولعل هذا ما يفسر رد فعل السوق الأولية على تصريح وزير النفط الإماراتي محمد الهاملي من أن منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" ليس لديها ما تفعله لكبح جماح الأسعار المرتفعة، إذ أصبح التصريح عاملا في دفع الأسعار الى أعلى، الأمر الذي يعكس الطبيعة القلقة لتحركات الأسعار. وهو ما رد عليه بصورة غير مباشرة المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة كلود ماندل الذي أشار إلى أنه ليست هناك مشكلة إمدادات للدرجة التي لا يفكر فيها أحد في اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي.
بالفعل فإن الأرقام الخاصة بالمخزون تكشف عن نفسها. ووفقا للتقرير الأسبوعي لدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن مخزونات الخام زادت من معدلها بالطريقة المعهودة خلال الأسابيع القليلة الماضية نحو 2.1 مليون برميل إلى 342.8 مليون برميل، أو بنسبة 8 في المائة عما كانت عليه قبل أسبوع.
تقرير أسبوعي تعده "الاقتصادية" تزامنا مع استئناف تعاملات أسواق النفط اليوم.