أعيدوا طرح مفهوم الصحة العامة في المجتمع (4)

إذا ما سلطنا الضوء على الهيئات ذات الأهمية البالغة لدينا، فإن أَمامها مع وزارات عدة أخرى، مهمة ليست باليسيرة. فالحفاظ على: البيئة من سموم الأبخرة، والشوائب والملوثات، وما يملأ الأرض من رواسب ومواد مشعة، ونوعية الحياة الفطرية في المناطق المفتوحة كمخلوقات أرادها الله لفرض التوازن البيئي، وسلامة ما تتم زراعته بالأساليب المؤثرة على الصحة العامة (التقليدية أو استخدام المواد غير العضوية)؛ حيث ثبت أن لاستنشاق المبيدات الحشرية علاقة بزيادة الإصابة بمرض الباركنسون Parkinson، وانتشار الورش ومحطات النفط ومشتقاته بين المناطق السكنية ومعدلات بعدها عنها وانتشارها في الأحياء السكنية.... إلخ، كل ذلك في حاجة إلى تحديث نسب الخطورة على الفرد حسب المعايير الموصى بها عالميا من حيث الخطورة والسمية والضرر بصحة الفرد ومن ثم نشره. هذا بالطبع سيتلازم معه –بالتوازي - توفير كوادر مؤهلة ومتخصصة وأجهزة متطورة وأدوات حديثة في إدارات تتبنى التغيير للتطوير. لذلك هناك حاجة إلى إعادة النظر في محتوى كثير من اللوائح التنفيذية وكيفية تطبيقها للحفاظ على الصحة العامة.
على الفرد أيضا أن يعيد النظر في الاستفادة من كل تطوير وتحديث لما يحقق حياة صحيحة وسليمة فالاستفادة من الربط التقني في تبادل المعلومات والمشاركة فيها بين الأجهزة المختلفة، والتعاون مع فريق التعداد السكاني لإعادة رسم الخريطة في توزيع كثافة السكان والموارد والخدمات ومن ثم تحقيق أفضل تكامل معيشي في مجتمعنا الكريم، والسعي للإجابة عن كل ما يؤرقه من خلال القنوات المتخصصة والمخصصة لذلك، فيه تفريغ لمقدمي الخدمات لأن يجودوا ما يقدمونه وننمي بذلك حياتنا بشكل متوازن وفاعل. لو قمنا بمؤازرة بعضنا بعضا في تخطي ضغوط الحياة، ووعَى الإخصائي في التثقيف الصحي مثلا أنه وزملاءه هم جنود الصحة البارزون والمقدمون على غيرهم، لانتقلنا من مفهوم البحث عن العلاج في المصحات، إلى علاج ما تغير في أذهاننا عن مفهوم الصحة العامة. ولو استطعنا الاستفادة من الإنترنت، في تغيير آليات التثقيف والتواصل مع الخبراء كافة في هذا المجال (تحت إشراف المتخصصين طبعا)، لسجلنا مرجعية في المنطقة، بل قد يكون على مستوى العالمين العربي والإسلامي.
من وجهة نظر شخصية، أرى ضرورة البدء في التالي: (1) الانتهاء من تغطية جميع العاملين في الدولة والقطاع الخاص بالتأمين الصحي خلال العام الحالي. (2) إيلاء تنفيذ عقود الصيانة والنظافة في جميع المواقع أهمية قصوى، (3) إعادة النظر في أعداد وأحجام مستشفيات الصحة النفسية ومحاولة الاستفادة من امكاناتها بشكل أكثر فاعلية بالتركيز على العيادات النفسية والاستشارات المتخصصة. (4) إعادة النظر في برنامج «طبيب أسرة لكل أسرة» للتركيز على الاستفادة من الموارد بشكل مثمر ومؤثر صحيا لأن الأدوار والنتائج المتوقعة لم تتضح للعامة بعد. (5) تحديد ماهية المخاطر التي يمكن أن يقع فيها الفرد (ذكرا أو أنثى) أو تواجهه في الأماكن المغلقة أو المفتوحة، والتركيز على نشر اللوحات الإرشادية والتعريفية في كل شارع ومتنزه ومساحات خدمية. (6) التحفيز على الاحتفاظ بسجلات إلكترونية لكل المخالفات والتجاوزات والعوائق والمخاطر في كل إدارة وأجهزة مرتبطة تقنيا بإدارات الرقابة الداخلية للاستفادة منها في التحليل والدراسة وإيجاد الحلول الناجعة بناء عليها. (7) المبادرة بإيجاد لوائح تنظم العمل الطوعي وإلغاء ما صدر بمنعه، وذلك لرفع مستوى المبادرة الفردية في العمل ذهنيا وبدنيا؛ وتعزيز دور أفراد المجتمع تجاه بعضهم بعضا، وتوفير ايد عاملة مؤهلة ومرخصة في المجالات المختلفة غير مكلفة؛ حيث إن الدراسات ما زالت تثبت أن مشاركة المجتمع في المجالات المختلفة خارج وقت العمل تزيد من حصيلة الفرد المعرفية وتنمي مفاهيم شخصية تحسن أنماط المعيشة، كما تتيح المجال أمام الأجهزة لتحسين خدماتها. وأخيرا (8) يمكن تحفيز الإدارات المحلية في المناطق على تبني برامج تتمايز فيها عن بعضها بعضا (وقد يخصص لها تكريم أو تقدير خاص) مثل: المدينة أو المنطقة الأكثر قدرة على زيادة المساحات الخضراء، وإشغال أفراد مجتمع المنطقة في أنشطة حركية أو رياضية، والتأكد من حماية المستهلك من شراء أغذية منتهية الصلاحية، والتزام مطاعم الوجبات السريعة بمعايير الغذاء الصحي السليم، وتكثيف الكشف الصحي المجاني لأمراض معينة (بالذات للنساء)، وانخفاض معدلات السمنة بين أفراد المجتمع، ومعدل انتشار برامج التوعية والتثقيف الصحي.. إلخ.
إذا ما أريد التأكد من ذلك يمكن نهج إعداد الاستبيانات لكل الجهات للتأكد من عدة نقاط مثل: (1) اللوائح تعالج أوضاعا مثل تصاميم المباني، وتخصيص طرق للمشاة وغيرهم، وتعنى بوضع المعلومات الخاصة بالمحتوى الغذائي للمعلبات، وتطبيق اشتراطات التراخيص. (2) الكوادر مؤهلة علميا ومهاريا لأداء المهام باحتراف. (3) الاستفادة من المخصصات الموجهة نحو التطوير والتحسين و»التحصين» بنسبة تكاد تصل إلى التمام والكمال، (4) قياس ردود الأفعال مما يشير إلى فاعلية الأداء أو وجوب التعديل... إلخ. ويمكن أن يستفاد من هذه المعلومات فيما بعد بتبني برنامج محاكاة للواقع يوضح نقاط التعارض أو الازدواجيات. أي نوع من الخلل الذي يساعد على الاستفادة من جهود قد تكون متناثرة الآن. كما ستوجه توقيع مذكرات التفاهم والوثائق التعاونية والاتفاقيات البينية التي ستزيد من لحمة القطاعات وتسهل بلوغ المراد بمجرد طرح رأي أو ابتكار وسيلة أو غير ذلك. هذا يعني أن جميع مسؤولي القطاعات المختلفة سيحملون هم «الصحة»، مع المسؤولين عن الوضع الصحي في مجلس الخدمات الصحية أو في وزارة الصحة - أعانهم الله جميعا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي