أسواق المال الخليجية: غياب للحوكمة وتآكل في أصول البنوك وهشاشة في الهياكل التنظيمية
انخفض أداء أسواق الأسهم في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير أمام الأسواق الناشئة خلال 2009. وعلى عكس الزيادة التي شهدتها الأخيرة بنسٍبة 74 في المائة في العام الماضي، بلغ العائد على أسواق المنطقة 18 في المائة فقط. في حين أن المفاجئ كان بقاء أسعار النفط قوية آنذاك، وبلغت الزيادة منذ بداية 2009 وحتى كانون الأول (ديسمبر) 85 في المائة.
وأشار تقرير صادر عن شركة المركز المالي الكويتي «المركز» إلى أن الأزمة المالية في 2009 كشفت نقاط ضعف أسواق الأسهم الخليجية وهشاشتها. وفي الوقت الذي كانت الأخبار السيئة المتعلقة بالسوق مسؤولة بشكل كبير عن أدائها الباهت، فإن الافتقاد إلى التقدم بالهيكلة التنظيمية وهي عامل محدد أساسي في جذب الأموال الأجنبية الموثوق بها، إلى جانب الانخفاض الحاد في السيولة «القيمة المتداولة» زاد من سلسلة المشاكل التي تعانيها الأسواق. من جانبه، كان انهيار الأرباح أكبر من أن تستعاد خلال فترة زمنية وجيزة. وكشف تآكل جودة أصول البنوك الضعف الاقتصادي العام، وتصدر الفشل في تطبيق حوكمة الشركات قائمة المشكلات.
من جانب آخر، أشار التقرير إلى أن أسعار النفط القوية في السابق كانت كفيلة بما يكفي لرفع السوق إلى مستويات مضاربية عالية. وأن جني الأموال في تلك البيئة كان سهلاً ، حيث واصلت أسعار الأسهم اتجاه الصعود. أما الشفافية والبحوث فلم تكن مطلوبة بسبب الافتقار إلى المستثمرين المؤسساتيين، وحتى لو طلبت ، فإنها لم تكن لتلق ذلك الاهتمام. ومع ذلك، إلا أنه وفي ظل العالم «الطبيعي الجديد» new normal، لم يعد سعر النفط المؤثر المتغير الوحيد في الثروات، ومن هنا تأتي أهمية تقرير إطار قوى.
من ناحية أخرى، وعلى المستوى العام يصنف التقرير السعودية وقطر على أنهما إيجابيتين، في حين يصنف بقية دول المنطقة تصنيفاً حيادياً. ويحافظ التقرير على نظرته الإيجابية تجاه السعودية المدفوعة بتوقعات اقتصادية إيجابية قوية، وأرباح شركات سليمة، وثقة مستثمرين إيجابية وتركيبة جيو سياسية مستقرة. على المستوى الاقتصادي، من المتوقع أن تستأنف المملكة نموها عند معدل 4 في المائة في 2010 بالتزامن مع المتوسط التاريخي، في حين من المرجح أن يبقى التضخم تحت السيطرة. أما أسعار النفط الخام القوية فيتوقع لها أن تؤثر إيجابياً في الميزانيات الجارية والمالية. وبالنسبة لنمو أرباح الشركات، يتوقع أن تصل إلى 14 في المائة في هذا العام مقابل ما تم تقديره لعام 2009 الذي بلغ 26 في المائة. ومن حيث القطاعات، يرى التقرير أن دعم أرباح الشركات سيأتي من البنوك والخدمات المالية, إضافةً إلى أن ثقة المستثمر وفق ما قيس في تقرير صادر عن بيت دوت كوم Bayt.com ارتفعت بنسبة 12 في المائة على الأساس السنوي كما في آب (أغسطس) 2009، في حين أن النظرة المستقبلية الجيو سياسية بحسب وحدة الإيكونوميست للمعلومات EIU لا تزال مستقرة. أما سيولة السوق فلا تزال تشكل هاجساً لجميع أسواق دول التعاون، وكانت القيمة المتداولة انخفضت في السوق السعودية بنسبة 35 في المائة في 2009. ومع ذلك، لا تزال السوق مفتوحة أمام المستثمرين الأجانب والهيكلة التنظيمية قوية نسبياً.
وراجع التقرير نظرته المستقبلية للكويت من إيجابية «في أيلول (سبتمبر) 2009» إلى حيادية في 2010. في حين أن النظرة المستقبلية الاقتصادية للبلاد وأرباح الشركات لا تزال إيجابية، إلا أن المخاوف من قطاع الاستثمار والافتقار إلى محفزات إيجابية ملموسة قد تعرقل النظرة المستقبلية. في الوقت الذي لا تزال فيه ثقة المستثمرين متدنية والتداول باهتاً. ويتوقع التقرير أن يستأنف الاقتصاد الكويتي معدل نموه عند 3.3 في المائة في 2010، عند نحو نصف متوسطه التاريخي، في حين من المرجح أن يبقى التضخم تحت السيطرة. أما أسعار النفط القوية والإنفاق المالي الضعيف فسيفرزان ميزانيات مالية وحساباً جارياً قوياً في العام المقبل. وعلى صعيد أرباح الشركات، من المتوقع أن تتصدر الكويت من حيث النمو في 2009 بسبب الانتعاش القوي المتوقع في شركات الاستثمار. أما الأرباح بشكل عام فيتوقع التقرير لها أن تنمو خمس مرات تقريباً في 2010 بسبب الانخفاض غير المتوقع خلال 2009.
ولا يزال تقرير المركز ينظر للإمارات نظرة حيادية وفقاً لمؤشرات متباينة في البلاد، إذ إنه وبالنسبة للنظرة المستقبلية الاقتصادية في البلاد يرى التقرير أنها إيجابية وأن نمو الناتج المحلي الإجمالي المتوقع في عام 2010 سيصل إلى 3.3 في المائة، في الوقت الذي ستبقى فيه ثقة المستثمرين إيجابية إلى حد ما. إضافة إلى ذلك، تعتبر النواحي التنظيمية والجيو سياسية مستقرة. أما على الصعيد الآخر، فتبدو أرباح الشركات سلبية لعام 2010، إذ من المتوقع أن يبلغ الانخفاض العام 9 في المائة لهذا العام بعد الانخفاض المقدر بنسبة 26 في المائة لعام 2009. أما قطاعات الخدمات المالية والبنوك والعقار فيتوقع أن تتراجع أرباحها بشكل عام لتبلغ مستويات الانخفاض سنوياً 21 في المائة، و16 في المائة ، و15 في المائة على التوالي لعام 2010. في حين يتوقع أن يكون قطاع الاتصالات الوحيد الذي سيسجل نمو أرباح إيجابياً في 2010، يصل إلى 10 في المائة.
وراجع التقرير نظرته المستقبلية لقطر من حيادية إلى إيجابية على خلفية أرباح الشركات والنظرة الاقتصادية القوية. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي في قطر بمعدل 18 في المائة في عام 2010 ترافقه ميزانيات جارية ومالية قوية. أما أرباح الشركات فمن المتوقع أن تشهد نمواً بشكل عام يصل إلى 15 في المائة في 2010، بعد الانخفاض المتوقع بنسبة 3 في المائة في 2009.
وفي السياق ذاته، يتوقع التقرير أن يعزز قطاعي البنوك والاتصالات في قطر من نمو أرباحهما بشكل عام، وتصل معدلات النمو في 2010 إلى 33 في المائة و15 في المائة على التوالي, ومع ذلك يقول التقرير أن سيولة السوق حيث انخفضت القيمة المتداولة إلى 46 في المائة في 2009 بعد الزيادة التي شهدتها بنسبة 57 في المائة في 2008 تشكل أحد المخاوف في قطر. علاوة على أن انخفاض ثقة المستثمرين والهيكلة التنظيمية الغامضة بعض الشيء لا تزال تشكل هي الأخرى قلقاً في السوق.
وراجع التقرير نظرته المستقبلية في عُمان من إيجابية إلى حيادية، بسبب انخفاض النمو الاقتصادي، وتواضع النظرة المستقبلية عن أرباح الشركات، وانخفاض السيولة في السوق. وأعاد التقرير نظرته المستقبلية في البحرين من سلبية إلى حيادية، بسبب المحفزات الإيجابية الناتجة عن أرباح الشركات، التي يتوقع لها أن تنمو عند معدل 15 في المائة في 2010 بعد النمو المتوقع في 2009 الذي يبلغ 9 في المائة. وبالنسبة للخدمات المالية يتوقع التقرير أن تبقى متراجعة من حيث الأرباح العامة لكن النمو المتوقع بنسبة 59 في المائة في أرباح البنوك قد يعزز الأرباح بشكل عام.
اقتصادات الخليج
تبعاً لآخر التوقعات الاقتصادية، فإن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في دول التعاون من المرجح أن يشهد انكماشاً بنسبة 0.1 في المائة عن عام 2009. على أن يستأنف نموه في 2010، إذ من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول التعاون بنسبة 4.2 في المائة. فبعد النمو السلبي في 2009، من المتوقع أن تشهد السعودية والكويت والإمارات نمواً في ناتجها المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4 في المائة، و3.3 في المائة، و3 في المائة على التوالي في عام 2010. أما بالنسبة للمملكة، قد تشكل هذه النسبة عودة إلى النمو المتوسط الذي شهدته ما بين عامي 2000 و2008. ومع ذلك، إلا أن هذا النمو بالنسبة للكويت والإمارات يبقى دون المستوى. كما يتوقع أن تحظى البلدان بأدنى معدلات النمو في 2010 في حين من المتوقع أن تتصدر قطر دول المنطقة خلال هذا العام بنسبة نمو وقدرها 18.5 في المائة يلي ما هو متوقع بالنسبة للعام الماضي بنسبة 11.5 في المائة.
التضخم
ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم في معظم دول المنطقة هذا العام، باستثناء الإمارات وقطر حيث من المتوقع هناك أن تزداد أسعار المستهلكين بنسبة 2.5 في المائة و4 في المائة على التوالي.
العجز المالي
ومن المتوقع أن تسجل البحرين في عام 2010 عجزاً مالياً يبلغ -2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين من المتوقع أن تسجل بقية دول التعاون فوائض أخرى، سيكون أعلاها في الكويت حيث يتوقع أن يدفع انخفاض الإنفاق المالي الفائض إلى 33 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2010.
ميزان الحساب الجاري
ومن المتوقع أن ينتعش ميزان الحساب الجاري كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير في دول المنطقة. كما من المتوقع أن تحقق الكويت أكبر ارتفاعاً، إذ من المرجح أن يساوي ميزان الحساب الجاري فيها 32 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
نمو المبالغ الطائلة
انخفض نمو المبالغ الطائلة بشكل ملحوظ في عام 2008، كما انخفض على نحو إضافي في معظم دول التعاون في عام 2009. وفي قطر، نمت المبالغ الطائلة بنسبة 13 في المائة على الأساس السنوي في الربع الثالث من 2009، في حين كان المعدل ثابتاً في البحرين. أما في الكويت فبلغ نمو M2 16 في المائة على الأساس السنوي كما في تشرين الأول (أكتوبر) 2009.
جاذبية عمليات التقييم
زادت عمليات التقييم في 2009 إلى مستويات من خانات مزدوجة بسبب تقييم بعض الأسعار وضعف نمو الأرباح. ومن المتوقع أن يبلغ نمو الأرباح 6 في المائة للعام الماضي بالاستناد إلى نتائج الأشهر التسعة الأولى من 2009 السنوية. أما بالنسبة لعام 2010، فإنه من المتوقع أن تنمو أرباح دول التعاون بنسبة 16 في المائة في 2009، مما سيدفع عمليات التقييم للانخفاض إلى مستويات متدنية أو متوسطة مكونة من خانات زوجية. وبالنسبة للسعودية يتوقع أن يبلغ مكرر الربحية 18 مرة في 2010 ليرتفع بمعدل 13 مرة عما كان متوقعاً له في تقرير النظرة المستقبلية الماضي ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى تقييم الأسعار.
إمكانية نمو الأرباح
على صعيد أرباح الشركات ومن خلال جعل نتائج الأشهر التسعة الأولى من 2009 سنوية، يرى التقرير أن معدل نمو الأرباح في العام الماضي بلغ 6 في المائة. ومن المتوقع أن تتصدر الكويت من حيث نمو الأرباح لعام 2009 بسبب الانتعاش القوي المتوقع في شركات الاستثمار. كذلك من المرجح أن تنمو الأرباح في الكويت بمعدل 5 مرات تقريباً بالمقارنة مع عام 2008. أما بالنسبة لعام 2010، تظهر الطريقة التصاعدية (bottom up) نمواً بنسبة 16 في المائة في أرباح دول المنطقة ككل مقارنة عام 2009. ومن بين القطاعات، يتوقع التقرير أن يكون معدل نمو الأرباح قوياً في قطاع الخدمات المالية بسبب الانكماش القوي الكبير الذي شهده في 2008 والانتعاش البسيط في 2009.
سيولة السوق
استمراراً لاتجاه الانخفاض الذي بدأ في عام 2007، انخفض إجمالي القيمة المتداولة إلى 41 في المائة في 2008 ليصل إلى 511 مليار دولار، بعد الانخفاض الذي بلغ 14 في المائة في 2008. وهيمنت سوق التداول السعودية على اتجاه الانخفاض، إذ بلغ انحدارها 35 في المائة في 2009. كذلك شهدت جميع الأسواق انخفاضاً في قيمها المتداولة، كان أعلاها في البحرين بنسبة 62 في المائة. أما السيولة في الإمارات فانخفضت بنسبة 54 في المائة إلى 66.7 مليار دولار.