السعودية تتهيأ لاستمرار الحفاظ على سعر مرضٍ لبرميل النفط هذا العام

السعودية تتهيأ لاستمرار الحفاظ على سعر مرضٍ لبرميل النفط هذا العام

تدخل السعودية العام الجديد والسوق النفطية تمر بوضع من الحالات الاستثنائية إذ أنها تتمتع بمعدل سعري ملائم يتحدث عنه المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية برضا. فمنذ وقت مبكر أعلنت الرياض أنها تعتقد أن السعر الملائم لبرميل النفط في حدود 75 دولارا، وذلك على أساس انه مرض للمنتجين حتى الهامشيين منهم إلى جاب المستهلكين، كما يساعد في ترشيد الاستهلاك من ناحية ويوفر الاستثمارات اللازمة لتمويل التوسع في الإمدادات، بل وحتى مشاريع الطاقة البديلة.
على أن حالة التوائم النادرة الحالية لا تزال تعاني نقطة ضعف لأنها لا تستند إلى حالة توازن صلبة بين العرض والطلب، اذ لا تزال أساسيات السوق هشة، وهو ما سيفرض على الرياض مسؤوليات في كيفية استدامة هذا الوضع وتدعيمه.
لكن الرياض تطل على العام الجديد وفي جعبتها إنجازان رئيسان: أولهما استكمال رفع الطاقة الإنتاجية في السعودية إلى 12.5 مليون برميل، وهو البرنامج الضخم الذي بدأ قبل سنوات خمس وبلغت تكلفته 100 مليار دولار، أما الإنجاز الثاني فيتمثل في الدفع باتجاه رفع سعر البرميل بعد التدهور الذي بدأ في النصف الثاني من العام الماضي، ومضاعفته إلى المستوى الحالي وذلك من خلال برنامج غير مسبوق لخفض الإنتاج بحجم 4.2 مليون برميل تم تنفيذه بصورة أكثر من مرضية وهو ما توضحه نسب الالتزام بالخفض في معظم الأوقات، رغم أن معدل إنتاج الدول الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) بلغ في تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم أعلى معدل له خلال هذا العام، أي منذ بدء برنامج خفض السقف الإنتاجي للدول الأعضاء الـ 12 عدا العراق.
من ناحية أخرى، فإن مختلف أنواع المتاعب من أمنية إلى سياسية وغيرهما التي تحيط بأصحاب الاحتياطيات ولديهم الإمكانية لرفع قدراتهم مثل إيران والعراق، وفنزويلا ونيجيريا ستجعل 90 في المائة من الطاقة الإنتاجية الفائضة للمنظمة خلال هذا العام متركزة في السعودية، الأمر الذي سيعطيها ثقلا أساسيا إضافيا لا في إدارة السوق فقط في جانب الإمدادات وإنما في ضبط سعر البرميل في الإطار المفضل مما ينعكس إيجابيا على المستهلكين قبل المنتجين، وذلك للانعكاسات المباشرة لسعر البرميل على التعافي الاقتصادي الذي بدأت مؤشراته تتالى مع تساؤلات متصلة حول مدى اتساعه وعمقه وفوق ذلك استدامته. فالنمو الاقتصادي يبقى العامل الرئيس في الطلب على النفط.
بعض الدراسات تتوقع أن يحقق الاقتصاد العالمي في المتوسط نموا اقتصاديا في حدود 2.9 في المائة وذلك مقابل تراجع بلغ في المتوسط أكثر من 1 في المائة بالنسبة للعام الماضي، وانعكس هذا على الطلب على النفط بتراجع بلغ 1.4 مليون برميل يوميا هذا العام، وللعام الثاني على التوالي. لكن توقعات النمو الاقتصادي تعني إضافة 0.8 مليون برميل يوميا، رغم أن منطقة منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، التي تضم الدول المستهلكة الصناعية التقليدية ستكون الأقل تاركة المجال للصين والهند ومنطقة الشرق الأوسط لتسجل أعلى المعدلات في النمو على الطلب.
ومع أن حجم المخزونات التجارية ظل مرتفعا خاصة فيما يتعلق بالمقطرات والمنتجات الوسيطة، الأمر الذي جعلها عنصر تحجيم لارتفاع سعر البرميل، إلا أنه خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم وردت مؤشرات على عبر تراجع حجم مخزونات دول منظمة التنمية والتعاون بنحو 36 مليون برميل، ومع أن ما بقي لا يزال أعلى من معدل خمس سنوات، إلا أنه يشكل أكبر سحب من المخزون منذ شباط (فبراير) 2008.
التوقعات بالنسبة لمعدلات الطلب للعام الجديد تتباين، رغم أنها تتفق على حدوث نمو، لكنها تختلف على حجمه. فالتقرير الشهري بـ "أوبك" يتوقع أن يكون متوسط الطلب على نفط أوبك الخام خلال العام الماضي 28.58 مليون برميل يوميا، ينخفض قليلا إلى 28.29 مليون خلال الربع الأول من هذا العام، ثم إلى 27.50 مليون في الربع الثاني، و29.36 مليون في الربع الثالث، و29.27 مليون في الربع الأخير مما يجعل من متوسط الطلب على نفط المنظمة خلال العام 28.61 مليون برميل يوميا.
من جانبها تعتمد الوكالة الدولية للطاقة سيناريو أكثر تفاؤلا فيما يتعلق بحجم النمو على الطلب خلال المدى الوسيط بين عامي 2009-2014 ويستند أساسا إلى توقعها ارتفاع نسبة النمو الاقتصادي الذي تضعه في حدود 3.2 في المائة، مما يعني إضافة 1.9 مليون برميل يوميا، أي أن حجم الاستهلاك المتوقع في العام 2014 سيبلغ 90.9 مليون برميل من 86.2 مليون في عام 2008، لكنها في الوقت ذاته تضع سيناريو أقل تفاؤلا يبلغ حجم النمو الاقتصادي فيه 2.2 في المائة، مما يعني أن يبلغ حجم الاستهلاك المتوقع في 2014 نحو 87 مليون برميل يوميا. وتعطي الوكالة ثقلا وأهمية للعامل الصيني، حيث سجلت واردات بكين النفطية زيادة بنسبة 28 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) فقط، ونسبة 11 في المائة بالنسبة للعام الماضي، وهو يرفع معدل استهلاكها خلال هذا العام إلى 8.7 مليون برميل يوميا.
أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فتتوقع حدوث نمو في الطلب هذا العام بنحو 1. 1 مليون برميل يوميا، وهو ما يجعل معدل الطلب على نفط "أوبك" خلال هذا العام في حدود 29.29 مليون برميل يوميا في المتوسط، بل وقد تقارب معدلا إنتاجيا يصل إلى 30 مليونا مع التحسن الاقتصادي المأمول خلال هذا العام.
ومع أن هذه المؤسسات الثلاثة تعد الرئيسة كونها تمثل منظمات وجهات تؤثر سياساتها وممارساتها الفعلية وضع العرض، إلا أنها ليست الوحيدة التي تطرح توقعات، إذ هناك قائمة متنامية من مراكز أبحاث، وشركات ووسائل إعلامية متخصصة في متابعة قضايا الطاقة. لكن يمكن القول بصورة عامة إن النطاق الذي تتحرك فيه تقديرات النمو على الطلب يبلغ 700 ألف برميل يوميا في حده الأدنى بالنسبة لمنظمة أوبك وإلى مليوني برميل في الحد الأعلى كما عند ميريل لينش. وهذه التقديرات تتباين لسبب أساسي، هو تفاوت التقديرات حول الإمدادات من خارج أوبك، إذ التقليد السائد يقوم على أن المنتجين من خارج المنظمة يضخون بكامل قدراتهم، ويبقى على المنظمة توفير الفرق، رغم أن واقع الحال لا يسير بهذه الطريقة دائما، ومع وجود شيء من الطاقة الفائضة لدى الدول الأعضاء فيتوقع استغلالها بصورة ما لزيادة الإمدادات والحصول على عائدات إضافية. والتعامل في السوق يحكمه إلى حد بعيد السعر وظروف الإمدادات وغيرها من عوامل لوجستية.
وهذا ما يدفع إلى إثارة السؤال حول النطاق السعري المتوقع لهذا العام. نظرة إلى الماضي توضح أن متوسط سلة "أوبك" بلغ خلال العام 2007 نحو 69.08 دولار، ارتفعت قليلا في العام التالي وبصورة كبيرة إلى 94.45 دولار للبرميل، ثم تراجعت في العام الماضي إلى 60.54 دولار. يبقى حجم الطلب والاستهلاك العامل الرئيس الذي سيحدد معدلات الأسعار هذا العام، لكن مع حالة التقلبات التي تعيشها السوق، فإن عوامل أخرى مثل مدى قوة وضعف الدولار، وهو عملة تجارة النفط الرئيسة سيكون لها تأثيرها في تحركات الأسعار ولو في هامش ضيق، إذ أن السلع ومن بينها النفط أصبحت مقصدا للمستثمرين وبالتالي يتم التحرك بينها وبين العملات. هذا إلى جانب العوامل الجيوسياسية والأمنية التي يمكن أن تؤثر في وضع الإمدادات بصورة أو أخرى. وهنا يبرز العامل السعودي بطاقته الإنتاجية العالية ليصبح عنصر توازن. فبعد الاستثمارات الضخمة التي تم ضخها في مجال رفع الطاقة الإنتاجية، وبعضها للتعويض عن التآكل التدريجي للطاقة الإنتاجية لبعض الحقول، والوصول إلى حالة من التوازن السعري في السوق، فإن الرياض لن تألو جهدا في الحفاظ على المعدل السعري بين 70-80 دولارا للبرميل.

الأكثر قراءة