بوتين يستعد لقمة سان بتسبيرج

بوتين يستعد لقمة سان بتسبيرج

[email protected]

يومان أمضاهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الصين الأسبوع الماضي. كان الهدف المعلن رسميا تدشين "عام روسيا في الصين"، وهو هدف يستحق أن يصحب الرئيس معه نحو ألف من المرافقين بمن فيهم كبار المسؤولين عن القطاعات السياسية والاقتصادية في موسكو.
وعلى الهامش جرت الإشارة إلى الذكرى العاشرة لتأسيس الشراكة الاستراتيجية الروسية ـ الصينية، وكذلك الذكرى الخامسة لمعاهدة الصداقة والتعاون بين البلدين ـ كما يحب الدبلوماسيون في البلدين الحديث، وفوق هذا كله جرى التوقيع على 22 اتفاقية تغطي أي جانب يمكن أن يخطر على البال من السياسة إلى الدبلوماسية، الاستثمار، الشؤون المالية، التمويل، الاتصالات إلى جانب اتفاقيات أخرى تحوي أفكارا حول تنسيق الاستراتيجيات الاقتصادية.
وهناك أيضا موضوع الطاقة، فقد وجد بوتين في المناسبة ما يجعله يصرح ببعض ما يرغب فيه سماعه مضيفيه الصينيين، إذ أعلن عن خطط لمد أنبوبين يحملان الغاز الروسي إلى الصين، التي رحبت بالخبر، رغم عدم تفصيل الأمر في البداية، ولو أنها كانت تأمل في إعلان آخر يتعلق بالخط الذي يحمل النفط الخام. ووفقا لأليكس ميللر المسؤول التنفيذي في "غاز بروم" الروسية فإن الخطين يمكن أن يمرا عبر منغوليا ويحملان بين 30 و40 مليار متر مكعب من الغاز. الخط الغربي فيهما يمكن أن يحظى بالأولوية ولذا يتوقع أن يبدأ في تزويد الصين ببعض الغاز في غضون خمس سنوات.
قطاع الطاقة، هو القطاع الأكثر تأثيرا في العلاقات الصينية ـ الروسية، رغم أن موسكو تحاول تشجيع الصينيين على ضخ استثماراتهم المالية في قطاعات أخرى بهدف تنويع القاعدة الاقتصادية، لكن بما أن الاقتصاد الصيني لا يزال متعطشا للإمدادات النفطية، فإن العين تظل دائما على النفط، خاصة أن هناك منافسة حادة مع اليابان، التي تسعى إلى إغراء روسيا بتفضيل مد خط الأنابيب الذي يحمل النفط إليها أولا. ويسعى الكرملين بمختلف السبل لحث الصين على رفع مبادلاتها التجارية معه لتتضاعف إلى نحو 60 مليار دولار بنهاية العقد الأول من هذا القرن منتصف هذا المبلغ العام الماضي.
وبغض النظر عن المبررات والتفضيلات في المسارات التي تتخذها خطوط الطاقة هذه من نفط أو غاز، إلا أن المشروع كله يعيد تأكيد الأولوية التي يعطيها بوتين لقطاع النفط تحديدا كرتا رئيسيا في تحركاته لاستعادة سيطرة الكرملين على الصناعة النفطية وتوظيفها خدمة للأهداف السياسية لتعود روسيا لاعبا أساسيا على المسرح الدولي وإصلاح ما خربته سياسات جورباتشوف من تفكيك للاتحاد السوفياتي، وهي خطوة يرى بوتين أنها أكبر خطأ سياسي استراتيجي تم ارتكابه.
وللتدليل على نزعة السيطرة هذه، يمكن الإشارة إلى أن من أقرب الحقول التي كان يمكن أن تضخ الغاز إلى الصين ذلك الذي تسيطر عليه شركة "بي. بي" في إطار شراكتها مع "تي. إن. كي" الروسية. فحقل كوفيتهي يعتقد أنه يحتوي على احتياطيات مؤكدة من الغاز تقارب الملياري متر مربع، بل إن لورد براون رئيس مجلس إدارة "بي. بي" يرى أن الاحتياطيات الموجودة في هذا الحقل تتجاوز ما هو متاح للنرويج في الجزء الخاص بها من بحر الشمال، لكن في الوقت الذي تملك فيه الشركة البريطانية الحقل إلا أن حقوق التصدير محتكرة للشركة الحكومية "غاز بروم"، الأمر الذي يفرض عليها التوصل إلى صيغة عمل ومشاركة، وهو ما كانت "غاز بروم" تماطل فيه.
والآن وبعد الإعلان عن الخطط بتصدير الغاز إلى الصينيين، فإن العقبات الحقيقية والمفتعلة في وجه ذلك المشروع يمكن أن تختفي خاصة وقد مر وقت كاف على محنة فيكتور خودروكفسكي مؤسس شركة يوكوس وصاحب الحصة الأكبر فيها، التي سيطر عليها الكرملين في النهاية بعد إعطاء رسالة واضحة أين يوجد الثقل السياسي. فقد كانت يوكوس تخطط بالتعاون مع "بي. بي" لتصدير النفط إلى الصين.
رحلة بوتين الصينية وتركيزها على الغاز تهدف فيما يبدو إلى إفهام الأوروبيين المهتمين أكثر بإمدادات الغاز لأسباب بيئية أنه لديه خيارات أخرى في شكل أسواق جاهزة لاستقبال الإمدادات الروسية دون شروط. فالأوروبيون لا تزال تلفهم علامات الاستفهام حول إمكانية الاعتماد على روسيا موردا مأمونا وذلك على خلفية نزاعها مع أوكرانيا ووقف إمدادات الغاز إليها، ولهذا فهم يحاولون ضبط الأمر وإقناع روسيا باللجوء إلى التحكيم، وهو ما لا يبدو أن سيد الكرملين سيكون سعيدا بالاستجابة إليه في الوقت الحالي على الأقل.
كل هذه التحركات تهدف إلى تهيئة المسرح إلى قمة الثماني التي تستضيفها سان بتسبيرج في تموز (يوليو) المقبل، حيث يراهن بوتين على الاعتراف به لاعبا أساسيا في تزويد الدول الغربية باحتياجاتها من الطاقة، لكن الأسبوع في السياسة وقت طويل، كما كان السياسي البريطاني هارولد ويلسون يقول.

الأكثر قراءة