رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الإسلام بريء من هؤلاء

يقول الله جلَّ جلاله في مُحكم كتابه: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) المائدة 32، والظاهر من معنى الآية، والله أعلم، أن الحكم يشمل قتل المُسلم وغير المُسلم. كما قال تعالى في آية أخرى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) النساء 93 .. ومع ذلك نُشاهد اليوم منْ يدَّعون أنهم ينتمون إلى الأمة الإسلامية وهم يقتلون الأبرياء من خلق الله، تحت مظلة دينية، ويحسبون أنهم على حق رغم بشاعة أعمالهم وبُعدها عن أخلاق المسلم وسلوكه السويّ.
بل الأدهى من ذلك أنهم يتقربون بتلك الأفعال الشنيعة إلى الله. هل هذه أخلاق أمة الإسلام التي كرمها الله على كثير ممن خلق؟ ومن الذي سيبوء بذنب قتل الأبرياء عمداً، ذاك القاتل أم الذي زيَّن له فعل القتل؟ نخشى أن العقوبة الشديدة التي وعد الله بها القاتل العمد ستطول الإثنين معاً، والعياذ بالله. ونحن نتساءل، تحت أي ذريعة من التعليمات الإلهية أو التوجيهات النبوية يعمد المسلم إلى قتل إنسان آخر عمداً وهو يعلم مضمون الآيات الكريمة التي تُحرِّم قتل النفس البريئة إلا بحقها؟ لقد شوه هؤلاء القتلة سمعة الإسلام والمسلمين، ووضعونا في موقف حرج ومُخجل لا يمكن تبريره ولا نستطيع حتى الدفاع عنه. كيف نُواجه منْ يصفوننا بالإرهابيين ونحن نسمع ونُشاهد يومياًّ العمليات الانتحارية في باكستان والصومال والعراق وأماكن كثيرة من العالم، أغلبها من تخطيط وتنفيذ أبناء الأمة الإسلامية؟ هل نحن المسلمين سيئون إلى هذه الدرجة، وهل نحن مُتعطشون إلى إراقة دماء الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين؟ لم يذكر تاريخنا على مدى الأزمان الماضية أن العمليات الانتحارية والقتل الجماعي بواسطة المتفجرات أو أي وسيلة أخرى كانا مهنة أو حرفة يُمارسها الشباب المسلم أو كانا شطراً من العبادة يتقربون بها إلى الله لدخول الجنة والفوز بالحور العين، كما يُصوِّر لهم منْ يقفون وراءهم.
الأمة الإسلامية تعيش اليوم في حيرة من أمرها، فمبادئ دينها وتعاليم نبيها عليه الصلاة والسلام تدعوهم إلى رفض العنف والابتعاد عما يُغضب الله وعن سفك الدماء المُحرَّمة، بينما واقعنا يُخالف ذلك، حتى أصبحت سمعتنا مرتبطة دوماً بالإرهاب. والمحزن أن كل ما نشاهده من أعمال القتل والتخريب التي يكون أبطالها الشباب المسلم تحدث في وسط غياب شبه كامل لدور العلماء والمفكرين الذين كان من المُفترض أن يكون لهم تأثير إيجابي لإيقاف ذلك العبث وتلك الممارسات غير الإنسانية. نحن نفهم أن يكون لدى أحدنا في حياته مشكلات اجتماعية أو نفسية يصعب عليه تحملها وحده ويُريد أن يُلقي بمسؤوليتها على الغير، ولكن البعض يجعلون من ذلك تبريراً لتصرفات عُدوانية تَطول أفراداً أبرياء ليس لهم علاقة بما يُعانيه. وهو لا يُدرك أنه لا يرضى بمثل هذه الأفعال بالنسبة لأفراد أسرته. ثم أين هي المُتعة في عمل انتحاري يُؤدي إلى القضاء على حياة ذلك الإنسان الشقي؟ وحتى أولئك الذين يمتهنون تفجير المركبات عن بُعد في الأماكن الشعبية المزدحمة ويتسببون في قتل العشرات وجرح أعداد أكبر، بمن فيهم النساء والأطفال مع سبق الإصرار، ما هم إلا جبناء يعملون في الخفاء تحت جنح الظلام، فأي نوع من الضمائر يحمل هؤلاء في أجوافهم؟
 وهل يا ترى المجتمع مسؤول عن هذه الفئة وعن تصرفاتهم غير الإنسانية؟ والجواب قطعاً: نعم، فالسويّ منا يتحمل جزءاً من المسؤولية لأنهم أبناؤنا وإخواننا وزملاؤنا وأبناء عشيرتنا. فلا بُدَّ من أن شيئاً ما قد حدث في حياتهم وهم يعيشون بيننا ويتعلمون في مدارسنا، حوَّل تصرفاتهم إلى ممارسات عدوانية لا تُفرق بين عدو وصديق، مُفعمة نفوسهم بحب الانتقام من أي إنسان يكون في مواجهته. ولو بحثنا عن الخلل في حياتنا الاجتماعية وطريقة تربيتنا لأجيالنا في هذا العصر المتميز بالانفتاح غير المحدود على الآخرين، لوجدنا أن هناك فجوات وثغرات لم نهتم بها كثيراً، ربما بسبب ضغط الحياة وانشغالنا في أمورنا الدنيوية. فالكثيرون منا يتركون أبناءهم يلهون ويقضون أوقاتاً طويلة أمام شاشات التلفاز ومداعبة أجهزة الكمبيوتر، بما في تلك الوسائل من أنواع التمثيليات السخيفة والصور المتحركة المخيفة التي غالباً ما تُمثل حروباً وهمية طاحنة تعلق بأذهان الصغار وتزرع فيها العنف، ونكتفي نحن بانشغالهم عنا إلا منْ هداه الله.
 وهناك تلك الفئة الضالة من البشر الذين يملأ قلوبهم الحقد وضعف الإيمان، يتنقلون من بلد إلى آخر بحثاً عن فرص قتل أُناس ليس بينهم وبين ضحاياهم رابط دم، مُتذرعين بتفسيرات دينية واهية لا تمتُّ للتعاليم الدينية الصحيحة بأي صلة، وهي نوع من الحرابة والفساد في الأرض الذي نهى الله سبحانه وتعالى عنه.
 وحريّ بنا ألا نُغفل ما تسببه لشبابنا تلك الأفعال الإجرامية التي تقوم بها بعض الدول في حق المسلمين في عُقر دارهم من غزو عدواني وتدمير للمُنشآت وقتل للأبرياء في فلسطين والعراق وأفغانستان وفي أماكن إسلامية أخرى، دون سبب مشروع. فهذه الأعمال التي يُقصد بها إذلال المسلم أو الاستيلاء على أرضه أو نهب ثرواته، لا شك أنها تُثير حماس بعض الشباب وتدفعهم في المقام الأول إلى التشفي والانتقام، وإن كان ذلك غير مقبول مهما حاولوا تبريره. ولكن المؤسف أيضا أن تلك الأعمال الانتقامية غالباً ما تصيب الأبرياء من أبناء الشعوب المغلوبة على أمرها. ومما يزيد الأمر سوءًا، وجود أحزاب وجماعات وطوائف في أغلب البلدان التي تتعرض للاعتداءات الأجنبية، يكون بعضهم عوناً للقوات المعتدية ضد فئات أخرى من الشعوب المنكوبة. وهذا ما يُؤدِّي في بعض الأحوال إلى تعرض المواطنين الأبرياء لنيران وتفجيرات عشوائية مُهلكة، سواء كانوا هم أنفسهم مُستهدفين أو كان وجودهم وقت الحدث في المكان الخطأ، والأمثلة لتلك المواقف موجودة ونشاهدها يومياًّ في العراق وأفغانستان. كان الناس في الماضي القريب يستنكرون التفجيرات التي تحدث في الأسواق المزدحمة وأماكن التجمعات البشرية ويتألمون لمآسي الضحايا، أما اليوم فقد أصبحت شيئا عاديا لا يذكرها إلا القليل من وسائل الإعلام. وفي الختام نقول أليس لليل الإرهاب من نهاية؟! 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي