الاقتصاد اللبناني: نمو عقاري وسياحي ومالي رغم ارتفاع الدَّين العام

الاقتصاد اللبناني: نمو عقاري وسياحي ومالي رغم ارتفاع الدَّين العام

أظهر الاقتصاد اللبناني عشية إقفال نهاية العام 2009 مناعة لافتة في وجه الأزمة المالية العالمية، ودلت المؤشرات على تحسن الأداء العام ونمو جميع المؤسسات الرئيسية للقطاع الاقتصادي، ما دفع صندوق النقد الدولي إلى رفع النمو المتوقع للناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة 7 في المائة للعام الجاري. وقد عزّز تحسن الظروف السياسية المحلية بعد تشكيل حكومة الاتحاد الوطني برئاسة سعد الحريري ،الوضعين المالي والاقتصادي خصوصا مع إطلاق ورشة القوانين المتعلقة بالأسواق المالية وبدء العمل لإصلاح إداري في المؤسسات الرسمية والإدارية .
وفي هذا السياق، تحدثت التقارير الصادرة في الشهر الأخير من السنة عن نمو إيجابي في قطاعات العقار والمصارف والسياحة، وعن انخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي إلى أقل من 160 في المائة.
وذكر تقرير بنك «عودة» الأخير عن تسجيل المكونين الداخلي والخارجي للقطاع الزراعي اللبناني أداء ثابتا فيما أظهرت إحصاءات المجلس الأعلى للجمارك زيادة نسبة الصادرات الزراعية 2.7 في المائة مقارنة بعام 2008. لكن الطلب الخارجي على المنتجات الصناعية بقي منخفضا بسبب تباطؤ النشاط الصناعي في المنطقة، وانخفضت قيمة الصادرات بنسبة 7.3 في المائة في عام 2009 عن العام الماضي بينما تراجع حجمها في السوق الداخلية بنسبة 15.9 في المائة. وظل نشاط القطاع العقاري وحركة البناء في منأى عن انعكاسات الأزمة المالية الدولية التي أصابت بقوة الأسواق العربية. وبالأرقام بيّنت مديرية الشؤون العقارية انخفاض معاملات البيع العقارية بنسبة 30 في المائة في عام 2009 عن العام الماضي وهو تراجع طفيف مقارنة بالهبوط الكبير الذي شهده الطلب العقاري في الأسواق المجاورة، بينما ازدادت المبيعات العقارية للأجانب بنسبة 6.3 في المائة مما يؤكد استمرار اهتمام الأجانب عموما والعرب خصوصا بالسوق العقارية اللبنانية، على الرغم من تراجع القدرة الشرائية جراء الأزمة المالية وهو الأمر الذي عكسه هذا النمو الضعيف للمبيعات العقارية مقارنة بمستواه المسجل في نهاية 2008 حيث بلغ 18.5 في المائة.
وأفادت إحصاءات وزارة السياحة بأن القطاع شهد أداء قياسيا في الأشهر العشرة الماضية حيث ازداد عدد السياح في لبنان بنسبة 46.3 في المائة على أساس سنوي مسجلا بنسبة نمو هي الأعلى في العالم هذه السنة. وكانت مجلة « نيويورك تايمز « صنّفت بيروت كأول مقصد سياحي في العالم ما يؤكد أن لبنان استطاع أن يتحول إلى مركز سياحي عالمي.
على الرغم من أن الوضع المالي وازدياد المديونية العامة يشكلان أكبر مكامن الضعف في الاقتصاد اللبناني، فإن المالية العامة نجحت حتى الآن في تفادي أي تدهور حاد وفي استيعاب اضطرابات مالية خارجية على غرار الأزمة الأخيرة . ذلك أن انخفاض متوسطات أسعار المشتقات النفطية والأوضاع الاقتصادية المحلية المؤاتية في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، ساعد على حدوث تحسن بسيط في أداء المالية العامة تجلى بتراجع مستوى نسبة العجز الإجمالي إلى النفقات الإجمالية من 29.4 في المائة إلى 26.2 في المائة. وزادت الإيرادات العامة الإجمالية أي الموازنة والخزانة بنسبة 24.1 في المائة مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2008. وقد ارتفع الدين العام الإجمالي بقيمة 2.153 مليار دولار حتى أيلول (سبتمبر) الماضي. وبحسب جمعية مصارف لبنان فإن الدين أصبح 49.2 مليار دولار حتى نهاية 2009، وعزت ذلك إلى ارتفاع الدين المحرر بالليرة الذي أصبح 56.6 في المائة من إجمالي الدين العام. وارتفعت حصّة المصارف من هذا الدين إلى 58.5 في المائة في نهاية أيلول (سبتمبر) 2009 في مقابل انخفاض حصّة مصرف لبنان إلى 24.8 في المائة واستقرار حصّة القطاع غير المصرفي إلى 16.7 في المائة.
ونتيجة لذلك واصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي منحاها التراجعي بحيث باتت أدنى من 160 في المائة مقابل 180 في المائة خلال العامين 2007 و 2008. لكن نسبة المديونية تبقى بين النسب الأعلى في العالم وهي تستدعي التنفيذ السريع للإصلاحات المالية البنيوية المتفق عليها بين لبنان والدول المانحة في مؤتمر باريس 3 والرامية إلى خفض المديونية العامة بحسب توصيات صندوق النقد الدولي.
واتسمت الأوضاع النقدية خلال العام الجاري بتحويلات كثيفة إلى العمالة اللبنانية مما أدى إلى انخفاض معدلات الفوائد على سندات الخزانة بالليرة وإلى رفع موجودات مصرف لبنان الخارجية إلى مستوى قياسي. وشهدت سوق القطع موجة تحويلات غير مسبوقة إلى الليرة فكان أن تدخل مصرف لبنان لشراء فوائض السيولة بالعملات الأجنبية ما أتاح له رفع موجوداته الخارجية من 19.7 مليار دولار إلى25.7مليار دولار . وباتت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان توازي 81.4 في المائة من الكتلة النقدية بالليرة. وترتفع هذه النسبة إلى 7.11 في المائة لدى احتساب الاحتياطي من الذهب المقدّر بقيمة 9.4 مليار دولار. وتؤكد هذه المعطيات قدرة مصرف لبنان على صون استقرار سعر الصرف ومواجهة أي طلب على النقد الأجنبي في سوق القطع.

الأكثر قراءة