260 شركة عالمية تتخلف عن سداد سنداتها
في منتصف الشهر الأخير من عام 2009 أغلقت سبعة بنوك أمريكية جديدة، ليصبح عدد البنوك المنهارة، في أكبر اقتصاد في العالم، في العام 140 بنكا. ويعد هذا العام قياسيا في إغلاق البنوك في الاقتصاد الأمريكي، وأيضا في إفلاس مصدري السندات أو التخلف عن سداد المستحقات الواجبة. وقبل نهاية العام، ذكرت واحدة من مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الثلاث الرئيسة أن حجم عمليات الإفلاس والتخلف عن السداد في قطاع الشركات المصدرة للسندات في العالم هذا العام غير مسبوق منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن. ووصل عدد الشركات المصدرة للسندات التي تخلفت عن سدادها عند استحقاقها 260 شركة منذ مطلع العام.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
في منتصف الشهر الأخير من عام 2009 أغلقت سبعة بنوك أمريكية جديدة، ليصبح عدد البنوك المنهارة في أكبر اقتصاد في العالم في العام 140 بنكا. ويعد هذا العام قياسيا في إغلاق البنوك في الاقتصاد الأمريكي، وأيضا في إفلاس مصدري السندات أو التخلف عن سداد المستحقات الواجبة. وقبل نهاية العام، ذكرت واحدة من مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية الثلاث الرئيسة أن حجم عمليات الإفلاس والتخلف عن السداد في قطاع الشركات المصدرة للسندات في العالم هذا العام غير مسبوق منذ نحو ثلاثة عقود من الزمن. ووصل عدد الشركات المصدرة للسندات والتي تخلفت عن سدادها عند استحقاقها 260 شركة منذ مطلع العام وفق تقرير بثته «بي بي سي»، كان أحدثها في الولايات المتحدة في النصف الأول من كانون الأول (ديسمبر). ولبيان دلالة الرقم وأهميته في سياق كون العام عام أعراض الأزمة العالمية الأشد، يشار إلى أن آخر كساد قبل هذا شهده الاقتصاد العالمي كان عام 2001 وبلغ عدد الشركات المتخلفة عن السداد ذاك العام 229 شركة. أما العام الماضي فكان عدد الشركات المماثلة 126 شركة، ما يعني أن أرقام هذا العام تزيد على ضعف العام الماضي.
وفي تقسيم الأرقام، بلغ عدد مصدري السندات ممن تقدم بطلبات حماية من الدائنين لإشهار الإفلاس 70 شركة، وعدد من تحلف عن دفع مستحقات أو فوائد 89 شركة، اما الشركات المتبقية 101 فكانت مشكلتها في تراجع سعر الصرف.
واحتلت الولايات المتحدة المقدمة طبعا كونها أكبر اقتصاد في العالم بإجمالي 188 شركة، تلتها الاقتصادات الصاعدة بعدد 36 شركة، و20 شركة في أوروبا، أما الـ 16 شركة الباقية فكانت من اقتصادات متقدمة اخرى كاليابان وغيرها.
ويعد حجم عمليات الإغلاق والإفلاس مؤشرا صحيا على حركة التصحيح في الاقتصاد العالمي وتلافي التشوهات التي قادت إلى الأزمة فإلى جانب التخلص من الوحدات الاقتصادية الميؤوس من إصلاحها، هناك عامل جانبي آخر في غاية الأهمية وهو أن تلك الاغلاقات والإفلاسات تسهم على المدى الطويل في تقليص فقاعة التضخم المغالى فيه في قيمة الأصول. وكانت تلك المبالغة عاملا أساسيا في انفجار الأزمة المالية العالمية وما صحبها من ركود عميق. ومن شأن تلك التبعات المرة الآن أن تصحيح كثيرا من النظام وتضمن استمراره بقدرته على تصحيح نفسه بنفسه. ومع أن هناك كثيرا من التفاؤل بالعام المقبل أن يكون عام بداية التعافي الحقيقي، إلا أن آثار الأزمة المالية لم تنته بعد، ومن المتوقع أن يشهد عام 2010 مزيدا من إغلاق البنوك ومن إفلاس الشركات. وإذا كانت اغلب التقديرات ترى أن معدل الإغلاق والإفلاس سيكون أقل بدرجة لافتة في العام المقبل عن العام الجاري، فلا يمكن استبعاد أن تكون الأرقام كبيرة أيضا قياسا على أزمات سابقة مر بها الاقتصاد العالمي. ذلك أن «فقاعة» المغالاة في قيمة الأصول لم تفرغ تماما بعد، لذا يتوقع مثلا أن تشهد أسعار العقار انخفاضا جديدا خلال السنة المقبلة، خاصة في الاقتصادات التي لم تهبط فيها الأسعار بشدة كبريطانيا مثلا وربما بعض دول الخليج.
وعلى ذكر دول الخليج، ربما كان عام 2009 من أكثر الأعوام هدوءا لمصدري النفط، فلم تتعرض منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» لانتقادات متتالية من جانب المستهلكين كالعادة.
فقد بدأ العام بانهيار أسعار النفط ليصل سعر البرميل إلى نحو 30 دولارا، بعدما كان وصل إلى نحو 150 دولارا في تموز (يوليو) 2008. لكن التخفيضات التي كانت «أوبك» أعلنتها بنهاية عام 2008، وبلغ إجماليها 4.2 مليون برميل يوميا، بدأت تعيد التوازن إلى معادلة العرض والطلب. وعادت الأسعار لتستقر في نطاق 65 إلى 75 دولارا للبرميل. ومع ذلك، تراجعت عائدات الدول المصدرة للطاقة بشكل لم يمكنها من تجاوز آثار الركود الاقتصادي العالمي بشكل جيد، لكن ظلت تلك الاقتصادات أفضل من غيرها كثيرا فالدول النفطية تأثرت بتراجع العائدات وتدهور أسواقها المالية، واضطرار حكوماتها لضخ أموال كثيرة في مشاريع عامة للحفاظ على النشاط الاقتصادي.
وانعكس ذلك بالطبع على استثمارات تلك الدول في الدول العربية الأخرى، عبر تراجع استثمارات دول الخليج في الأسواق المالية لدول كالأردن ومصر ولبنان وكذلك تراجع تحويلات العاملين من الدول الأخيرة في الخليج. أما أسواق المال الرئيسة في المنطقة فيمكن القول إنها أصيبت بنوبة اضطراب شديدة في وقت حرج من نموها ستؤثر فيها لفترة طويلة. ولا تختلف إدارة أسواق المنطقة للمخاطر عن بقية اسواق العالم، بل ربما يكون حالها أقل صحة. فلانها أسواق ناشئة كانت بحاجة إلى تحصين أكبر من الأدوات والمشتقات المالية غير التقليدية.
وكما بدأ العام باضطراب الأسواق، انتهى بهزة بسبب ديون شركات في دبي تعثرت في سدادها، وبدا القطاع المصرفي والعقاري أكثر تاثرا سلبيا بتلك الأزمة. لكن المثير هو أن تلك المشكلة أثارت مخاوف كبيرة في أرجاء العالم، وذلك لأن بنوكا رئيسية لم تكن كشفت بشكل كامل عن أصولها الرديئة وديونها الخطرة. ويلاحظ هنا أن بنوكا مثل إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد كانت الأكثر تضررا من الانكشاف على ديون الشركات في دبي. ويتوقع حدوث هزات أيضا في عام 2010 كان أهم ملمح اقتصادي للعام الذي نودعه هو استمرار الأعراض السلبية للأزمة المالية العالمية والركود الاقتصادي العميق. وإذا كان العالم انفعل بحدة الأزمة العام الماضي، فإن آثارها استدامت بشكل مزمن في 2009، ولا تزال آثار الانهيار الذي بدأ عام 2007 بإنفجار فقاعة القطاع العقاري ـ في أمريكا والعالم ـ تتوالى رغم ما بدا من أدلة انتعاش مشكوك فيه. ولا يزال الانكماش الائتماني سمة القطاع المالي العالمي، ورغم خطط التحفيز الحكومية التي قاربت ثلاثة تريليون دولار لا يزال الاقراض بين البنوك شبه مجمد وتجد الشركات والأعمال صعوبة في الإقتراض الميسر ما يحد من النشاط الاقتصادي عموما. ورغم أن أغلب الاقتصادات المتقدمة بدأت الخروج من الركود الاقتصادي في النصف الثاني من العام الجاري، إلا أن التوقعات بالنسبة للسنة المقبلة ليست كلها إيجابية تماما. ولعل الاقتصاد البريطاني يظل آخر اقتصاد بين الاقتصادات الراسمالية التقليدية يخرج من الركود تقنيا ـ أي بنمو إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتالين في العام.
ومنذ دخل اقتصاد بريطانيا في الركود في النصف الأول من العام الماضي، انكمش حتى الربع الثالث من هذا العام بنسبة 6 في المائة، ولا يزال ينمو سلبيا. ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الكلي تحسنا معقولا في أساسياته، أي في أرقام نمو الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات التضخم والناتج للقطاعات الرئيسة وغيرها. كما سيستمر الإصلاح في القطاع المالي العالمي وتعاف حذر في القطاعات الأخرى في الاقتصاد العالمي. مع ذلك، يتوقع أن تكون هناك موجات اضطراب، خاصة في النصف الثاني من العام حين تصل خطط الدعم الحكومية الطارئة إلى موعد انتهائها أو تكاد. ولن يكون غريبا أن نشهد تراجعا عن التحسن الواضح الذي بدأ في عام 2009 فيما يخص قيمة الأصول الخطرة.
وتظل التوقعات لعام 2010 تعتمد على مدى قدرة القطاع الخاص على أخذ زمام المبادرة من الحكومات في تنشيط الاقتصاد، خاصة مع حقيقة أن أغلب التحسن الذي حدث كانت نتيجة إجراءات استثنائية من جانب الحكومات.