خريطة طريق مطلوبة لحوار المنتجين والمستهلكين!
في إطار إعدادها لفترة الأشهر الستة التي ستبدأ مطلع تموز (يوليو) ورئاسة مجموعة الثماني الكبرى، استضافت روسيا اجتماعا لوزراء الطاقة والمسؤولين عنها في دول المجموعة يوم الخميس الماضي. الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتزم وضع بصمته على عمل المجموعة من خلال طرح قضية أمن الطاقة لتكون موضوعا رئيسيا أثناء قمة الأيام الثلاثة التي تستضيفها المدينة الثانية في روسيا، سان بيسبيرج، خرج على المجتمعين بعدة نقاط تتضمن عدة أشياء على رأسها تقوية الحوار الدولي بين المنتجين والمستهلكين والدول التي تمر من خلالها إمدادات النفط والغاز، وكذلك التأكيد على أن الوقود الأحفوري سيظل مهما من خلال النصف الأول من هذا القرن على الأقل، الأمر الذي يتطلب متابعة الاهتمام بمصادر الطاقة النابعة عنه ومنتجيه ومستهلكيه.
وعلى هامش اللقاء كان هناك حضور لممثلين من منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك"، ومن كبار المستهلكين خاصة الصين والهند على مستوى الخبراء، وذلك للنظر في عدة قضايا من استقرار الطلب والإمدادات، الوقود البديل، انبعاث الاهتمام بالطاقة النووية، وغيرها.
على أن اجتماع موسكو هذا سادته ظلال لما حدث قبل شهرين وقيام شركة غازبروم، التي تسيطر عليها الحكومة الروسية، وفي عملية مباغتة بوقف صادرات الغاز الذاهبة إلى أوكرانيا وعبرها إلى بعض الدول الأوروبية، وهو الحادث الذي لا تزال روسيا تبذل كل جهد ممكن لنفي آثاره السلبية وتقليل الضرر الذي ألحقه بعزمها البروز كدولة منتجة ومصدرة يمكن الاعتماد عليها لتلبية احتياجات المستهلكين، وهي الصورة التي تحاول رسمها عن نفسها في مقابل منتجي دول العالم الثالث، حيث التقلبات السياسية والسيطرة الحكومية وعدم الاستقرار يضع موضوع أمن الطاقة وإمدادات في قلب النقاش.
ولهذا يرى كثيرون أن الاجتماع الذي دعت إليه روسيا يصب في باب العلاقات العامة ليعيد إنتاج صورة البلاد التي يأمل بوتين في تمتينها وتسويقها مصدرا مأمونا للطاقة، لكن الأوروبيين تحديدا، الذين لا يزال تصرف "غاز بروم" يثيرهم، يريدون أكثر من أحاديث عامة، ويضغطون في اتجاه أن توقع موسكو على اتفاقية تمنع تكرار ما حدث، واعتماد خيار التحكيم لحل النزاعات بديلا عن التصرفات الأحادية، وهي الاتفاقية التي طرحتها أوروبا منذ عام 1994 لتغطي مجالات ضمان الإمدادات، وتحديد أطر للاستثمار، مع ترتيب لأوضاع تجارة المشتقات، وحظيت حتى الآن بتوقيع 51 دولة.
وبعيدا عن هذا الجانب، تبقى خطوة موسكو بجمع مختلف المنتجين والمستهلكين من الأهمية بمكان، وذلك لعدة أسباب. فالاجتماع في النهاية هو للإعداد لقمة الثماني، الأمر الذي يثير شيئا من الأمل أن ينتقل حوار المستهلكين والمنتجين درجة إلى أعلى ليحظى بقدر من الاهتمام السياسي. ثم إن وجود روسيا في المعسكرين، كونها دولة رئيسية في إنتاج وتصدير النفط الخام والغاز وفي الوقت ذاته عضو في نادي الكبار، ما يوفر فرصة للاستمرار في الضغط في هذا الاتجاه، وهو ما لا يتوافر لبقية المنتجين داخل "أوبك"، كونهم في النهاية مصنفين من دول العالم الثالث.
ورغم أن قضايا الطاقة وأمنها تم نقاشها على مستوى قمم السبعة أيام كانت ناديا مغلقا على الدول الغربية الرئيسية، إلا أن المنتجين والمستهلكين لم يكونوا أبدا طرفا في هذه النقاشات، الأمر الذي وسع من فجوة الثقة والتعامل بين الطرفين.
هل تصبح روسيا الجسر الذي يعبر عليه حوار المنتجين والمستهلكين رغم متاعبها المشار إليها؟ المفارقة أن أحد العوامل التي تؤهلها لذلك تزايد السيطرة الحكومية على قطاع الطاقة رغم اللغط الذي أثارته الخطوات التي اتخذها بوتين في هذا الصدد، وعلى رأسها الكيفية التي تعامل بها مع قضية فيكتور خودروكفسكي مؤسس شركة يوكوس التي تم تفكيكها. فبغض النظر عن ذيول هذه القضية، إلا أنها تجعل الحكومة الروسية أكثر عرضة لتقلبات السوق النفطية، وبالتالي أكثر تفهما لحاجيات الدول المنتجة في "أوبك" وغيرها، حيث الصناعة النفطية تحت سيطرة الدولة.
إن الطريق لا يزال طويلا أمام حوار جدي بين المنتجين والمستهلكين، ولقاء موسكو هذا يمكن أن يضيف لبنة إلى محاولات متناثرة هنا وهناك وتغطي ميادين عدة من توفير البيانات وتناول قضايا الإمدادات والطلب، الاستثمار، السعر العادل، وغيرها. وربما يكون المطلوب أن تتجه الجهود إلى تجميع هذه الأنشطة المتناثرة فيما يمكن أن يطلق عليه خريطة طريق تضيف كل مرة لبنة جديدة في إطار طرفي المعادلة بهموم واحتياجات كل طرف، إلى جانب ضخ الإرادة السياسية في كل منحنى، حتى وإن تطلب الأمر البدء بالتخطيط لقمة بين قيادات منتجي الطاقة ومستخدميها. وقد يساعد في هذا أن "أوبك" اعتمدت لها استراتيجية بعيدة الأمد، كما أن أوروبا على طريق اعتماد استراتيجية للطاقة، ولو أنها لا تزال تحت النقاش. لكن توافر خطط طويلة الأمد ولو من بعض اللاعبين الرئيسيين يشكل إضافة يمكن أن تصب لصالح حوار المنتجين والمستهلكين على المدى البعيد.