الشيخ البراك: كل ما يقع في القلب معارضا للحق أو مشككا فيه من وساوس الشيطان
يعاني بعض الناس الوسوسة والخضوع لبعض ما يخطر على باله من وساوس وتجده وهو جالس في المسجد سارحا بخياله يحدث نفسه ويخاطبها ومرة يضحك وأخرى غير ذلك, وربما استمر على ذلك طوال اليوم كاملا، كممارسة خاطئة استمرأها, وحول ذلك يؤكد الشيخ الدكتور عبد الرحمن البراك الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كل ما يقع في القلب مما يعارض الحق أو يشكك فيه، أو يزين المعصية، فمن وساوس الشيطان قال الله تعالى: (يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس: 57)، فبين سبحانه وتعالى أن هذا القرآن شفاء لما في الصدور من وساوس الشيطان وما يتولد عنها من شكوك وأوهام وخيالات وشهوات، ومن هذا الشفاء أن بين لنا سبحانه عداوة الشيطان وما يريده بنا وما يريده منّا، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6)، (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 21)،.
وأوضح فضيلته أن من شفاء القرآن لما في الصدور من الوساوس الاستعاذة بالله واللجوء إليه سبحانه، ودعاؤه بطلب العصمة من شر الشيطان، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُو السَمِيع العَلِيم) (فصلت: 36)، ونزغ الشيطان يكون بتزيين الباطل وتكريه الحق، فمن وفقه الله لجأ إليه سبحانه، واحتمى بحماه من شر هذا العدو، والله تعالى سميع الدعاء، قريب مجيب، يجيب دعوة الداع إذا دعاه، وهو العليم بأحوال عباده، وبما في نفوسهم، (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران: 119)، وقد ذكر الله عبده المستعيذ به بهذين الاسمين: السميع، العليم، ليقوى رجاؤه لربه في حصول ما يرجوه من العصمة والسلامة من نزغات الشيطان.
وأشار فضيلته إلى أن أنفع التعويذات من الشيطان: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ..) إلى آخر السورة، ومن رحمة الله بعبده المؤمن وتيسيره أنه لا يؤاخذه ولا يحاسبه على الخواطر السيئة والوساوس، وإن كانت من أقبح الوساوس، ما دام المؤمن لا يصدقها، بل يبغضها ويكرهها، وقد كان شيء من ذلك حصل لبعض الصحابة ـ رضي الله عنهم، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه، قال: جاء ناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: «وقد وجدتموه»؟ قالوا: نعم. قال: «ذاك صريح الإيمان»، وفي رواية قال الرجل: يا رسول الله إني أحدث نفسي بالحديث لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أتكلم به، وفي حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا رسول الله إني أحدث نفسي بالشيء لأن أخر من السماء أحب إلى من أن أتكلم به. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة»؛ أي كيد الشيطان، ومعنى ذلك أن الشيطان إذا عجز عن صد المسلم عن دينه صار يلقي الوساوس فتؤذي صاحب الإيمان، وتسبب له القلق، خصوصاً إذا كان يجهل أنها لا تضره ولا تقدح في إيمانه، فيخشى على إيمانه ويقلق لذلك، كما حصل لذلك الصحابي، فطمأنه النبي ـ صلى الله عليه وسلم، بل قال له: (ذلك صريح الإيمان)، يعني بغضه وكراهته لذلك الوسواس من الإيمان، ودال على صدق الإيمان.
وقد أرشد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ابتلي بهذه الوساوس أن يستعيذ بالله ويعرض عن التفكير فيما يلقيه الشيطان، قال ـ صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته»؛ أي ليقطع التفكير ويعرض، وجاء في رواية: «فليقل: آمنت بالله وبرسله»، فهذا علاج نبوي شاف بإذن الله.