نيجيريا تتحوّل إلى عنصر عدم استقرار للسوق النفطية

نيجيريا تتحوّل إلى عنصر عدم استقرار للسوق النفطية

تتجه نيجيريا إلى أن تصبح عنصرا يؤثر في تحركات أسعار النفط على المدى القريب بسبب تصاعد التوتر السياسي فيها، وهو وضع مرشح للاستمرار بسبب الانتخابات العامة المقرر إجراؤها العام المقبل، وأدى إلى فقدانها نحو عشرة ملايين برميل من النفط حتى الآن.
فنيجيريا، بإنتاجها النفطي البالغ مليونين ونصف المليون برميل يوميا، تعتبر أكبر الدول الإفريقية إنتاجا للنفط وتحتل المرتبة الثامنة في قائمة المنتجين على نطاق العالم، وهي خامس مصدر للنفط إلى السوق الأمريكية، ولهذا فإن ما يجري فيها أصبح من العوامل التي تؤثر في حركة الأسعار، خاصة بعد التصاعد الأخير في عمليات خطف العاملين الأجانب في الصناعة، وهي عمليات حققت نقلة نوعية من كونها مجرد عملية عنف لتحقيق مقايضة للحصول على منافع مادية إلى رفع للسقف ورسم مطالب سياسية تخص منطقة حوض دلتا النيجر التي يضخ منها معظم النفط النيجيري.
وتوقع القائد العسكري لهذه المنطقة العميد إلياس زماني، الذي عين لتحقيق الأمن في هذه المنطقة إثر انتخابات عام 2003، التي جاءت بالرئيس أوليسيجون أوباسانجو إلى السلطة وأنهت 15 عاما من الحكم العسكري، أن يتصاعد العنف في فترة الاستعداد للانتخابات كوسيلة لجذب الأنظار وتحقيق بعض المطالب، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى خفض حجم الإنتاج النفطي النيجيري. ويذكر أنه في تلك الانتخابات حدثت مواجهات عنيفة أدت إلى مقتل 12 رجل بوليس بواسطة بعض هذه المجموعات المسلحة، وقامت القوات الحكومية بالرد العنيف الذي نجم عنه مقتل نحو ألف شخص وفق تقديرات لبعض جماعات حقوق الإنسان.
وإلى جانب التنافس الانتخابي المحموم والمعروف الذي يمكن أن يتخذ له بعدا دمويا، فإن منطقة الدلتا تتميز بظرف خاص، إذ تنتج معظم النفط في الوقت الذي يشعر فيها ساكنوها بأنهم مهمشون، وبالتالي يتصاعد عداؤهم للحكومة المركزية.
قبيلة أيجاو التي تشكل غالبية السكان في منطقة دلتا النيجر البالغ عددهم 20 مليون نسمة وتتمدد على مساحة 70 ألف كيلو متر مربع، يعتقدون أنهم لم يحصلوا على نصيبهم من الثروة النفطية من منطقتهم التي تقطعها العديد من الأنهار، إلى جانب أنه ليس حضور سياسي في أبوجا، حيث السلطة. ويلخصون الوضع بقولهم: نريد أن نثبت أن نفطنا وأرضنا لا يمكن أخذهما دون رضانا، ولهذا أصبحت منطقة الدلتا تشكل بيئة معادية وتنبع منها مجموعات مسلحة ومناوئة تتبع لقيادات سياسية وأصحاب نفوذ يسعون جهدهم للتأثير على الأوضاع، وأصبحوا كذلك يستخدمون كل ما يقع تحت أيديهم، خاصة عبر عمليات شحنات النفط المسروقة لتعزيز أوضاعهم العسكرية، وصار وجود الصواريخ والقوارب السريعة أمرا عاديا لهذه المجموعات وذلك في الوقت الذي لا تستطيع فيه القوات الحكومية مثل تلك التي يقودها العميد زماني المجاراة، بل إنها لا تخطط لزيادة عدد فرق الحراسة على المرافق النفطية ـ كما يقول العميد زماني لصحيفة "فاينانشيال تايمز". وتشير بعض التقديرات إلى أن 10 في المائة من الإنتاج النفطي النيجيري يضيع بسبب السرقات وأعمال النهب.
على أن الأهم في كل هذا البعد السياسي لهذا العنف، خاصة بعد بروز ما أصبح يعرف بحركة تحرير إقليم دلتا النيجر، التي أثبتت قدرات عسكرية ومقدرات على مباغتة القوات الحكومية. وفي إحدى العمليات خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، استخدمت الحركة قوارب سريعة تجنبت بها الأماكن التي توجد فيها القوات النظامية التي تحرس أحد المرافق التابعة لشركة رويال دتش شل على بعد ستة أميال من الشاطئ، ووصلت إلى منطقة تموين لتختطف العاملين فيها التابعين لـ "شل".
وإلى جانب الإعلان عن رغبتها في تركيع الصناعة النفطية والبداية بخفض الإنتاج بمقدار الثلث، بدلا من الهدف القديم بالحصول على فدية مالية فقط يتم التفاوض حولها من وراء ستار حتى مع المسؤولين الحكوميين أحيانا، فإن الحركة أصبحت تستخدم الأهداف السهلة للصناعة النفطية لجني مكاسب سياسية، مثل طلب إطلاق سراح بعض محاربيها أمثال المجاهد دوكوبو أساري الذي قاد هجوما قبليا قبل عامين مطالبا بالمزيد من الموارد والسلطة للإقليم. وكان هجومه ذاك من بين أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت أسعار النفط إلى تخطي حاجز 50 دولارا للبرميل. ومع أن الموضوع تمت تسويته إثر اجتماع مع الرئيس أوباسانجو، إلا أن ذلك المجاهد اعتقل في أيلول (سبتمبر) الماضي بعد إعلانه الصريح أن هدفه هو الاستقلال بالإقليم ومن ثم تفتيت وحدة البلاد، التي تعتبر أكبر الأقطار الإفريقية كثافة بعدد سكانها البالغ عددهم 126 مليون نسمة.
وأعدت "شل" دراسة عام 2003 أشارت إلى تدفق الأسلحة إلى المنطقة التي تعمل فيها، مقترحة أن تنظر الشركة في أمر الخروج في عام 2008 من مناطق الإنتاج على اليابسة.
ويرى مراقبون أن هذه المطالبات حصلت على دعم معنوي كبير بقرار إحدى المحاكم في أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي يطلب فيه من الكونسورتيوم النفطي الذي تقوده "شل" دفع مبلغ مليار ونصف المليار دولار للمجموعات المحلية في الجنوب تعويضا للتلوث الذي لحق بالبيئة هناك وإفقار منطقة الدلتا. والكونسورتيوم الذي يضم "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية يعتزم استئناف الحكم، لكن القاضي يرى أن على المجموعة دفع المبلغ الذي أقره البرلمان قبل عامين، ويعتبر هذا أحد مطالب المجموعات المعارضة التي تتخذ أسلوب خطف العاملين إحدى وسائلها.
من ناحية أخرى، فإن الدلتا يمكن أن تصبح أحد المؤشرات على حدوث سباق على مناطق النفوذ بين القادمين الجدد إلى السوق النفطية مثل الصين وقدامى المستهلكين. فقد انتقد أتيكو أبوبكر نائب رئيس الجمهورية النيجيري في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" في 27/2/2006، واشنطن على تلكؤها في الاستجابة إلى طلب أبوجا المساعدة في توفير الأمن والدفاع عن منطقة الدلتا، الأمر الذي دفع بالمسؤولين النيجيريين إلى النظر في خيارات أخرى مثل اللجوء إلى الصين لتوفير بعض الإمدادات العسكرية مثل القوارب السريعة، حيث تحتاج تلك المنطقة إلى نحو 200 قارب يمكن الحصول عليها من الصين.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي كان يؤمل فيه أن تتصاعد نيجيريا بإنتاجها النفطي إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا هذا العام، ثم بإضافة مليون آخر بحلول عام 2010 ليصبح الإنتاج اليومي في حدود أربعة ملايين برميل.
وكانت شركة النفط الوطنية النيجيرية قد أعلنت قبل أكثر من عام عن خطط لإنفاق سبعة مليارات دولار للاستكشاف والتطوير وزيادة الطاقة الإنتاجية. وفي الوقت ذاته تعمل نيجيريا على زيادة حجم الاحتياطي الموجود لديها من 35.2 مليار برميل إلى 40 مليارا بنهاية العقد الأول من هذا القرن.
ويتضح حجم المعضلة السياسية بمعرفة أن معظم هذا الاحتياطي يوجد في منطقة الدلتا. كذلك فإن معظم النفط المنتج حاليا يتم استخراجه من 250 حقلا صغيرا يحتوي على واحد على مخزون في حدود 50 مليون برميل، إلى جانب 200 حقل آخر تضم احتياطيات غير معروفة.
وللحكومة وسيلتان لتمويل الصناعة النفطية، إما عن طريق المشاريع المشتركة مع شركات أجنبية وإما من خلال اتفاقيات قسمة الإنتاج. والنوع الأول يغطي 95 في المائة من الإنتاج النيجيري، ولشركة "شل" النصيب الأكبر، إذ عن طريقه تنتج تقريبا 1.1 مليون برميل يوميا أو قرابة نصف الإنتاج، تليها "إكسون" بإنتاج 570 ألفا.
وتتراوح خصائص الخام النيجيري بين 21 و45 درجة وفق مقياس معهد البترول الأمريكي، ولهذا فهو يعتبر خاما خفيفا ويقل فيه المحتوى الكبريتي، على أن الصادرات الرئيسية تتمثل في خامي بوني وفوركادو، كما أن نحو ثلثي الصادرات من النفوط الخفيفة. وتتجه معظم الصادرات النفطية النيجيرية عبر المرافق الستة الرئيسية إلى السوق الأمريكية والأوروبية تحديدا مع تزايد في نسبة ما أصبح يتجه إلى السوق الآسيوية، لكن أخيرا أعلن أوباسانجو عن رغبته في أن تتمكن نيجيريا من توفير 15 في المائة من كميات النفط المستورد إلى السوق الأمريكية.
وظلت الشركات الأجنبية تضغط على نيجيريا من أجل تجاوز القيود التي تضعها عليها منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" بخصوص الحصص الإنتاجية حتى يمكنها التصاعد بأرقام الإنتاج، الأمر الذي أصبح مثار تكهنات بأن نيجيريا على وشك التخلي عن عضويتها في المنظمة الدولية. وفي آب (أغسطس) 2004 تم تكوين لجنة مشتركة بين الرابطة النيجيرية لمستكشفي النفط والرابطة الأمريكية للجيولوجيين الفيزيائيين للبحث في الموضوع وإيجاد بدائل لتفادي موضوع حصص "أوبك".
وتمثل المياه العميقة مجالا لتوسيع القدرات الإنتاجية، وهناك خطط للشركات الأجنبية العمل في بعض الحقول مثل حقل بونقا التابع لشركة "شل"، ويتوقع أن يكون فيه احتياطي في حدود 1.2 مليار برميل ويخطط لاستثمار مبلغ 2.7 مليار دولار فيه لتطويره. وتخطط "شل" لإنفاق تسعة مليارات دولار في مشاريع للنفط والغاز خلال فترة خمس سنوات.
كما تجري محاولات لتنسيق عمليات الاستشكاف والحفر النفطي في المناطق المشتركة بين نيجيريا وساوتومي وبرنسيب. وكانا قد اتفقا في مطلع العام الماضي على طرح عروض على الشركات الراغبة، حيث تقدمت بالفعل 26 شركة أجنبية بعروضها للعمل في المنطقة التي يعتقد أنها تضم احتياطيا يبلغ 11 مليار برميل، وقد تتمكن من إنتاج مليونين أو ثلاثة ملايين برميل في غضون عامين أو ثلاثة، متى ما تحقق قدر من الاستقرار السياسي.

الأكثر قراءة