«اليوان» يخفت في القمة الأمريكية - الصينية.. و«الحمائية» تحضر

«اليوان» يخفت في القمة الأمريكية - الصينية.. و«الحمائية» تحضر

على عكس ما كان متوقعا في الأوساط المالية والاقتصادية العالمية، لم تحظ قيمة اليوان الصيني باهتمام كبير في قمتي الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الصيني جيتاو التي انعقدت في بكين أمس. وتتهم واشنطن اليوان بأنه مقوم بأقل من قيمته وهو ما يحد من القدرة على منافسة السلع الصينية في الأسواق الخارجية باعتبارها تباع بأسعار متدنية استنادا إلى قيمة عملتها.
وتم العروج على اليوان في القمة بشكل عاجل، إذ حث الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمس نظيره الصيني هو جين تاو على السماح للعملة الصينية بالارتفاع وذلك خلال قمة اتفقا خلالها على العمل من أجل تخفيف حدة التوترات التجارية والاقتصادية بين الدولتين.
ولم يشر هو إلى اليوان أو السياسة الخاصة بالعملة الصينية أو الدولار في تصريحات عقب اجتماعه مع أوباما في بكين. إلا أن أوباما أشار بصورة عابرة إلى مسألة أثارت تراشقات حادة بين المسؤولين الأمريكيين والصينيين خلال الأيام الماضية في ظل قول واشنطن إن انخفاض قيمة العملة الصينية يذكي الاختلالات الاقتصادية على المستوى العالمي. وقد ربطت الصين عملتها اليوان بالدولار فعليا منذ منتصف العام الماضي. وقال أوباما «سعدت بملاحظة التزام الصين خلال البيانات التي صدرت خلال الفترة الماضية بشأن التحرك نحو سعر صرف أكثر ارتباطا بالسوق بمرور الوقت». وأضاف «أكدت خلال مناقشاتنا - مثلما فعل آخرون في المنطقة - على أن عمل ذلك وفقا للعوامل الاقتصادية الأساسية سيسهم بصورة فعالية في الجهود الرامية إلى إعادة تحقيق التوازن العالمي».
وقد يشعر المستثمرون، الذين يراهنون على أن اليوان سيرتفع قريبا، بخية أمل إذ من المرجح أن تبقي بكين على الربط المحكم لعملتها على الأقل حتى منتصف عام 2010 وذلك من أجل تعزيز الاقتصاد الصيني. وفي الوقت ذاته فإن الضغوط الأمريكية على الصين تجعل من الصعب عليها التحرك إذ إن البعض قد يعد ذلك إذعانا لمطالب واشنطن.
وقال الرئيس الصيني إن الجانبين يريان بوادر على انتعاش الاقتصاد العالمي إلا أنه أشار إلى أن الطريق أمام ذلك لا يزال طويلا. وفي بيان مشترك صدر عقب القمة قال الرئيسان إنهما «عازمان على العمل سويا من أجل تحقيق نمو اقتصادي عالمي أكثر استدامة واتزانا» وذلك في تأكيد لموقف مجموعة العشرين بشأن القضاء على الاختلالات الخطيرة.
وقال هو إن المحادثات جرت «بشكل جيد للغاية» وإن بكين وواشنطن ستواصلان إجراء «مشاورات على قدم المساواة لمواجهة الخلافات الاقتصادية والتجارية بصورة جيدة». وقال «أكدت للرئيس أوباما أنه بموجب الظروف الحالية فإن البلدين في حاجة إلى معارضة ورفض سياسة الحماية التجارية بجميع صورها بشكل أكثر قوة»، وذلك في إشارة ضمنية لشعور الصين بخيبة الأمل بشأن الإجراءات الأمريكية الأخيرة ضد البضائع الصينية.
وتوثقت العلاقات التجارية منذ انفتاح الصين على العالم وإجرائها إصلاحات في السوق أواخر سبعينيات القرن الماضي عقب عقود من العزلة في ظل النظام الشيوعي. إلا أن ذلك أدى إلى ظهور التوترات بسبب الفائض الكبير لدى الصين. وبلغت قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة 337.8 مليار دولار في عام 2008 مقارنة بالصادرات الأمريكية إلى الصين التي بلغت قيمتها 69.7 مليار دولار.
وذكرت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) نقلا عن مسؤولين في القمة العالمية للأمن الغذائي أن الصين طالبت البلدان المتقدمة بإلغاء الدعم الزراعي وبأن تسمح للدول النامية بحرية دخول أكبر إلى أسواقها.
وتعد الزراعة أحد نقاط الخلاف الكبيرة في المباحثات التجارية في إطار جولة الدوحة لتحرير التجارة العالمية إذ تسعى البلدان المتقدمة للحصول على حرية دخول أكبر لأسواق الدول النامية في حين تتصاعد انتقادات الدول النامية للدعم الزراعي في الدول المتقدمة. ونقلت الوكالة عن هوي ليانج يوي نائب رئيس مجلس الدولة الصيني قوله في الكلمة التي ألقاها أمام القمة التي افتتحت أعمالها أمس في روما «على جميع البلدان المشاركة أن تتحد في معارضة الحماية التجارية بجميع أشكالها ومظاهرها وأن تدعم التوصل إلى نتيجة إيجابية لمباحثات جولة الدوحة».
وتستضيف القمة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة. وحث هوي البلدان المتقدمة على تقليص الدعم الزراعي وأن تزيل الحواجز التجارية وأن تسمح للدول النامية بحرية دخول أكبر إلى أسواقها. وطالب الدول المتقدمة والمنظمات الدولية بتوفير مساعدات مالية وفنية ومساعدات تتعلق بزيادة طاقة الأسواق للدول النامية.
ووفقا للتقرير الذي نشرته (شينخوا) فإن هوي أكد مجددا على هدف الصين الراسخ والمتمثل في المزيد من الاستثمار في الزراعة وزيادة إنتاج الغذاء وزيادة اكتفائها الذاتي بهدف التغلب على «الضغط المزدوج للأزمة المالية العالمية ولأزمة غذاء عالمية». من جهة أخرى، قال بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (المركزي الأمريكي) أمس إن المجلس يتابع عن كثب تراجع قيمة الدولار وإن المجلس ملتزم بنمو الوظائف واستقرار الأسعار على السواء. لكنه قال إنه توجد عوامل أخرى تساعد على كبح التضخم في الولايات المتحدة. وأشار إلى أنه من المرجح أن يبقي مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة منخفضة بصورة استثنائية «لفترة ممتدة».
وفي تعليق نادر عن قيمة الدولار، ربط برنانكي بين ضعفه الحالي ومخاطر التضخم. وقال، في تعليقات أعدت للإدلاء بها في نادي نيويورك الاقتصادي «نحن منتبهون لمضاعفات التغيرات في قيمة الدولار وسنواصل صياغة سياسة للوقاية من المخاطر على تفويضنا المزدوج لتعزيز أقصى قدر من التوظيف واستقرار السعر على السواء».
ويختلف مسؤولو مجلس الاحتياطي في العادة مع وزير الخزانة بشأن قضايا تتعلق بقيمة الدولار لكن برنانكي أشار إلى أن التراجع الحديث في العملة كان عاملا يساعد على دفع أسعار السلع لأعلى، لكن برنانكي قال إن المستوى المرتفع للركود في الاقتصاد واستقرار توقعات التضخم على مدى أطول ينبغي أن يبقي ضغوط الأسعار تحت السيطرة. على صعيد ذي صلة، قال العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس كان، أمس، إن حتمية تحقيق المزيد من الاستقرار في أسواق العملات تعني أن العالم لن يعتمد بعد الآن على عملة واحدة كما هو الحال منذ انتهاء العمل بقاعدة الذهب. وكرر ستراوس كان وجهة نظره بأن عملة عالمية جديدة قد تتبلور من حقوق السحب الخاصة وهي وحدة حسابية تابعة للصندوق.
وقال عن استبدال الدولار في نهاية المطاف «ستكون على الأرجح سلة (عملات).
في عصر العولمة ليست هناك حلول محلية». وفي وقت لاحق كرر ستراوس كان، في مؤتمر صحافي، أن الصين في حاجة إلى يوان أقوى في إطار حزمة من السياسات للمساعدة في إعادة التوازن لاقتصادها من خلال تشجيع الطلب المحلي.
وأبقت الصين على تقويم اليوان بسعر 6.83 للدولار منذ تموز (يوليو) 2008 بعد زيادة بنسبة 21 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية لمساعدة صادراتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية.
وأضاف ستراوس كان «نعتقد بقوة في الصندوق أن اليوان مقوم بأقل من قيمته وهذا ليس في صالح الاقتصاد العالمي فقط ولكن من مصلحة الصين أن تعيد تقويم عملتها». وقال ستراوس كان «إن العملة المقومة بأقل من قيمتها تسبب تشوهات اقتصادية يمكن أن تعود ببعض المنافع لكن على حساب جوانب أخرى من الاقتصاد». وتابع «بالتالي تتمتع الصين بميزة اقتصادية لكن بالأسعار الخطأ مما يؤدي إلى قرارات خاطئة بشأن الاستثمار في الآجل الطويل. حان الوقت.. أن تتطلع الصين إلى الاستثمارات والاستقرار في الأمد الطويل.. وعبر ستراوس كان عن مخاوفه من أن الإرادة السياسية اللازمة لإصلاح النظام النقدي العالمي ستخبو إذا ما تلاشت المؤشرات الواضحة على الأزمة الاقتصادية في غضون عام. وأضاف أن القوة الدافعة وراء التعاون فترت بالفعل بصورة ما بعد ستة أشهر من اتفاق قمة مجموعة العشرين في لندن على الحاجة إلى التغيير لضمان المزيد من الاستقرار في النظام المالي العالمي.

الأكثر قراءة