خطوة الرياض تهز علامات قياس الذهب الأسود على الصعيد العالمي

خطوة الرياض تهز علامات قياس الذهب الأسود على الصعيد العالمي

ما سعر النفط؟ كانت تتولى الإجابة عن هذا السؤال على مدى عدة سنوات واحدة من الأداتين الرئيستين لقياس سعر النفط، وهما خام برنت الأوروبي، وخام غرب تكساس في الولايات المتحدة، حيث إن ما يصل إلى ثلاثة أرباع كميات النفط الفعلية العالمية تستخدم هاتين الأداتين لقياس سعر النفط.
الحقيقة أنهما يمثلان جزءاً صغيراً فقط من مئات الخامات النفطية التي يتم تداولها عالمياً. ويورد كتيب سوق النفط الخام الدولية الصادر عن Petroleum Intelligence Weekly، نحو 200 خام مختلف من كوتوبو إلى بابوانيو غينيا، وإلى كانوليمون في كولومبيا.
وبينما يهيمن خاما غرب تكساس، وبرنت على الساحة، فإن قرار السعودية بإسقاط خام تكساس كعلامة قياس لتسعير الصادرات الموجهة إلى الولايات المتحدة، واستبداله بمؤشر أرجوس سَوَر، وهو المؤشر الذي يحدد سعر النفط الخام المستخرج في خليج المكسيك، عمل على هز تفوق وسيادة علامات القياس السعري التقليدية، الأمر الذي يفتح الباب أمام علامات قياس جديدة لأسعار النفط الخام.
ويقول فيليب فيرلجر، خبير اقتصاديات الطاقة في جامعة جالاري «إن التحرك السعودي مؤشر على أن من المحتمل أن هذه الصناعة تبحث عن علامات قياس أخرى. وهو يفيد بأنه قد يحين الوقت لإيجاد أداة قياس جديدة لأسعار النفط الخام».
وتعود بدايات سيطرة العلامتين المهيمنتين على تسعير النفط إلى منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وذلك حين توقفت السعودية عن تحديد سعر نفط صادراتها الرئيسي، وهو النفط العربي الخفيف، وإطلاق أول عقود نفطية مستقبلية في بورصة نيويورك التجارية في عام 1983.
وأصبح نفط برنت هو أداة تسعير نحو نصف تدفقات الكميات الفعلية من النفط العالمي، حيث هيمن على الأسواق الأوروبية، والإفريقية. وأما خام غرب تكساس، فهو مؤشر لتسعير نحو ربع النفط العالمي، حيث إن خام تكساس هو في مقام الملك في الأمريكتين، بينما يستخدم مؤشر دبي - عمان كمؤشر تسعير لبقية النفط، ولا سيما الأسواق الآسيوية.
إن الشكوى الرئيسية من خام غرب تكساس تقوم على أنه يتم تسليمه في كشنغ في ولاية أوكلاهوما، وهي مركز بري لخطوط نقل النفط، وللنفط، بعيد بمئات الأميال عن موانئ النفط على شاطئ خليج أمريكا. وحين أصبحت الخزانات في كشنغ مليئة بإمدادات قياسية من النفط في أوائل العام، أصبح نفط غرب تكساس مفصولاً عن النفوط في الأماكن الأخرى، الأمر الذي جعل التسعير مصدر صداع للسعوديين، ولكثير من منتجي النفط الآخرين.
إن من الأمور التي تجعل مؤشر نفط خليج المكسيك مفضلاً هو أن خامي غرب تكساس، وبرنت، يزدادان بعداً في خصائصهما بصورة مستمرة عن الخامات التي يتم تكريرها في المصافي الأمريكية، والأوروبية، حيث إن كلاً منهما يصنف في عداد النفوط «الحلوة»، الأمر الذي يعني أنهما يحتويان على كميات قليلة من الكبريت الذي يجعل رائحة النفط أقرب إلى رائحة البيض الفاسد. كما أنهما من النفوط «الخفيفة»، أو الأقل كثافة، والأسهل من حيث صبها في ناقلات النفط، أو خطوط نقله.
وإن النفوط الحامضة التي تشكل نفط خليج المكسيك هي أقرب إلى ما تتطلبه المصافي من نفوط خلال السنوات الأخيرة. وإن مصافي النفط الأمريكية التي تجتذبها حسومات الأسعار على النفوط ذات المحتوى الأعلى من الكبريت، استثمرت أموالاً كثيرة في المعدات اللازمة لتحويل تلك النفوط إلى مشتقات نفطية مقبولة. وارتفعت المحتويات الكبريتية في النفوط الداخلة إلى المصافي إلى معدل 1.5 في المائة في العام الماضي، أي بزيادة 66 في المائة عن معدل عام 1985 الذي كان 0.9 في المائة. وتبلغ نسبة الكبريت في خام غرب تكساس نحو 0.24 في المائة فقط. وتحولت المصافي كذلك باتجاه نفوط أثقل شكلت نحو 75 في المائة من واردات الولايات المتحدة من النفط الخام في العام الماضي، مقابل 60 في المائة في عام 1985.
وسوف يستمر نفط غرب تكساس في لعب دور رئيسي على الرغم من التحول السعودي إلى خام خليج المكسيك كمؤشر للأسعار. ويعود ذلك جزئياً إلى وجود سوق مشتقات نايمكس لمشتقات نفط غرب تكساس. كما أن أسعار المؤشر الحامض للخامات المسماة بالأسماء اللامعة البراقة. المريخ، وبوسيدون، وكانيون الأخضر الجنوبي، التي تستخرج من خليج أمريكا، مرتبطة كذلك بنفط غرب تكساس.
مع ذلك، فإن هذا التحول السعودي يمثل ضربة كبرى لادعاء خام غرب تكساس بأنه أهم علامات قياس في العالم لأسعار النفط، كما أنه يقدم كذلك الفرصة النادرة لبروز مؤشر قياس جديد. ويقول بسام فتوح، مدير برنامج النفط في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن لدى مؤشر نفط خليج المكسيك فرصة أفضل لكي يصبح علامة قياس بمرور الوقت لأن لديه داعمين حيويين هم المملكة العربية السعودية، ومصافي النفط في الولايات المتحدة. ويضيف فتوح «لم تحظ المحاولات السابقة لإيجاد علامة قياس جديدة بدرجة الدعم ذاتها من جانب السوق الفعلية».
ويضيف إلى ذلك دافيد كيرش، من الشركة الاستشارية، PFC Energy، في مدينة كنساس «أن قبول الزبائن لقاعدة التسعير الجديدة هذه سيطلق اهتماماً عاماً في عقود نفط خليج المكسيك»، كما يتوقع أن «الدول المصدرة للنفط، على غرار البرازيل، وكندا، وفنزويلا، وربما المكسيك في الأجل الأطول، يمكن أن تتحول كذلك من مؤشر نفط غرب تكساس إلى مؤشر نفط خليج المكسيك.
لقد أدى تحرك السعودية هذا إلى تشجيع نايمكس على محاولة إجراء العقود المستقبلية للنفوط الحامضة، بعد فشل المحاولات الأربع السابقة بهذا الخصوص. وقال كريغ دونوهوي، الرئيس التنفيذي لمجموعة CME، وهي المجموعة الأم لنايمكس، في الأسبوع الماضي، «هذا أمر لم تكن تتوقعه الأسواق، وهو كذلك أمر كنا نتوقعه نحن منذ بعض الوقت».
ورحبت بورصة دبي التجارية المملوكة جزئيا من جانب CME التي صارعت في سبيل إغراء كثير من تجار النفط للتعامل بنفطها الخاص، في العقود المستقبلية لنفط عمان الحامض، في الأمس، بهذا التحرك من جانب السعودية، ووصفت مؤشر نفط خليج المكسيك بأنه «علامة قياس أكثر تمثيلاً بالنسبة إلى الزبائن».
ويقول باول هورسنل، رئيس أبحاث السلع في باركليز كابيتال في لندن، إن بروز مشتقات مؤشر نفط خليج المكسيك سيكون أمراً حيوياً «وإن العقود المستقبلية القائمة على النفوط الحامضة لخليج أمريكا أثبت أنها مدعاة للمشاكل بصورة كبيرة». وإن التحدي الرئيسي مرتبط بانقطاعات الإنتاج الناجمة عن الأعاصير، كما يقول المحللون. إن الميزة الكبرى في نفط غرب تكساس هي السيولة، وهي الحقيقة التي تجعل تجار النفط، والمضاربين يعتبرونه مكان التجمع للتأمين ضد تغير الأسعار، أو المراهنة عليه. ولكن إذا ابتعد التجار الفعليون عنه «فما الذي سيحدث للصناعة المالية»، كما يتساءل فيرلجر. ورغم ذلك، فإن السيولة تميل إلى توليد المزيد من السيولة في الأسواق، الأمر الذي يجعل من المحتمل أن يستعيد خام غرب تكساس مكانته كعلامة قياس لأسعار النفط.

المصدر: «فاينانشيال تايمز»

الأكثر قراءة