الرياض تعتبر الذهب الأسود سلعة ملموسة وليس لعبة من الأوراق المالية

الرياض تعتبر الذهب الأسود سلعة ملموسة وليس لعبة من الأوراق المالية

بالنسبة للمملكة العربية السعودية فإن نظرتها إلى التعامل مع الذهب الأسود الذي يتدفق من الأراضي السعودية هي نظرة فلسفية ترى أن النفط ينبغي أن يعامَل على أنه سلعة ملموسة مادية، وليس لعبة من الأوراق المالية يلعبها المتداولون في ''وول ستريت'' في سعيهم للتحوط ضد الدولار الضعيف. هذا النوع من التفكير يقع في قلب القرار الذي اتخذته السعودية في الأسبوع الماضي بفك ارتباطها الذي طال عليه الأمد مع خام غرب تكساس المتوسط، وهو النفط المشهور الذي يستخدمه معظم المنتجين العالميين لتسعير صادراتهم إلى الولايات المتحدة. هذا القرار هو عبارة عن قضية فنية ونقلة رمزية توجه ضربة إلى هيمنة بورصة نيويورك التجارية، وهي أكبر مركز في العالم للتداول في النفط، حيث يتم ربط معظم المنتجات المعروفة بخام غرب تكساس المتوسط.
وتصدر المملكة نحو 1.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام إلى الولايات المتحدة، وهذا يجعلها تأتي في المرتبة الثانية بعد كندا. لكن الإنتاج النفطي الفعلي لا يتم التداول به من حيث الواقع في بورصة نايمكس. هذا الأمر يتم بصورة مستقلة من خلال عقود بين البلدان وشركات النفط، لكن المملكة ظلت تستند في أسعارها إلى الخام القياسي المهيمن، وهو خام غرب تكساس المتوسط. ومنذ سنوات والسعودية تجادل بأن إيمان بورصة نايمكس بخام غرب تكساس لم يكن لصالح المملكة. ''أرامكو السعودية''، وهي شركة النفط المملوكة للدولة، ضاقت ذرعاً بكونها تتلقى السعر من خام غرب تكساس المتوسط، وهو سعر تدعي الشركة أنه يخفق في تمثيل الصورة العالمية للعرض والطلب.
هذا العام زادت الأمورعن حدها بسبب التقلب الكبير في أسعار خام غرب تكساس وانقطاع هذه الأسعار عن أساسيات السوق الفعلية.
وبدأت مشاعر الإحباط والاستياء في التراكم قبل 18 شهراً، حين سجل سعر النفط رقماً قياسياً هو 147 دولاراً للبرميل. كان هذا يشير إلى أن إنتاج النفط لم يكن بكميات كبيرة تكفي للاستجابة للطلب. لكن المملكة اشتكت من أنها لم تتمكن من تحويل نصف برميل يومياً من النفط الذي كانت ترسله إلى السوق لتحاول سد هذا النقص الوهمي. وألقت ''أرامكو'' باللوم على المضاربين الذين أخفقت بورصة نايمكس في ضبطهم والسيطرة عليهم.
عند الجانب الآخر من المقياس، حين هبط سعر النفط إلى أدنى مستوياته في أوائل هذا العام كان يبدو أن سعر خام غرب تكساس هو أدنى من المقبول من حيث الطلب العالمي. في العادة يكون سعر خام تكساس أعلى بدولار واحد من سعر خام برنت في لندن، لكن مرت هناك فترة في شهر كانون الثاني (يناير) هبط فيها سعر خام تكساس بمقدار 12 دولاراً دون سعر الخام القياسي الأوروبي المنافس. كانت المشكلة هي السبل غير المناسبة للتخزين في مدينة كوشينج في ولاية أوكلاهوما، وهي النقطة التي يتم فيها التسليم الفعلي لخام تكساس. كانت كميات الاحتياطي مليئة إلى حد التخمة، ما خلق صورة وهمية بوجود فائض في العرض في الأسواق الدولية حين كانت حدة الإغراق في واقع الأمر مركزة بصورة محلية فقط في مركز التسليم المذكور في مدينة كوشينج.
هناك شكوى أخرى ذات طابع عام أكثر مما ذكر آنفاً، وهي أن أوكلاهوما ليست قريبة بما فيه الكفاية من الساحل، ما يجعل التسليم الفعلي للكميات الواردة في العقود أمراً صعباً وبعيداً عن التجارة العالمية للنفط، التي تعبر المحيط في الناقلات الكبرى. من الواضح إذن أنه لم تكن هناك موجبات تذكر لإبقاء التحالف قائماً بين المملكة العربية السعودية وبين الخام القياسي التقليدي. لاحظ كذلك أنه بما أن خام غرب تكساس هو من نوعية الخام الحلو والخفيف فإنه حتى لا يعتبر أفضل نفط مقارن بالنسبة للنفط السعودي، على اعتبار أن النفط السعودي يتسم بأنه حامض وثقيل. وستقوم أرامكو الآن بتسعير نفطها استناداً إلى سلة من النفوط الحامضة الأمريكية من منطقة خليج المكسيك، والتي تعتبر أكثر تمثيلاً للإنتاح النفطي العالمي، وفقاً لمؤشر تصممه أرجوس في لندن.
السؤال المهم الآن هو ما يلي: ما مدى قوة النفوذ التي تتمتع بها السعودية لتحطيم هيمنة بورصة نايمكس، وما الدولة التي ستقتفي أثر السعودية في التمرد على نايمكس؟
رد فعل بورصة نايمكس جاء بصورة سريعة، حيث سارعت إلى طمأنة زبائنها بأنها ستطلق منتجَين مرتبطين بمؤشر أرجوس الجديد للنفوط الحامضة. لكن المؤشر القياسي الجديد لن يكون مرتبطاً بصورة وثيقة ببورصة نايمكس الشهيرة في ''وول ستريت''.
من الناحية العملية فمن الممكن ألا يكون من شأن هذا التوجه الجديد إحداث أثر فوري. لكن جميع المراقبين في سوق النفط سينتظرون لرؤية إذا ما كانت المملكة ستحصل فعلاً على سعر أفضل وأكثر استقراراً للنفط السعودي من خلال المؤشر القياسي للنفوط الحامضة. يذكر أن من الممكن أن تقوم البرازيل وفنزويلا وحتى كندا باقتفاء خطى المملكة إذا رأت أن قرار ''أرامكو السعودية'' كان قراراً حصيفاً.
بعض المحللين يعتقدون حتى أن بالإمكان إحداث هزة شاملة في المؤشرات القياسية لأسعار النفط العالمية. كانت هناك علامات على أن السعوديين يسعون لتجربة طرق مختلفة في سبيل الحصول على عوائد أفضل، بعد شعورهم بالإحباط من رفض البورصات الغربية إصلاح الطريقة التي يتم فيها تسعير النفط وبيعه.
البورصات الصغيرة، مثل بورصة دبي للطاقة Dubai Mercantile Exchange، التي تميل إلى السوق الفعلية وليس إلى العقود الآجلة، من الممكن أن تبدأ في نهاية الأمر باقتناص حصة سوقية من البورصات الكبيرة في لندن ونيويورك.

المصدر: الديلي تلجراف

الأكثر قراءة