للأوقاف دور تنموي ونطالب بشركات ومؤسسات مستقلة لإدارتها وإحياء آلياتها ووظائفها
رغم أهمية الوقف وما يلعبه من دور في التنمية الاقتصادية إلا أنه لم يلق الاهتمام اللازم من قبل الدارسين والباحثين ووسائل الإعلام على اختلاف أشكالها، وإذا تحدثوا فإنهم يتناولونه من الجانب الفقهي فقط، دون التطرق إلى الجوانب الأخرى وأبرزها الجوانب: الاقتصادي الاستثماري والاجتماعي والسياسي، وانطلاقاً من ذلك جاءت أهمية هذه الندوة التي عقدتها مجلة “المصرفية الإسلامية” بغرض تسليط الضوء على الوقف وتحديد دوره في تنمية المجتمع الإسلامي المعاصر، كمنتج إسلامي له أهميته ودوره في التنمية الاقتصادية تحت عنوان: واقع الوقف الإسلامي ودوره في التنمية الاقتصادية، وقد أدار الندوة الدكتور فايزالحبيل وشارك فيها كل من: الدكتور نواف أبو حجلة الأستاذ في المعهد المصرفي بالرياض وياسر عبد الرحمن آل عبد السلام المتخصص في المصرفية الإسلامية وياسر بن عبد العزيز المرشدي الأمين العام للهيئة الشرعية لمصرف الإنماء وعلي البلاونة مدير تحرير مجلة “المصرفية الإسلامية” ومحمد رسلان سكرتير التحرير.
لبيان معنى الوقف في الإسلام وأهميته التاريخية أشار الدكتور نواف أبو حجلة أستاذ بالمعهد المصرفي بالرياض أن الوقف ليس وليد الحالة أو اليوم، ولكنه منذ عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أو قبل ذلك، لكن الذي صار أنه عندنا جاءت الضوابط الشرعية الإسلامية قولبت هذا المنتج. فالوقف بصفة عامة معناه وقف الشيء ومنعه واحتباسه، وكانت الأوقاف في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - وقبله وبعده تدخل جميع المجالات سواء الصحية أو التعليمية أو الخيرية أو السكنية ….
ومما يذكر أن أول وقف في الإسلام هو وقف طلحة وكان أعرابيا يهوديا ثم جاء وقف عمر بن الخطاب في خيبر, وفي عهد عثمان بن عفان الذي أوقف بئر المياه نظراً لحاجة المسلمين للمياه بغرض الزراعة والشرب، أيضا كانت هناك أوقاف ظهرت في عهود لاحقه في بلاد الشام ودول الخليج وهي أوقاف لدور العلم، ففي القرن السابع أو الثامن الهجري كان هناك ما يقرب من 400 مدرسة تعليمية في الشام, وكان في القدس على سبيل المثال 50 مدرسة تعليمية كلها مدارس وقفها أصحاب التعليم لأبناء المسلمين وكانت أغلب الأوقاف في المجال الصحي في المستشفيات ودور العلاج، فقد كان في ذاك الوقت لا وجود للصناعة، لذلك نلاحظ أن الأوقاف كان لها كبير الأثر في تنمية المجتمع.
وفيما يتعلق بإسهامات الوقف في الوقت الحالي في التنمية الاقتصادية في الدول العربية وتحديداً في المملكة العربية السعودية, أوضح أبو حجلة أن الوقف كان له دور مميز في خدمة المجتمع حتى جاء الاستعمار الأجنبي، فالاستعمار شكل أكبر عائق أمام الوقف لكيلا يؤدي دوره, حيث لم يوافق الاستعمار على وظيفة الوقف حسب مبادئ الإسلام، فأوقفوا العمل بجميع هذه الأوقاف وحولوا العمل بها طبقا لأنظمتهم الخاصة، حيث قام الاستعمار البريطاني مثلاً بإدارة هذه الأوقاف طبقاً للوائحه وقوانينه وكذلك الاستعمار الفرنسي …وغيره, الأمر الذي أدى إلى تحميل الوقف مصاريف والتزامات فاقت طاقته وقدرته لدرجة أن هناك بعض الأوقاف توقفت عن العمل بسبب كثرة الديون التي صارت عليها والبعض الآخر تم بيعها لسداد ما عليها من التزامات مالية. ولكن بعد أن استقلت أغلبية الدول العربية لم تستطع معالجة آثار هذه السياسات الاستعمارية ولم تستطع معرفة بيعها أحيانا وذلك لعدم وجود خبرة وكفاءات وكوادر إدارية تدير هذه الأوقاف. من هنا واجهنا عدة تحديات أهمها كيفية إيجاد كوادر بشرية لتسلم وإدارة هذه الأوقاف، كيفية إيجاد هياكل تنظيمية لإدارة هذه الأوقاف، وكيفية الصيانة والصرف عليها.
وحول دور الكفاءات البشرية الحالية لإدارة الوقف الإسلامي قال ياسر عبد الرحمن آل عبد السلام إن قضية الكفاءات البشرية تمثل التحدي الأكبر لكثير من الأمور حتى على المستوى الشخصي, فأحيانا إذا وقف إنسان وقفا لا يكون لديه أبناء وإذا وجدوا فلا يكون لدى هؤلاء الأبناء القدرة على إدارة الوقف, لذلك فإنه غالبا ما يكون لدينا إشكالية في إدارة الوقف، لأن إدارة الوقف لها شروط أهمها الكفاءة والخبرة في إدارة الوقف، وكذلك الوقت اللازم لإدارة الوقف ومتابعته وصيانته, أيضا توافر الأمانة بحيث يكون مشهودا لك بالأمانة، ولهذا فمن وجهة نظرى هناك اقتراح, وكنت قد طرحته في جريدة “الاقتصادية”, أن يكون هناك شركات لإدارة الوقف مثل شركات المساهمة المتكاملة ذات رأسمال تدير الأوقاف، وأعتقد أن هذا قد يكون أفضل حل بحيث تكون قيمة هذا الوقف لا تقل عن مليون ريال، وأن تضع هذه الشركة ضوابط وشروطا لإدارة الأوقاف وأن يكون لديها مجالات متنوعة مثل مجالات العقارات ومجالات الأسهم والصناديق الاستثمارية والإجارة والاستصناع وغيرها من مجالات، أن يكون لدى هذه الشركة فريق متكامل من المحاسبين الماليين، وفريق في الإدارة لمتابعة والإشراف على الوقف وصيانته وترقيمة وكل ما يتعلق بالوقف, ويكون هناك قسم للتحصيل المالي لهذه الأوقاف وقسم آخر للمصروفات, وأن يكون هناك داخل الشركة ما يسمى بالابتكار للوقف أو نظار الوقف, أيضا على المجال العلمي أو المجال الصحي.
#2##3##4##5#
وعن كيفية إيجاد الكفاءات خاصة في ظل نقص أو ندرة هذه الكفاءات التي نعانيها في الوقت الحاضر، وهل مجرد التدريب على رأس العمل كافٍ؟ أجاب ياسر آل عبد السلام موضحاً أن الأمر لا يحتاج إلى خريجين من الجامعات ولديهم شهادات عليا لإدارة الأوقاف، لكن الأمر يحتاج إلى أناس لديهم خلفية محاسبية وخلفية إدارية وخلفية في الاستثمار، بمعنى أن يكون هناك أفراد لديهم خبرة, وأقسام متخصصة ثم شخص يديرهم تحت مظلة الهيئة الشرعية، وأن يكون هناك مكتب محاسبة خارجي يدقق أعمالها. كل ذلك مقابل عمولة تعطى للشركة التي تدير هذه الأوقاف، فنحن لا نحتاج إلى أناس متعمقين ، ولكن لديهم خبرة ودراية كافية ومشهود لهم بالمصداقية والأمانة، وأعتقد أن هذه الكوادر موجودة ولكن الأمر يحتاج إلى إدارة وتنظيم فقط، هذا بالنسبة لسوق المملكة العربية السعودية بشكل خاص.
تجارب الآخرين:
وفيما يتعلق بتجارب الآخرين هناك تجارب ثرية لموضوع الوقف ودور الوقف سواء في أمريكا أو أوروبا, فلماذا لا يستفاد من هذه التجارب العالمية من خلال ابتعاث كوادرنا ومواردنا البشرية إلى هذه البلدان؟
في هذا الشأن قال المرشدي الأمين العام للهيئة الشرعية لمصرف الإنماء، بخصوص الكفاءات البشرية: صحيح لا نحتاج إلى تخصص جامعي دقيق لإدارة الوقف، ولكن نحتاج إلى أناس يعرفون ما هو الوقف وما شروط الوقف والشروط اللازمة للصرف على الوقف وما مجالات الصرف من الوقف، فنحن نحتاج إلى مسار تدريبي وتوعوي وتثقيفي في موضوع الوقف, والتخصص ليس بالضرورة هو المطلوب بالنسبة لمن يديرون الوقف.
توعية المجتمع بأهمية الأوقاف
وفيما يتعلق بخصوص توافر إحصائيات وبيانات موثقة عن حجم ومقدار الوقف سواء محليا أو عالميا، أشار المرشدي موضحاً أنه لم يستدل على أرقام أو أحجام الوقف داخل السعودية أو حتى خارجها لكن يمكن القول إن هناك عديدا من الأوقاف داخل المملكة مثل: دارة الملك عبد العزيز، ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، ومؤسسة الملك فيصل الخيرية، ومؤسسة العنود الخيرية، وموقع “لها أون لاين” وغيرها من الأوقاف الموجودة بالمملكة العربية السعودية التي ترعاها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى توعية المجتمع بأهمية الأوقاف، فالوقف دائما لا يهدف إلى الربحية ولكن لخدمة المجتمع، ونحتاج عندما يكون هناك عناوين للمؤسسات أو في التصنيف الحكومي لها ما يدل على أن هذه الشخصية شخصية اعتبارية هي وقف وإن كانت مسماة شركة أو مؤسسة، لذلك فنحن نحتاج إلى أن نشعر الناس بانتشار هذه الأوقاف، كذلك هناك مؤسسة الأمير سلطان الخيرية، لديها صندوق وقفي يخدم فئة المصابين والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة - وهو أعتقد من أفضل الأوقاف بالمملكة العربية السعودية المختص بالعلاج الطبي.
وفي التاريخ الإسلامي نلاحظ أن أبرز من وقفوا للعلاجات الطبية هم العثمانيون وأكثر من أهتم بالجوانب العلمية هم بلاد الشام أيام العباسيين والأمويين، في بلاد الحجاز انصبت أوقافهم على دور العبادة في أغلب ما ينقل عنهم، كذلك لاحظنا أن صلاح الدين الأيوبي وقف على الحوامل والأطفال الصغار، أي أن دور الأوقاف في التنمية الاقتصادية وتنمية المجتمع كان له دور واضح منذ القدم بحيث أنه تنوع وحل محل ما يسمى الآن بالدولة الحديثة التي تدعم كل النشاطات الحياتية. وأعتقد لو أن الأوقاف منتشرة بفكرها الكامل كما كانت في عهدها السابق لما احتجنا مثلاً إلى بعض الأشياء مثل شق الطرق أو تكامل وصيانة دورات المياه العامة أو أماكن المنتزهات العامة ونقل المخلفات، ولما احتجنا واعتمدنا بشكل كامل على الحكومة أو الدولة, وأعتقد أن الأمر سيكون مختلفا حاليا بحيث سيخفف من أعباء وزارة المالية لدينا في الصرف على الحاجات العامة للمجتمع.
وفي الرد على تساؤل حول الأوقاف في الوقت الحالي في عصر العلم والتقدم والتقنيات الحديثة نلاحظ أن الوقف لا يذكر إلا في آخر قائمة الموارد الاقتصادية داخل المملكة العربية السعودية.. لماذا؟
يقول المرشدي إنه لا يوجد لدينا موارد مسجلة على أساس أنها أوقاف، ولا تؤخذ بعين الاعتبار في تخفيف المصروفات الحكومية العامة فلا يوجد لدينا تنظيم في هذه النقطة، لذلك قد يكون من المقترحات إضافة إلى مقترح الأخ ياسر آل عبد السلام لخدمة كيفية إدارة الأوقاف، وهذا المقترح أعتقد أنه يصب في الاتجاه نفسه ويتعلق بفصل الأوقاف عن وزارة الشؤون الإسلامية وجعلها مصلحة خاصة كمصلحة الزكاة والدخل، وإن كانت أهلية تكون مؤسسة من مؤسسات المجتمع مثل مؤسسات الدولة, وبالتالي ريعها يقلل مما تحتاجه الدولة للصرف على الأمور العامة مثل صيانة المساجد أو رواتب المؤذنين والأئمة والعاملين بهذه المجالات، فمثلاً مما يؤخذ من ميزانية وزارة الشؤون الإسلامية هو صيانة المساجد. لذلك فإذا كان الوقف يديره محترفون وكوادر منفصلة عن الجانب الحكومي في إدارة المشاريع، فقد يكون هذا أدعي أن ينجح بشكل أفضل.
أما عن وجود معلومات عن حجم وقيمة الأوقاف داخل المملكة العربية السعودية، فقال المرشدي إنه لا يوجد لديه معلومات أو بيانات مؤكدة حول ذلك، ولكنه أشار إلى أن كثيرا من الجامعات أسست أخيرا أوقافا كثيرة لها. وعالميا فإن جامعتي هارفارد الأمريكية وأكسفورد البريطانية قائمتان على الأوقاف.
الوقف في عهد الاستعمار
وبالنسبة لقضية استقلالية الوقف عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، أشار علي البلاونة مدير تحرير مجلة “المصرفية الإسلامية” إلى أنه من المعلوم تاريخيا عندما جاء الاستعمار الأجنبي إلى الدول العربية والإسلامية فإن أول إجراء عمله هو ضرب مؤسسة الوقف الإسلامي كونها كانت مؤسسة متكاملة ومستقلة يديرها علماء ومشايخ وتشمل دور رعاية وصحة وتعليم وتجارة, فعمد الاستعمار إلى ضم الأوقاف وإدراجها ضمن مؤسسة حكومية “استعمارية” آنذاك, ما أخرجها عن نطاق أهدافها الاستراتيجية, كون المستعمر يهدف إلى ضرب دور الدين والمشايخ ودور العلم والتنوير, إذ إنها السبب في مقاومته وإخراجه. وهذه الأوقاف والدور التابعة لها هي من حفظ السيادة والاستقلال واللغة, وهذا ماثل في الشام والمغرب العربي على الخصوص. من هنا بدأ الدور الاساسي للأوقاف يضمحل ويهمش ولم تستطع هذه الإدارات القيام بعملها المنوط بها طبقا لتوجهها الإسلامي. لقد عمل الاستعمار على تقليص دور مؤسسة الوقف وأصبح الوقف الإسلامي في ظل هذا الاستعمار جزءا من الحكومات وجزءا من سياسة الدولة، ففي أيام الاستعمار الفرنسي في لبنان أول ما حاربوه حاربوا مؤسسة الوقف الإسلامي وفرضوا ضريبة تؤخذ بنسبة 45 % من عائدات الأوقاف وترد للحكومة بجانب تعديل اللوائح والقوانين بأحقية بيع الأوقاف وأحقية التدخل في مجالات عملها بما يخدم مصالحهم وأغراضهم, وكأن هناك توجها غربيا هادفا إلى تحجيم مؤسسة الوقف الإسلامي في الدول العربية والإسلامية باعتبارها مؤسسة تنموية واستراتيجية, وأعتقد أن استعادة دور الأوقاف هو تعزيز لاستقلالية الدولة وتعزيز لدورها التنموي.
#6#
تنويع الوقف
وحول هل سوق المملكة العربية السعودية في حاجة إلى تنويع الأوقاف أكثر أم أن المطروح الآن يفي بالغرض؟
أشار أبو حجلة قائلاً: هناك شقان للرد على ذلك, الأول باعتبار أننا أكاديميون أو من يعملون في البنوك - دائما نرى التنويع لمصلحتنا بمعنى إذا قمت بتنويع أي شيء فإنك تقلل من المخاطر، فإذا كان الوقف موزعا في عدة أمور، المجال الصحي أو العلمي أو السكني, فإذا حدثت مشكلة في أي قطاع فإن القطاعات الأخرى لا تتأثر لذلك فالتنويع هو تقليل المخاطر، والمخاطر كل فرد ينظر إليها بطريقة الخاصة، فقد تكون مخاطر أصحاب الوقف في توقفه عن نشاطه سواء كان عقاريا أو زراعيا أو غيره.
ثانياً التنويع ضروري بسبب اختلاف حاجات الناس واختلاف رغباتهم، فمثلاً ليس كل الناس في حاجة إلى دور عبادة وليس كل الناس في حاجة إلى منشآت أو دور رعاية صحية أو تعليمية، لذلك فهذا التنويع ضروري لإشباع حاجات الناس. هذا بالإضافة إلى ما ذكره الإخوان أن الوقف فعلا يمثل دعما لنظام الدولة من خلال دوره في مجالات التنمية الاقتصادية الخدمية للمجتمع، أيضاً إذا كان لدينا أوقاف زراعية أو صناعية فبالتالي سنكون قادرين على خلق إنتاج وإشباع الطلب في اللحظة نفسها, بمعنى آخر نستطيع أن ننتج السلعة والطلب موجود لدينا من داخل السوق وبالتالي فإن العوائد المتوقعة ستكون جيدة جداً إن شاء الله، وعليه نستطيع أن نخفف كثيرا من مثل تكاليف الإنتاج وتكاليف الاستيراد من الخارج. لذلك فإن التنويع أصبح ضرورة مهمة للاستفادة من الأوقاف خاصة في عصرنا الحالي.
وفي الرد على سؤال حول هل هناك إشكالية في عملية تنويع الوقف, وما مدى قبول المشرع أو صانع القرار أو المجتمع أن يوجه الوقف إلى التنويع لتعم الاستفادة منه؟
أجاب ياسر آل عبد السلام قائلاً: الأمر في الحقيقة يحتاج إلى توعية الناس بأنواع الوقف ومجالات الوقف، وذلك نظراً لأن حياة الناس اختلفت وظروف المعيشة الحالية أصبحت تختلف كثيراً عن الماضي، لذلك يجب توعية الناس بأنواع الوقف قبل أن يوقفوا حتى لا يقعون في حرج، فمثلاً وقف الأموال هذا من الأشياء التي لم تطرح وهناك خلاف بين العلماء بهذا الخصوص ولكن المعلوم لنا أن حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - اشترت ذهبا بقيمة 20 ألف درهم ووقفته على نساء آل الخطاب. والذهب مثل النقود، وهناك من يقول لا يجوز وقف المال لأنه ينتهي ولكن الحقيقة أن المال لا ينتهي فعندما نقرضه قرضا حسنا ونأخذه من الناس مرة ثانية ثم نقرضه مرة ثانية وثالثة، هذا فيه دور تنمية اجتماعية واقتصادية كبير, وفي غير القرض الحسن يمكن أيضا استثمارها في المضاربة, فمثلاً عندما تضع في صندوق استثمار مبلغا معينا من المال أرباحه تصرف في مجالات وقفية، أيضا وقف أموال الزكاة، حسب المصادر أحيانا مصلحة الزكاة والدخل جمعت أقل مبلغ - حسب ما قيل - بلغ 23 مليار ريال وأكبر مبلغ 33 مليار ريال وهذا بلا شك مبلغ كبير, هذا بخلاف المستوى الفردي فإذا حسبنا زكاة المال السنوية داخل المملكة قد تصل إلى 40 أو 50 مليار ريال، فإذا وزعتها على الفقراء ستشبع احتياجاتهم جميعاً وسيفيض جزء من هذا المال، ولهذا لماذا لا توضع هذه المبالغ في أوقاف ثم تصرف على مصارف الزكاة الثمانية، فتستمر منها أموال الزكاة وتكون أيضا وقفا. هذه من الأشياء الكثيرة التي تحتاج إلى توعية, منها وقف المنافع والاستصناع والإجارة والاستزراع....
لكن هناك تساؤل هل المجتمع قادر أن يقبل أن تنوع في الوقف على النطاق الضيق نطاق الأسرة ونطاق العائلة؟
يقول ياسر آل عبد السلام: أعتقد أنه حالياً أصبح هناك وعي لدى الناس يمكن أن تقبل الفكرة. فإذا عدنا للتاريخ الإسلامي كنا نلاحظ أنه حتى المريض في المستشفى يمكن أن يعالج ويصرف له راتب من خلال الوقف حتى لا تشرد أسرته وتجد المأكل والمشرب في حالة مرض عائلهم الوحيد. وكان في عهد المستنصر بالله عام 630هـ, يقول ابن كثير: كان يدرس فقه المذاهب الأربعة والقراءات وكان الطلاب يأكلون ويشربون ويقرأون وينامون ويدرسون العلوم الطبية ويتفرغون لها ويبدعون فيها وكانوا يصرفون أيضا رواتب في مدارس المستنصرية عام 630هـ في بغداد.
ثقافة الوقف من الماضي إلى الحاضر
في الماضي كان هناك استعمالات للوقف ومصارف للوقف وقد استفاد منها المجتمع بشكل كبير، السؤال: كيف نستطيع أن ننقل تلك الثقافة إلى واقعنا المعاصر اليوم؟
يقول المرشدي: نقل ثقافة الأوقاف يحتاج إلى تعاون جهات متعددة, أول هذا التعاون من الجهة الراعية للأوقاف حالياً على شكل بيان إتاحة المعلومات عن الأوقاف الحالية، وبيان أثرها في المجتمع وكيف ترعاها. جزء من تخوف الناس من الوقف أنهم لا يدرون ماذا يصير على الوقف؟
الجانب الثاني يتعلق بخطباء المساجد ووسائل الإعلام لتمارس دورها في تنوير الناس وتوعيتهم بأهمية الوقف, بمعنى أن يتم طرح هذا الموضوع من خلال حملة إعلامية تخاطب كافة طوائف الشعب، على أن يتناولها خطباء المساجد في صلاة الجمعة حيث نلاحظ أن هذه القضية لم يتحدث عنها أحد منذ فترة كبيرة، كذلك فإن الأمر يحتاج إلى ندوات وورش عمل متعددة مثل هذه الندوة التي نشارك فيها حيث ستساهم في نقل المعلومات إلى الواقع المعاصر وسيقرأ الرأي العام ما تم طرحه فيها للاطلاع والتوعية بهذا الجانب. أيضا هناك نقطة أود التأكيد عليها وهي أن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف تقوم بجهود كبيرة في هذا المجال، لكن إذا كنا نريد أن نتطور في آليات إدارة الوقف وآليات استثمار الوقف علينا أن نوكل هذه المهمة إلى إدارة مستقلة مثل إدارات القطاع الخاص. فالمقترح الذي طرحته هو جعل إدارة حكومية منعزلة تتبع مجلس الوزراء أو تتبع الملك مباشرة يكون أساس عملها الأوقاف وإدارة الأوقاف.
أيضا هناك نقطة مهمة أود الحديث عنها وهي تنويع الوقف، هذا التنويع له شقان، الأول تنويع الموقوف ذاته، بمعنى ما الشيء الذي وقفته هل هو عقار أم أسهم أم نقود, وفي هذا الجانب نصوص الفقهاء واضحة، فالوقف هو لشيء ينتفع به أما الصور الجزئية التي قد يختلف عليها الفقهاء فتنحصر في الإجابة عن سؤال: هل فيها نفع أم لا يوجد نفع؟ شيخ الإسلام ابن تيمية رجح إمكانية وقف النقود لأنه يستفاد منها في القروض وخلافه.
#7#
الشق الثاني المتعلق بمجالات الصرف، أو تنوع مجالات الصرف أيضا فللفقهاء قاعدة في هذا الشأن وهي: “كل شيء ما لم يكن إثما”, بمعنى أن يكون الوقف على جهة بر, وقال بعض الفقهاء والمباح أيضا في جهة بر.
الإعلام وثقافة الأوقاف
وللرد على سؤال حول دور الإعلام في نشر ثقافة الأوقاف وتفعيلها، وهل الإعلام وخاصة مجلة “المصرفية الإسلامية” قادر على توصيل الرسالة للرأي العام؟
أشار علي البلاونة مدير تحرير مجلة “المصرفية الإسلامية” قائلاً: لا شك أن الإعلام يمثل جزءا من أدوات التعبئة والتوعية والتثقيف الاجتماعي وللإعلام رسالة يؤديها ولكن الإعلام يعمل في إطار منظومة متكاملة للتوعية والتربية, فهناك المؤسسات التعليمية والمراكز العلمية والبحثية والإذاعة والتلفزيون والفضائيات والمحاضرات والندوات والنشرات والإنترنت كلها عليها أدوار تسهم بها في تعزيز مكانة الوقف الإسلامي, والصحافة إحدى الوسائل الإعلامية المؤثرة في تنوير وتوعية الرأي العام, ولكن لكي تكون هناك فاعلية وتأثير يجب أن يتم تناول المادة الإعلامية في قوالب معاصرة وجديدة وأن تلامس احتياجات الناس بشكل مركز ومختصر، لذلك يجب تناول قضية الوقف الإسلامي ودوره في تنمية المجتمع والتركيز عليه بشكل لا يجعل القارئ يمل من قراءتها ومن هنا يمكن أن يكون لها مردود إيجابي وتترك ردود أفعال بشكل جيد لدى الناس، من هنا تأتي أهمية الرسالة الإعلامية ومردوداتها، أيضا إقامة مثل هذه الندوات التي تتناول هذه القضية من جوانب متعددة، وأعتقد أن هذه الندوة سيكون لها صدى وانعكاسات إيجابية لدى الرأي العام نظرا لما أوضحته من أهمية الوقف ودوره الفاعل في التنمية الاقتصادية وخدمة المجتمع لأن ما دار ويدور فيها من نقاشات وحوارات لا شك هو نتاج بحث واطلاع من كافة المشاركين فيها.
وفي الإجابة عن سؤال حول مدى الاستفادة من التجارب الغربية في مجال الوقف وكيف نستطيع تطويعها بما يتلاءم مع مبادئ وتعاليم الإسلام, ذكر أبوحجلة أنه من المؤسف أن الغرب أخذ تعاليم الوقف من العالم الإسلامي ثم توسعوا في مجالاته واستحدثوا آليات جديدة للتعامل مع الوقف, فهناك في أمريكا وبريطانيا الوقف في الكنائس ودور العبادة والجامعات وغيرها .. ولديهم تقسيمات خاصة للوقف، فهناك وقف عام ووقف خاص، الوقف العام يستفيد منه عامة الناس أما الوقف الخاص فهو في نطاق الأسرة أو العائلة، أيضا لديهم قوانينهم الخاصة بالوقف، كذلك الغرب يختلف عنا في إدارة الوقف، فالوقف، بديره ويشرف عليه غالباً وزارة الشؤون الإسلامية في الدول الإسلامية لكن في العالم الغربي يوجد عندهم إدارات ومصالح خاصة ومستقلة بالأوقاف وليس شرطاً ارتباط الأوقاف برأس الدولة أو الحكومة، مشكلة أخرى نعانيها هي الهياكل التنظيمية والإدارية, هذا الأمر واضح لدى الغرب فهناك إدارات متخصصة تدير شؤون الوقف كاملاً، ولكن في الإمارات يوجد قانون خاص بالأوقاف، ونحن نريد للأوقاف في المملكة العربية السعودية أن تكون لها مؤسسة مستقلة لها تنظيماتها وقوانينها الخاصة بها مثل مصلحة الزكاة والدخل التابعة لوزارة المالية تتبع وزارة الشؤون الإسلامية وتكون مشرفة أيضاعلى الشركات مثل هيئة سوق المال كما تفضل الزميل ياسر آل عبد السلام بطرح هذا المقترح..
وقف الأسهم
وعند الحديث عن وقف الأسهم، هناك كثير من الجدل والتساؤلات حول هذا الموضوع، فهل يجوز أم لا يجوز وقف الأسهم؟ وما وجهة النظر الإسلامية في هذا الشأن؟
يوضح ياسر آل عبد السلام: في الحقيقة وقف الأسهم من الأوقاف الحديثة التي سمعنا عنها والتي استحدثت في الحياة المعاصرة، وهي فكرة أقرها مجمع الفقه الإسلامي أخيرا، والفكرة بسيطة وهي أن الإنسان يشتري أسهما ويوقفها ويقول إن ريع هذه الأسهم يصرف في مجال معين من الأوقاف، وأعتقد أنها فكرة رائعة يمكن لكل إنسان أن ينفذها فممكن للإنسان أن يشترى حسب استطاعته 10 أسهم أو 50 أو 100 سهم أو حتى 100 مليون سهم ويوقفها، هذه الفكرة لها فوائد كثيرة, فهناك فائدة مهمة ستؤدي لثبات واستقرار سوق الأسهم لأنك ستوقف كميات كبيرة من الأسهم بعيداً عن المضاربات التي تؤدي إلى تذبذب السوق بجانب اعتباره استثمارا طويل الأمد يحقق الأهداف الاقتصادية والتنموية ويقيم مشاريع ضخمة ومصانع كبيرة توظف عمالة وتسهم في حل مشكلة البطالة وتحدث انتعاشا تجاريا واقتصاديا، وانتعاش الحركة الاقتصادية داخل الدولة من شأنه زيادة الإنتاج ومضاعفة الدخول والرواتب والقضاء على مشكلة الفقر وتحسين مستويات المعيشة للأفراد والارتقاء بالعملية التعليمية والصحية والتثقيفية والاجتماعية والتكنولوجية .. كل ذلك انطلاقا من الوقف. وأضاف إلى ذلك ياسر المرشدي قائلاً: إذا كانت الآن حصص الحكومة في الأسهم تعطي راحة واستقرارا لسوق المال فما بالك إذا كانت هناك حصص أشبه بالحكومية بمعنى أنها وقفية لا يتداول بها ولا تدخل في مضاربات.
وفي رده على سؤال: هل هناك منتجات حديثة غير الأسهم؟ قال المرشدي: هناك الصكوك التي تبرز بشكل واضح، الصكوك التي فيها ملكية, فمن الممكن أن تكون أحد مجالات الوقف، أيضا هناك مجال مهم جداً وهو الوقف كحل لشركات التأمين التعاوني، فهناك جدل كبير بين الفقهاء فيما يتعلق بالتأمين التجاري، لذلك جاء الوقف كأحد الحلول من بعض الفقهاء بحيث يكون محفظة التأمين التي تدفع أقساطنا إليها كمؤمنين هي وقف وبالتالي أنا أدفع قسطي في التأمين لي ولغيري من المؤمنين ولمن يأتي بعدنا - إن شاء الله - وبالتالي تتنامى هذه الأوقاف وتغطي الحاضر والمستقبل, ومن ناحية أخرى توسع الأوقاف وتقوم شركة التأمين بإدارة هذه المحفظة وتصرف من خلالها وتقدر المخاطر ونحو ذلك. من هنا برز الوقف في الوقت الحالي كحل أساسي للتأمين وبشكل شرعي أيضا ولا نحتاج فيه لأي حلول أخرى.
وفي هذا المنحى أضاف الدكتور أبو حجلة قائلاً: لماذا نوجه كل الأوقاف للاستثمار في حين يجب أن ينظر إليها كخدمة بدلا من النظر إليها من ناحية المنفعة المادية؟ بمعني يجب عدم النظر فقط إلى ما هو العائد الذي يعكسه عليه هذا الوقف بل يجب النظر إلى ما هو عائد الخدمة من هذا الوقف الذي يعود على الناس, فهذا أعتقد أنه يمكن أن يكون معيارا آخر يجب أن نفكر فيه. فهناك عديد من الخدمات التي يمكن أن تقدم من خلال الوقف مثل الخدمات الصحية والتعليمية....
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كوقف لجامعة بحث علمي
وعند تناول أهمية الوقف في موضوع البحث العلمي، الآن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية هي تقريباً بشكل كامل للبحث والتطوير تمثل أحد المنتجات الجديدة كوقف لجامعة بحثية وعلمية.
السؤال: كيف نؤسس لوقف يدعم البحث العلمي؟ بمعنى أنني لدى مثلاً مجموعة كبيرة من الكتب العلمية والمراجع والأبحاث، فهل ممكن من خلالها أن أقيم مركز دراسات صغيرا للبحث العلمي وأجعله وقفا؟
حول ذلك قال أبو حجلة: البحث العلمي وإقامة مراكز للبحث العلمي والتطوير تمثل ضرورة مهمة من ضرورات الحياة المعاصرة خاصة إذا كان هناك حاجة لمخرجات التعليم، فالكوادر البشرية المتعلمة هم الذين ستعتمد عليهم عملية التنمية المستدامة للجميع سواء كان في البحث العلمي أو التقنية أو القطاع المصرفي أو الإداري أو الصناعة أو الطب أو الهندسة أو الزراعة وخلافه، لذلك فمن الأهمية بمكان ذكر مدى أهمية الوقف في مجال البحث العلمي, وهنا يجب الإشادة بالنظرة بعيدة المدى والحكمة لخادم الحرمين الشريفين عندما وقف مبلغ عشرة مليارات دولار لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية بغرض البحث العلمي والتطوير.
وفي موضوع متعلق بالبنوك الإسلامية فيما يخص الإجارة والاستصناع والاستزراع، هناك من يقول إن البنوك الإسلامية تقول شيئا يختلف عما تفعله على أرض الواقع، وللرد على هذه المقولات يؤكد ياسر المرشدي الأمين العام للهيئة الشرعية لمصرف الإنماء قائلاً: لا شك هناك بعض تطبيقات خاطئة لبعض البنوك، لكن أعتقد أن التطور الحالي الذي بدأ منذ السنوات الخمس الماضية التي اتسمت بالحراك الاقتصادي الإسلامي بشكل كبير وظهر ما يسمي المؤسسات الراعية للمصارف الإسلامية مثل «الأيوفي» والمجلس العام ومجلس الخدمات المالية في ماليزيا والوكالات الإسلامية للتصنيف بدأت البنوك حتى البنوك التي كانت تطبق ما لا تقوله بدأت تراجع نفسها, فكل البنوك أصبح لديها مصرفية إسلامية بالكامل مثل الراجحي والإنماء والبلاد والجزيرة وكذلك البنوك التي لديها نوافذ إسلامية أصبحت كلها حريصة في تطبيقاتها على أن تنفذ عملياتها حسب التوجيه الشرعي من الهيئة الشرعية، وفيما يتعلق بتنمية العائد من الأوقاف فهذه البنوك لديها إمكانية للوقف وهذه المصطلحات «الإجارة والاستصناع والاستزراع» قد تكون أدوات تمويل فقد تستخدم للوقف وقد تستخدم لغير الوقف، وفي الوقف نستطيع أن نستفيد من الحسابات الاستثمارية ونستطيع أن ننشئ حسابات استثمارية هي من قبيل وقف النقود أو من قبيل وقف الأسهم أو نحوه وبالتالي تكون هذه الحسابات الاستثمارية داخل المصرف إدارتها وريعها يكون لصالح الوقف نفسه وبالتالي نستطيع أن نعمل منتج حساب استثماري وقفي بمعنى أنني أضعه كوقف على أولادي أو على تعليم أبنائي أو على تعليم آخرين. وبالنسبة للمزارعة والمساقاة فهما من البرامج التي تتعلق بالزراعة، أما الإجارة فتكون دائما للعقارات ونحوه، وبالنسبة للإجارات فهي الآن المنتج القابل للاستفادة منه بشكل سريع لأنه منتج الآن للبنوك بشكل واضح، فيمكن الاستفادة منه في تمويل الوقف ويمكن تكون كأصول موقوفة منافعها تأتي من ريع الإجارة.
#8#
وفي هذا يضيف ياسر آل عبد السلام قائلاً: تعتبر المزارعة والإجارة والاستصناع من المجالات للأوقاف، فمثلاً إذا أخذنا وقف الاستصناع، فهناك عدة طرق مثلاً وقف مصنع سيارات أو مصنع أدوية أو شركة مقاولات تشيد مباني ومنازل، فهذا المصنع أو الشركة وقفية تقوم بعملية التصنيع، فالبلد تستفيد وأيضا العوائد والأرباح تصرف في المجال الوقفي، لذلك أعتقد أن عقد الاستصناع من العقود الممتازة في مجال الوقف. كذلك عقود المزارعة أو المساقاة والاستزراع وكي تنتج هذه الأرض محاصيل زراعية تعود بالفائدة على المجتمع من خلال وقف هذه العقود.
ويقول أبو حجلة: أعتقد أن وقف الاستصناع وخاصة إذا كان حجمه كبيرا مرتبط بصيغة التمويل، فالمعلوم أن أخذ مصادر تمويل الوقف هي تمويل الأسهم، وأيضا مصادر تمويل الوقف من الأشياء المهمة وأتمنى أن يتم عقد ندوة خاصة متعلقة بتنمية عوائد الأوقاف وكيف يمكننا استمرارية الأوقاف فيها. فنحن في حاجة إلى التمويل وفي هذه الحالة سيكون لدينا عوائد، فأحد مصادر التمويل للأوقاف والمحافظة على تنمية العوائد واستمرارية الأوقاف فيها هو وقف الأسهم، كذلك الصكوك الوقفية، فسندات الأسهم تسمى سندات وقفية وهي أحد أنواع الصكوك الوقفية، وهذه مصادر تمويلية لم نتطرق إليها بشكل متعمق. أما النوع الثالث والأخير يسمى سندات المضاربة هذه هي المصادر الثلاثة للتمويل وتسمى هذه بالمصادر الخارجية، وهناك مصادر أخرى يمكن أن يستغلها الوقف بحيث يزيد أو ينمي العوائد.
الوقف مغيب ...لماذا؟
وحول غياب الوقف وأهميته ودوره في تنمية المجتمع إذ لم تسلط عليه الأضواء أو لم يتم تناوله لدرجة أنه أصبح قضية يتجاهلها الكثيرون, فلماذا أهملنا الوقف وأصبح في آخر قائمة اهتمامنا ولم نركز على أهميته رغم دوره الكبير في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع؟
أوضح ياسر آل عبد السلام مشيراً إلى أنه يتمنى توعية وتثقيف الواقفين وألا يتم تركيز الوقف في مجال معين بل يجب تنويعه وأن يستثمر وتتم تنميته من خلال الإنفاق عليه من ريعه، لذلك يتمنى من الموصي أن ينوع في وصيته ولا يقتصر الوقف على مجال معين، حتى يستفيد منه أكبر عدد من شرائح المجتمع، هنا الأمر يتوقف على وجود توعية في هذا الجانب. لذلك في النظم الغربية نجد أن لمكاتب المحاماة دورا كبيرا في هذا الشأن بخصوص توثيق الوصايا, أيضا القضاة لهم دور في تنوير وتوعية أصحاب الوقف وكذلك فيما يتعلق باختيار القائم على إدارة الوصية فإنه يتم بطريقة تقليدية، لذلك فإن كل هذه الأطراف يجب أن يكون لها دور ويتم تنظيم الوقف بطريقة تتواكب مع العصر الحاضر ليتم تفعيله بما يخدم متطلبات المجتمع.
ثم يقول أبو حجلة فيما يتعلق بأن الوقف مغيب عن واقعنا: أعتقد أنه يعود إلى أن هناك إحدى المشكلات المعروفة وهي ارتباط الوقف دائما بالجهة الحكومية التي تشرف عليه، فأي شيء مرتبط بالحكومة معناه الروتين، كذلك عدم وجود توعية كافية بصيغة التمويل الإسلامية المعروفة.
يضيف إلى ذلك ياسر المرشدي قائلاً: أيضا بالإضافة إلى ما تم ذكره، هناك أسباب أخرى منها ارتباط الوقف بأمور كبيرة بمعنى أن الوقف يجب أن يكون حجمه كبيرا ومرتبطا بالأغنياء والقادرين في حين الوقف يمكن أن يكون بأقل القليل، أيضا لا توجد توعية كافية بثواب وأجر الوقف في الحياة الآخرة، وبما سيعود على تنمية المجتمع من خلال هذا الوقف، أيضا لا توجد توعية بكيفية الوقف ولا بكيفية تنويع هذا الوقف, هذا إضافة إلى غياب البيئة التشريعية والتنظيمية. أعتقد أن كل هذه العوامل تؤدي إلى تغيب الوقف عن اهتماماتنا الرئيسية.
كما يضيف علي البلاونة قائلاً: إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه، أعتقد أنه بسبب غياب الممارسة العملية والاحتكاك والحاجة اليومية والاستفادة المتحققة والمباشرة لم يستشعر الناس أهمية دور الوقف على اعتبار أنه يلعب دورا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كبيرا بدلا من أن تصبح مجتمعاتنا أسيرة لمؤسسات التمويل والتخريب الأجنبية، فالتعاملات المجتمعية وتعامل البيئات المجتمعية داخل عالمنا العربي والإسلامي خالية تماما من موضوع الوقف ونادراً ما تجد أحدا يتحدث أو يمارس الوقف، فإذا كانت هناك مؤسسات قليلة مثل جمعيات قائمة على الوقف لكان هناك احتكاك مباشر ما بينها وبين المجتمع، إلا أن غيابها جعل الناس غير مهتمين بهذا الجانب، الأمر نفسه - على ما أعتقد - ينطبق على المؤسسات الكبيرة التي تسمع عن أنها مؤسسات وقفية لكنها لا تملك التأثير وخلق ثقافة وقفية عامة في المجتمع كون نطاقات عملها تبدو محدودة ولهذا يجهلها الناس، فأنت تسمع بعد فترة من التعامل أن هذه المؤسسات وقف منذ زمن. لذلك تفاجأ بهذا الأمر.
ثم يضيف ياسر آل عبد السلام ويضم صوته إلى كل ما سبق في الحديث عن أسباب غياب أو تجاهل الوقف الإسلامي في مجتمعاتنا, فيقول: بالنسبة لقضية الممارسة فإذا قدر الله لإنسان معين ابتلاء بمرض معين أو غسيل كلى وأن الأمر يحتاج إلى مصاريف ونفقات باهظة عندئذ سيدرك قيمة الوقف، الآن الحكومة ووزارة الصحة تعانيان من مسألة العلاج والبرامج العلاجية للمرضى خاصة المصابين بمرض مزمن ومن قلة الكوادر الطبية لمواجهة هذه المشكلات، فإذا رأيت بنفسك أن هناك أناسا يستفيدون من هذا الوقف، فلا شك أنك ستقبل على تنمية مثل هذا النوع من الأوقاف .