موريتانيا تتهيأ للانقلاب النفطي بعد 7 أشهر على الحكم العسكري

موريتانيا تتهيأ للانقلاب النفطي بعد 7 أشهر على الحكم العسكري

ما بين الخامس عشر والعشرين من هذا الشهر سينضم عضو جديد إلى نادي الدول المصدرة للنفط: موريتانيا. ففي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بدأ الإنتاج من حقل شنقيط بعد تأخر دام أسبوعا بسبب خلل كهربائي. ويخطط أن يكون حجم أول شحنة 950 ألف برميل، على أن الإنتاج سيبلغ 75 ألف برميل يوميا ويرتفع إلى 300 ألفا في غضون ثلاث أو أربع سنوات، وهو ما يضع موريتانيا في المرتبة الحادية عشرة بين الدول الإفريقية المنتجة للنفط، مباشرة قبل جارتها تونس وبعد الكاميرون.
الحقل، وهو الأول من نوعه في تاريخ موريتانيا، يقدر أنه يحتوي على احتياطي في حدود 120 مليون برميل من الخام الحلو، واعتمادا على مدى الإنتاج فإنه سيستمر في الضخ لفترة تراوح بين ثماني إلى عشر سنوات.
وتم الإعلان عن اكتشاف النفط في هذا الحقل في كانون الثاني (يناير) 2004 بواسطة شركة وودسايد موريتانيا الأسترالية، وهي المشغل الرئيسي في مجموعة الكونسورتيوم وتبلغ حصتها 35 في المائة.
ويضم الكونسورتيوم أيضا "أجيب موريتانيا" بحصة مماثلة، أي 35 في المائة، "هاردمان ريسورسيس" بحصة 21.6 في المائة، "فيوشن أويل موريتانيا" بحصة 6 في المائة، و"روك أويل الموريتانية" 2.4 في المائة. واستثمر الكونسورتيوم نحو مليار دولار حتى بدء الإنتاج، وهو ما يزيد بنحو 20 في المائة عما كان مخططا له أصلا.
ووقعت "وودسايد" أول اتفاق لقسمة الإنتاج يغطي مناطق A، B، وC على مساحة 40 ألف كيلومتر مربع من الساحل وعلى عمق ألفي متر. وبعد عامين انضمت "أجيب"، وقامت الشركتان بتمويل برنامج للاستكشاف الأولي، لكن "أجيب" انسحبت من مربع C عام 2001. وتم حفر البئر شنقيط 1 على عمق 2.260 متر وفي مساحة 815 ميلا بحريا، وهي البئر التي تم إغلاقها فيما بعد وهجرها في أيار (مايو) 2001.
وكانت الحكومة السابقة قد نشطت بصورة ملحوظة في عمليات التنقيب عن النفط منذ عام 1998، عندما أبرمت اتفاقية تعطي امتيازا لكونسورتيوم تقوده شركة دانا بتروليوم ويضم "وودسايد" و"بورنيو للنفط والغاز"، وبعد عامين أعلنت المجموعة عن تحديدها عدة مكامن هايدروكاربونية في المياه الضحلة والعميقة في موريتانيا. وتعمل المجموعة التي تقودها "دانا" على مساحة 34 ألف ميل وتغطي مربعات 1، 7، و8.
ووفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإلى جانب حقل شنقيط هناك مناطق أخرى واعدة مثل حقل تيوف، الذي يقع على بعد 16 ميلا شمال شنقيط، ويحتمل أنه يحتوي على 350 مليون برميل، وتم الحفر فيه بنجاح في شباط (فبراير) من العام الماضي، ويتوقع أن يبدأ الإنتاج العام المقبل بطاقة 50 ألف برميل يوميا يخطط لها أن ترتفع إلى 150 ألفا في العام الذي يليه.
وهناك أيضا حقل باندا الذي يقع على بعد 12 ميلا شرق العاصمة نواكشوط، وقد يكون فيه احتياطي غاز طبيعي يراوح ما بين ثلاثة ترليونات إلى خمسة ترليونات قدم مكعب، وأيضا حقل بيليكان للغاز وفيه احتياطي في حدود ترليون إلى ترليون ونصف ترليون قدم مكعب.
وتهتم شركات أخرى باليابسة، خاصة منطقة حوض تاوديني في الشمال الغربي من الصحراء الموريتانية، الذي تشير بعض تقارير الصناعة إلى أنه قد يكون أهم الحقول النفطية في غرب القارة الإفريقية. ففي كانون الثاني (يناير) من العام الماضي وقعت موريتانيا اتفاقيتين مع "توتال" الفرنسية لقسمة الإنتاج تغطيان مساحة 22.394 ميلا مربعا. كذلك حصلت شركة "ريبسول" الإسبانية، "وودسايد" الأسترالية، "الوطنية النفطية الصينية" على عقود للعمل في مربعات في منطقة الحوض المشار إليها.
وبسبب هذا النشاط تم تأسيس وزارة مستقلة للنفط لأول مرة قبل عام بالضبط، وأصبح وزيرها زيدان ولد حميدة، وهو الذي تعرض إلى استجواب وربما يواجه عقوبة السجن إثر الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومة معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.
الحكومة الجديدة اعتقلت الوزير السابق في كانون الثاني (يناير) واتهمته بالفساد وتعديل الاتفاقية لصالح شركة "وود سايد"، لكن الأخيرة ردت أنه بغض النظر عن الخلافات السياسية بين الحكومتين الحالية والسابقة، إلا أن التعديل الذي تمت إجازته الحكومة القائمة وقتها وكذلك البرلمان.
ومع أن الخلاف على أربعة ملاحق في الاتفاقية الرئيسية مع "وودسايد" القائمة على قسمة الإنتاج أنهى شائعات عديدة كانت تتحدث عن تأجيل في بدء الإنتاج، إلا أنه في المقابل لم تحدث تغطية إعلامية رسمية واسعة احتفاء بالحدث، إذ ترى الحكومة الحالية أن هذه الملاحق سلبت الكثير من الحقوق التي يفترض أن تعود إلى الدولة، وذلك لخفضها الحصة النفطية العائدة للحكومة.
ومع أن تفاصيل الاتفاقيات أو الملاحق لم تنشر بصورة رسمية، إلا أن السائد لدى الصناعة النفطية أن هناك نسبا متفاوتة للمناطق التي توجد في مياه ضحلة وتلك الموجودة في مياه عميقة، حيث تذهب حصة أكبر لمقابلة ما يعرف بزيت التكلفة للشركات العاملة التي تحملت المخاطرة والإنفاق على برامج الاستكشاف، التنقيب والحفر حتى مرحلة الإنتاج.
وفي ظل تهديدات بإلغاء تلك الاتفاقات وصل الأمر إلى التحكيم القضائي الذي يتوقع له أن يكتمل ويعلن الحكم في أيار (مايو) المقبل، ولهذا لا يبدو في الأفق احتمال حدوث تفاهم أو اتفاق ودي ما دام كل طرف يرى أنه على حق وفي انتظار الحكم. وشملت التحقيقات التي تجري حول الخلاف الاستماع إلى نحو 20 مسؤولا موريتانيا لأخذ إفاداتهم حول ما يعرفونه عن تصرفات الوزير السابق.
مشروع الإنتاج النفطي هذا يعتبر أكبر استثمار أسترالي في القارة الإفريقية، لذا سجلت أسعار أسهم شركة وودسايد تراجعا عندما تم تناقل أخبار الخلاف في الشهر الماضي، خاصة التصريحات المنسوبة لرئيس الوزراء سيدي محمد ولد بابكر، الذي أوضح أن مفاوضات جرت بين الطرفين لفترة شهر لم تؤد إلى نتيجة، وأن الموقف الحكومي يعتبر التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية ملغاة، لكنه أكد على أن الحكومة ستتقيد بالقانون والقانون وحده في نزاعها مع الشركة الأسترالية.
على أن الخلاف لن يعوق العمل وبدء الإنتاج من حقل شنقيط، وإنما سيتركز على المناطق الأخرى. العمل في حقل شنقيط اشتمل على حفر ستة آبار إنتاج، وأربعة للحقن بالماء وواحدة للحقن بالغاز. ويقع حقل شنقيط على مساحة 12 كيلومترا مربعا، كما يبلغ قطره 4.5 كيلومتر، ويوجد المخزون النفطي على عمق 1300 إلى 1900 متر تحت سطح البحر.
دخول موريتانيا إلى نادي الدول المصدرة للنفط سيوفر لها مبدئيا مبلغ 200 مليون دولار للخزانة، نظير نسبة 35 في المائة التي تعود إلى الدولة، كما سيخفف عبء توفير الاحتياطيات النفطية للاستهلاك الداخلي، حيث كانت تستورد 24 ألف برميل يوميا لمقابلة تلك الاحتياجات، وهو ما سيعطي دفعة قوية للحكومة العسكرية الجديدة التي قطفت ثمار جهد الحكومة السابقة فقط بعد سبعة أشهر من الإطاحة بها، وبالتالي سيساعدها على حكم ما يقارب الثلاثة ملايين نسمة، أكثر من 60 في المائة منهم يعيش على أقل من دولارين في اليوم. وأكد بيان حكومي على هذا بالتعبير عن السرور لهذا الحدث بسبب الجهود التي بذلت لتحقيق هدف الإنتاج النفطي والإسهام المتوقع منه لتحسين مستوى معيشة السكان.
وفي مسعى لتوفير إدارة جيدة للموارد النفطية، وضعت الحكومة آليات قانونية ومالية بهدف ضبط الإنفاق وتوجيهه نحو القطاعات التي تسهم في تحسن النمو الاقتصادي في البلاد، وأعلنت أواخر الشهر الماضي عن العزم على إنشاء لجنة في المستقبل القريب لضمان الشفافية في استخدام العائدات المالية من المبيعات النفطية في إطار صندوق وطني.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أنه إذا ما تم استغلال العائدات النفطية بصورة جيدة، وضخها في القطاعات الأخرى مثل النحاس، الحديد، الفوسفات والثروة السمكية، فإن الاقتصاد الموريتاني سيشهد طفرة لا يستهان بها.
ويعتبر الحديد من أهم ثروات البلد، إذ توجد في موريتانيا احتياطيات تبلغ عشرة مليارات طن، هي الأكبر في العالم، ويشكل نحو 40 في المائة من إجمالي صادرات البلاد. كذلك تعتبر الشواطئ الموريتانية من الأغنى بالثروة السمكية وتصل طاقتها الإنتاجية منها إلى نحو 600 ألف طن.

الأكثر قراءة