رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الهياكل التنظيمية للمؤسسات المدنية في حاجة ماسة إلى لمسة تطويرية

مع أننا في مرحلة من النمو المتسارع الذي يحتاج منا إلى التفاعل معها بشكل مخطط له ومنظم، إلا أننا نحمل معنا بعض المفاهيم من دون أن ندرك ذلك. هناك مفهوم عام تقريبا أن من الضروري أن تعج إدارات الأجهزة المركزية للمؤسسات بالموظفين للاعتقاد السائد أن هناك اختلافا للمهام الرئيسة بين المركز والفرع. إضافة إلى ذلك، فإن تقديم الخدمات عمليا، يحتاج إلى تعاميم وقرارات، تدل على حجم وهول المسؤوليات والصلاحيات. هذا شجع على تبرير إيجاد غرف أكثر و«أكبر»، وتجهيز مكاتب أحدث، وزيادة مواقف للسيارات، وغير ذلك من تبعات تلزم تطور الوضع مكانيا وإداريا وتنظيميا. لذلك تم استئجار بعض المباني، وأعيد تصميم المباني القائمة، وتم بناء جديدة. المشكلة أنه بعد كل هذا التأقلم والتحديث وإعادة التنظيم تصبح المشاريع بعد فترة وجيزة أو حتى مع الانتقال للوضع الجديد غير كافية أو ملائمة لأداء بعض المهام أو حسب مستويات بعض الوظائف. كما نكتشف أن هناك حاجة إلى استراحة للموظفين أو قاعة للمحاضرات أو مساحة لاستقبال الضيوف أو مستودعات صغيرة للمطبوعات أو موقع لأجهزة الخدمات الذاتية أو غرف متوزعة بشكل جيد لرجال الأمن في المنشأة... إلخ. هنا تبدأ رحلة إعادة التصميم والترميم والتكسير والتجبير معيدة كل ما مررنا به من السابق إلى سابق عهده.
من ناحية أخرى، في كثير من القطاعات تطلبت المرحلة تعدد الفروع التي ترتبط بها الأجهزة المركزية مع المناطق على مستوى المملكة لتقديم الخدمات بشكل أفضل. ولا ننسى مشكلة تأخر استخدام تقنية المعلومات وعدم القدرة أو التململ في توظيف المعلومات لتطوير آلية العمل مما يجعل المنسوب أو الموظف يفضل سابق العهد عن تبني متطلبات الغد لأن في ذلك حماية من المحاسبة وتحديد المسؤوليات... إلخ. هذا انعكس على الأداء فكان التساؤل عن مستوى مواءمة الوظائف لمتطلبات الخدمة في مفهومها الجديد والمتجدد دائما. إضافة إلى ذلك ما إذا كانت الأعداد وبالتالي المواقع كافية للقيام بدورها تجاه المجتمع. لقد أصبح البحث عن سرعة إنجاز المهمة لتفادي الشكاوى هو المقياس لإنتاجية الفرد، بينما توجه الحوافز وتحدد الترقيات بناء على تعبئة استمارة يكاد يكون التقويم فيها موحدا.
ضمنيا فقد أثر ذلك في رضا المراجع أو المستفيد في نوعية المخرج ونتيجة “تخليص المعاملة”. وجعل الموظف يبحث عن هويته الوظيفية قلقا لأن بعد ثلاث إلى خمس سنوات سيكون الوقت أصعب في استيعابه بتوافر البديل المؤهل علميا ووظيفيا ولغويا. كما أن نتيجة ازدياد عدد السكان وتنامي الحاجة للتغطية الخدمية تحتم زيادة نقاط الخدمة مما يعني الانتقال إلى مدن ومواقع أخرى قد تبدو للبعض صعوبة في حد ذاتها. فتبدأ سلسلة من التوسطات والشفاعات تكرس مفهوم تضخيم الهياكل في كثير من المواقع التنظيمية أو الخدمية دون أن ينتج عنه مرونة وسهولة وسرعة واحترافية في خدمة الفرد.
لذلك أعتقد أننا قبل التفكير في إنشاء هيئة أو وزارة أو إيكال ذلك إلى مؤسسة نحتاج إلى القيام بدراسة موسعة على مستوى المملكة لإعادة هيكلة المؤسسات المدنية واقتراح تعديل ما يمكن من التصنيف الوظيفي للسلالم الوظيفية المختلفة والمهام الوظيفية للقطاعات الخدمية بالذات. قد تبدأ الدراسة بإعادة تحليل بيئة المؤسسة بناء على التغيرات والمستجدات التي حدثت في آخر خمس سنوات، ومن ثم تطوير أدائها بالإفادة من تحسين الهياكل التنظيمية. يمكن لهذه الدراسة أن تنظر في كيفية استغلال الإمكانات والاهتمام بنوعية التشغيل بناء على مدى العلاقة بين الإدارات بمختلف مستوياتها وبما يمكّن من الحفاظ على البنية الداخلية ونظام العمل واستيعاب الجديد. وبالنظر إلى ما نعيشه من نمو وانتعاش اقتصادي كبير ولله الحمد، فعلينا توجيه الأنظار إلى الحفاظ على البيئة والطاقة، والحفاظ على تطوير مستوى الأداء والإنتاجية، مع التخلي عن كثير من العمليات البينية الروتينية. تتم إعادة صياغة التوصيف الوظيفي، وتحديث صلاحيات كل مستوى، وإعداد برامج تأهيلية تمهيدا لمنح بعض الصلاحيات في الجهاز المركزي وللفروع. قد نهتم بأسلوب العمل كفريق وكأسرة فيتم تضمين تبادل المعلومات حسب النظم واللوائح المقننة لذلك، وتحسين استخدام الوسائط التقنية الحديثة لإنجاز المعاملات بشكل أفضل وأسرع دون الحاجة للتنقل أو الاجتهاد في الأداء. نريد هياكل تنظيمية تحدد المسؤوليات فتبرز المجتهد فيكافأ، وتجعل المنسوب يحافظ على استمرار تطوير ذاته علميا ومهاريا ليرتقي ويترقى وهو مؤهل لذلك.
في اعتقادي يمكن تبني مثل هذه الدراسة الوطنية الضخمة خلال العام المقبل لتكون بداية الخطة الخمسية المقبلة شاهدة على نتائج تنموية مثمرة إذا ما بدأت عملية إعادة الهيكلة والتنظيم بناء على ما وصلنا إليه من توظيف قدرات بشرية مؤهلة والتزام إداري ومهني وأخلاقي بما توفر ونشر وعمم من أنظمة ولوائح تواكب مستجدات العمل في كل جهاز. إضافة إلى توقع وصول الآلاف من الخارج، وهم من يعول عليهم إحداث النقلات النوعية في خططنا التنموية المقبلة ـ بإذن الله ـ. قد يكون في تطوير نموذج model في برنامج محاكاة Simulation Program ما يسرع إيضاح بعض النقاط ومن ثم يوجه الدراسات بشكل أكثر تركيزا، ولكن تبقى بعد ذلك الرغبة في القيام بهذا الأسلوب أو اتباعه.
إن انفتاح كثير من المؤسسات على المجتمع أصَّل لأسلوب مثالي جديد للتعامل مع احتياجاته. كما أن استمرار ضخ الدماء الجديدة وتطور المهام الوظيفية في كل قطاع لن يقف عند حد. فهل يمكن البدء من الآن؟ والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي