رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


انظروا من يتحدث ويطالب.. إنهم المقاولون!!

لا غرابة أن نشاهد أو نسمع أو نقرأ هذه الأيام تقارير ومقابلات وشكاوى من المقاولين في المملكة وشركات المقاولات بشكل عام والمطورين العقاريين حول عدم قدرتهم على العمل بسبب شح التمويل الذي يواجهونه من قبل المصارف! وهي شكوى بدأت للوهلة الأولى حقيقية وذات مشروعية. وقبل الدخول في التفاصيل، أود التأكيد على أن هذا الكلام لا ينطلق من موقف شخصي تجاه المقاولين ولا من موقف مؤيد للمصارف أيضا في عدم تمويلها للمقاولين.
وللتأكيد على عدم موافقة المصارف على عدم التمويل يكفي الإشارة إلى انتقاد صريح لي في مقال الأسبوع قبل الماضي للمصارف تحت عنوان « القطاع المصرفي... تفاءل» بتاريخ 14 تشرين الأول (أكتوبر). رغم أن كثيرين ممن علقوا على المقال مشكورين، انتقدوا الإشادة بالمصارف وهو دليل على أنهم لم يقرؤوا المقال كما أريد منه! حيث اعتبروا أن عملي الرسمي يجبرني على قول ما قلت رغم أن ما قلت يحسب علي وليس لي أمام مسؤولي المصارف!
وبالعودة إلى موضوع المقاولين الذين استخدموا كل وسائل الإعلام في شكوى متكررة من عدم قدرتهم على الحصول على التمويل. دعونا أولاً نتحدث عن حجم التمويل المقدم من المصارف المحلية للمقاولين منذ أربع سنوات وحتى اليوم (يعني قبل الأزمة وبعدها) فقد وصلت أحجام التمويل في نهاية الربع الأول من العام الحالي 2009 إلى نحو 52,6 مليار ريال مشكلة ما نسبته 7,4 في المائة من إجمالي التمويل في المملكة، الذي بلغ 707 مليارات ريال. في حين أنها كانت (أي تمويل قطاع البناء والتشييد) إلى 54,4 مليار ريال في نهاية عام 2008 مشكلة النسبة نفسها تقريباً، وإلى نحو 43,4 مليار ريال في عام 2007، ونحو 37,9 مليار ريال في نهاية عام 2006. ورغم النمو الواضح في حجم التمويل إلا أنه تراجع كنسبة من إجمالي التمويل المشار إليه بنحو 1 في المائة خلال أربعة أعوام. وهو أمر من وجهة نظري الشخصية طبيعي، وكان يمكن أن يكون أسوأ بكثير!
وقبل أن نشرح لماذا هو طبيعي ذاك التراجع في التمويل، لنتحدث عن مطالب المقاولين بشيء من التفصيل. أولا: هم يريدون أن يكون هناك خط تمويل مفتوح بحكم المسؤولية الوطنية على المصارف لتمويلهم، وأنهم يقومون بواجبهم الوطني في التنمية! جميل هذا الكلام! ثانياً: وصل الأمر بهؤلاء المقاولين عبر بعض رؤساء اللجان المسؤولة عنهم في الغرف التجارية ومجلس الغرف إلى المطالبة بتأسيس صندوق حكومي على غرار صندوق التنمية الصناعية، بل إنهم حددوا رأسمال الصندوق المطلوب بعشرة مليارات ريال! ولا أعلم لماذا عشرة مليارات رغم أن المصارف منحتهم أكثر من 50 مليارا وهي ليست كافية! بل إن بعض المحللين رأوا أن السبب يعود للأزمة المالية وكأنها شماعة يعلق عليها كل أمر يحدث. ولكن قراءة الأرقام لا تشير إلى أن التراجع المحددة (1 في المائة) لا علاقة له بالأزمة، بل إن الأزمة كانت سببا طيبا لنتوقف قليلاً كمجتمع وكمسؤولين لمحاولة معرفة لماذا يقدم المصرف على التمويل في جوانب ويحجم عنه في جوانب أخرى؟ بل أجزم أن الأزمة سوف تؤدي إلى مزيد من الحصافة في التمويل أكثر من سابق الأيام! رغم أن المملكة سجلت أفضل سجل عالمي في إدارة التمويل من قبل القطاع المصرفي بدليل أرقام الأزمة العالمية لكل دول العالم وحالها اليوم مقارنة بحال التمويل لدينا في المملكة.
أما لماذا كون التراجع طبيعيا، بل أتوقع أن يكون أكثر من ذلك في قادم الأيام؟ فهو لأننا سنشهد عددا من شركات المقاولات تخرج من السوق وتفلس! والسبب ليس شح التمويل كما تدعي، ولكن داخلي بحت من قبل شركات ومؤسسات المقاولات نفسها. وقد ينطبق هذا الحديث على قطاعات أخرى أيضا! فالقطاع الخاص يعيش حالة مخاض طويل ستنتهي بنتائج لن تكون مرضية للقطاع الخاص بفكره القديم ورموزه. لكنها فرص للقادمين من الأمام وليس الخلف!
والرد كما يلي. أولاً: لا يتميز قطاع المقاولات في المملكة بأي تنظيم رسمي له ولا تصنيف! وهذه مشكلة تنظيم رسمي وليست مشكلة المقاولين! ثانياً: القطاع مشتت بكل معنى الكلمة، وذلك عبر شركات ومؤسسات فردية لم تتطور عبر عقود من الزمن منذ بداية الطفرة العقارية الأولى أوائل السبعينيات، كما هي حال كثير من قطاعاتنا مع كل أسف! واقتصاديات الحجم مهمة في هذا القطاع لاقتصاد مثل اقتصاد المملكة الذي يشهد ثورة من نوع مختلف عن تجاربنا السابقة، وهي ثورة بحاجة إلى شركات ومؤسسات ذات كيانات كبيرة تستطيع تنفيذ مشاريع التنمية، التي لم تعد مباني وطرقا صماء ولكن إنشاءات تنبض بالحياة. وبحاجة إلى تنفيذ بمقاييس ومعايير عالية الجودة. ودليل ذلك الفشل الذريع الذي تعيشه شركات ومؤسسات المقاولات في تنفيذ المشاريع، التي تصل قيمتها خلال الخمسة أعوام القادمة حسب إعلان خادم الحرمين الشريفين والمسؤولين إلى نحو 400 مليار ريال.
في هذا الصدد تكفينا الإشارة إلى توقيع وزارة التربية والتعليم مع شركات مقاولات «صينية» قبل فترة وجيزة لتنفيذ إنشاء مدارس بمبالغ تصل إلى ملياري ريال. ويتوقع أن نرى مزيدا منها مع شركات مماثلة لأنه وحسب ميزانية المملكة هناك آلاف المدارس والمستشفيات والجامعات والمباني والطرق يجب أن تنشأ حسب خطط التنمية المعلنة.
كذلك علينا أن نلقي نظرة سريعة على طريقة تنفيذ المشاريع من قبل المقاول المحلي سواء في البناء أو أعمال السفلتة أو الصيانة. إنها قمة البدائية في التنفيذ! وقد كتب كثير من الكتاب عن حوادث الموت بسبب مقاول لطريق أو عدم تنفيذ الحد الأدنى من وسائل السلامة. وبمقارنتها مع دول مجاورة، نشاهد كيف يتم تنفيذ المشاريع وما هي متطلبات السلامة عند تنفيذها! ففي الحي الذي أسكن فيه سقطت سيارة كاملة في حفرة مقاول تنفيذ مشروع المجاري نتيجة عدم وجود حواجز واضحة لتلك الحفر! وما حدث في جدة والرياض وما لم يعلم قد يكون أكثر! وهنا أنا لا ألوم المقاولين فقط. لكن اللوم يطول أيضا الجهات الرسمية التي ترسي تلك المشاريع على تلك النوعية من المقاولين عبر تصنيف قديم ليس له دلالة على أرض الواقع، ولكن كما قال أحد المسؤولين، الجود من الموجود! لكنني أعتقد أن ذلك هو عذر العاجز!
إذاً، المشكلة ليست مشكلة تمويل ويجب أن يحجب التمويل بصراحة عن تلك النوعية من المقاولين، حتى وإن أدى ذلك إلى خروجهم من السوق، إلا من خلال اشتراطات محددة في كل النواحي الفنية والإدارية والمالية وإجراءات الأمن والسلامة. وأن يكون لدينا تصنيف رسمي لهم يختلف عن المعمول به اليوم إلى فئات. كذلك وهذا هو المهم منع قضايا ترسية المشاريع على مقاولين كبار! يقومون هم بدورهم بإعطائها من الباطن إلى مقاولوين أصغر، وهذا المقاول إلى مقاول أصغر منه (عملية بيع وشراء)، لننتهي بمشاريعنا تنفذها عمالة سائبة جاءت دون كفاءات وتخرج من بلادنا بأموال وكفاءة وخبرة على حساب المشروع الوطني وسلامة أرواح مواطنينا! هل تعلمون أن هناك شركات مقاولات فقط على الورق دورها الحصول على المشاريع الرسمية، ومن ثم تعطي من الباطن لأفضل عطاء يأتيها من قبل المقاولين؟! والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي