اتفاقية ليزبون.. هل تغير الاتحاد الأوروبي؟
خبر يجب ألا يمر دون التمعن فيه، والتعلم منه، إنه خبر مصادقة إيرلندا في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر)على اتفاقية ليزبون في التي تم التوقيع عليها في عام 2007م من قبل دول الاتحاد الأوروبي، ليتبقى فقط أن تصوت التشيك على الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ. وكانت مخاوف وقلق كبير في أوساط قادة الاتحاد الأوروبي من أن تصوت إيرلندا (بلا) على الاتفاقية مرة أخرى بعد أن رفضتها في عام 2008. المخاوف الآن تتجه إلى التشيك، حيث ينشط معارضو الاتفاقية لإحباطها وعلى رأسهم الرئيس التشيكي فالكاف كلوس.
لكن ما أهمية اتفاقية ليزبون، وكيف ستغير هذه الاتفاقية وجه الاتحاد الأوروبي؟ اتفاقية ليزبون ستغير الطريقة التي تدار بها عملية اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي، حيث ستحل محل اتفاقيتين مهمتين وتاريخيتين بالنسبة للاتحاد هما: اتفاقية الاتحاد الأوروبي التي تم التوقيع عليها في ماسترخت عام 1992، والثانية اتفاقية تأسيس الجماعة الأوروبية التي وقعت في روما في عام 1957 والتي كانت الأساس الذي قام عليه الاتحاد الأوروبي.
يتميز الاتحاد الأوروبي بهيكل معقد لاتخاذ القرارات، فالمفوضية الأوروبية هي الوحيدة التي لها الحق باقتراح القوانين، التي تناقش في المجلس الوزاري Council of Ministers، وتحتاج أيضاً إلى التصويت عليها في البرلمان الأوروبي. والمفوضية الأوروبية جهاز يمثل الاتحاد الأوروبي بشكل مستقل عن الدول وبذلك له الحق في اقتراح الأنظمة والتشريعات الأوروبية، بينما يمثل في المجلس الوزاري الحكومات الأوروبية الـ 27، ويختلف تشكيله حسب القضية المطروحة، فإذا كانت القضية زراعية، كان الممثلون فيه هم وزراء الزراعة في الاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك، فليس هناك رئيس محدد للمجلس الوزاري، وإنما يرأس الجلسة ممثل دولة الرئاسة للاتحاد الأوروبي الذي تنتقل فيه الرئاسة من دولة إلى أخرى كل ستة أشهر.
ومن أهم التغييرات التي ستقدمها الاتفاقية تعديل عملية التصويت في المجلس الوزاري حيث تعتمد على التصويت بالأغلبية المؤهلة Qualified Majority Voting، وإشراك البرلمان الأوروبي بشكل أكبر في عملية اتخاذ القرار مع المجلس الوزاري، وخلق منصب جديد في الاتحاد وهو رئيس للمجلس الأوروبي European Council لمدة سنتين ونصف لكل رئيس، وإحداث منصب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية ليوحد السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي. إضافة إلى ذلك سيؤدي التصديق على الاتفاقية ودخولها حيز التنفيذ إلى جعل ميثاق حقوق الإنسان الأوروبي ملزم قانونياً لجميع دول الاتحاد.
وفيما يتعلق بعملية التصويت في المجلس الوزاري فإن التغيير الرئيس الذي تطرحه اتفاقية ليزبون يتمثل في زيادة عدد الأصوات المطلوبة لتمرير القرارات، وفي الوقت نفسه وضع حد أدنى يتمثل في أربع دول تعترض على القرارات لكي لا يتم تمريرها. وهذا سيؤدي إلى أن لا تتمكن الدول ذات الكثافة السكانية العالية من الاعتراض على تمرير القرارات، وبالتالي يوفر مرونة أكبر في عملية اتخاذ القرار في الاتحاد الأوروبي. أما التغيير الرئيس الآخر فهو منصب الممثل الأعلى للسياسة الخارجية الذي سيسهم في تعزيز موقف الاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية.
وجاءت اتفاقية ليزبون نتاج سنوات من العمل بين دول الاتحاد الأوروبي الـ 27، وكانعكاس لفشل التصويت على الدستور الأوروبي الذي رفضته كل من فرنسا وهولندا، والذي كان نقطة سوداء في تاريخ الاتحاد، حيث ساد شعور بصعوبة التقارب السياسي بين دول الاتحاد. لذلك كانت هذه الاتفاقية وسيلة لإزالة أثر ذلك الفشل، وطريقة للانتقال بشكل مرحلي مدروس إلى عملية الاتحاد السياسي الكامل بين دول أوروبا. لكن على الرغم من ذلك فهناك الكثير من الانتقادات لهذه الاتفاقية خصوصاً من دعاة الفيدرالية الأوروبية.
فالبعض يرى أن فاعلية هذه الاتفاقية في إدارة دفة القرار في الاتحاد الأوروبي ستكون ضعيفة وستأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يتم فهمها واستيعابها بشكل كامل من قبل دول الاتحاد. كما أن رئيس المجلس الوزاري سيكون شكلياً كما يرى البعض الآخر ولن يكون له دور حقيقي في دفع عملية اتخاذ القرار. كما أن الدول الكبرى في الاتحاد ستستمر في تبني سياساتها الخارجية المستقلة مما سيضعف من دور الممثل الأعلى للسياسة الخارجية. كل هذه الأمور كما يرى المتشائمون ستعوق من تقدم الاتحاد نحو الفيدرالية الأوروبية ومن ثم لا يرون أن الاتفاقية ستضيف شيئاً جديداً.
لكن المعروف تاريخياً في الاتحاد الأوروبي أن كل فشل سياسي في الاتحاد يعقبه نجاح وتقدم على الجانب الاقتصادي، لذلك فإن المتوقع على الأقل أن تسهم الاتفاقية في دعم أكبر لعملية التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد الأوروبي. هذا الأمر يجب أن ننظر إليه بعين المراقب والمتابع لأنه حدث تاريخي يهم دول المنطقة بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية التي تربطها بدول الاتحاد.