الاستراتيجية الصحية إصلاح شامل وتطوير متكامل (3)
في الأساس الاستراتيجي التاسع وضعت سياسات وآليات تنفيذية «نظري» جيدة مع كثير من الأمل.
لا شك أن الأمل هو وقودنا في الحياة وهو الجيد في في هذا الأساس إلا أننا نريد خططا محكمة تكون في مساراتها إيجاد مرافق صحية علاجية متخصصة أو تأهيلية وتعليمية أو غير ذلك ويكون من ثمارها تأثير إيجابي في الجانب السريري والتعليمي، إضافة إلى المعرفة الفردية بكيفية زيادة المعلومات وتطوير المهارات وتحسين العلاقات.
إن تحويل القائم بطريقة «القص واللزق»، كتكديس الأدوات والأجهزة دون استخدام أو إحضار المنسوبين مساء ليلقوا عن ظهر قلب ما حفظوه في النهار، أو إعادة تنظيف وتنظيم الغرف أو حتى قولبة المجالس الإدارية على «هوى» الرئيس أو المدير، ليس من التطوير والجودة في شيء. خدمات الوزارة الآن تقدم من خلال 20 مديرية تغطي المناطق الإدارية الـ 13. هذا يعني أن العمل خلال العامين المقبلين على أقل تقدير سيكون على مدار الساعة مركزا على رفع الواقع «المرير» في بعض المرافق و»الجميل» في أخرى، إعداد قوائم متطلبات التطوير ومن ثم تشكيل فرق العمل المتعددة للبدء في تنفيذ الحلول الممكن تطبيقها والإعداد لغير الممكنة حاليا. ما يهم هو هل يعرف المنسوب ما أهمية وجود هيئة أو مجلس أو منظمة مثل JCAH من المؤمل أن نصل لإيجاد مثيلة لها في المملكة.
ليتنا في خضم هذه المعمعة نركز على بناء أبناء الوزارة أو المؤسسة ليقوموا بأدوارهم أو حتى يبتعثوا أو ينخرطون في ورش عمل ليتعلموا كيف يمكن أن يقوموا بذلك. إن تكريس مفهوم جلب المستشارين دون أن يلازمه تحضير جيد لأبناء الوطن ليكونوا يوما هم القادة والمشرعين والمنفذين ومن ثم تتمكن المنشأة من إدارة نفسها، سيجعلنا ندور في حلقة مفرغة إلى ما شاء الله.
هذا التوجه سينتهي بالتحويل الراسي أو متابعة علاج الحالات مهما اختلف نوع التشغيل وتعزيز الأساليب الحديثة في التشخيص وما إلى ذلك من جمل «صحية» أطرت هذا الأساس وسياساته. أما بالنسبة للمستشفيات التعليمية فلا بد من إعادة تأهيل القائمة وإنشاء ما لا يقل عن مستشفى تعليمي لكل جامعة فيها كلية طب أو كلية طب أسنان أو كلية علوم طبية تطبيقية. هذا سيمكن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية من تعزيز برامج الزمالة في المملكة وتوسيع قاعدتها خصوصا إذا ما تم التعاون مع أفضل المراكز الطبية وكليات الطب في العالم.
بقي أن أنوه بأن الارتباط كبير بين سياسات هذا الأساس والأساس الأول، والأساس العاشر في مسألة تكاليف العلاج، وقد يكون في التأمين حل ولكن مع زيادة المرافق العلاجية وتنوع تخصصاتها تزداد التكاليف وهنا ليتنا نهتم بعدم تحميل الفرد تبعة ذلك على الأقل للسنوات العشر المقبلة ووضع ذلك للدراسة والتقييم فيما بعد قبل الانتقال للنصف الثاني من الفترة. أما المؤسسة العامة للمستشفيات التي نشر عنها الكثير فقد يكون الآن دور مجلس الخدمات الصحية بعد إعادة تنظيمه وتشكيله رأي آخر، والله أعلم.
بالنسبة إلى توزيع الخدمات الصحية في الأساس الاستراتيجي العاشر من الاستراتيجية, لم يكن هناك جديد يذكر فالتوجه موجود في كل ما سبق من الأسس. كما أن النوايا كلها ولله الحمد حسنة وتهدف لتحقيق ذلك وقد اتبعت آليات عدة لتنفيذها خلال العقود الثلاثة الماضية ولكن لا بد أن تطرح هذه المسألة بالذات وتناقش بالتفصيل مع عدة جهات معنية مثل وزارة المالية، ووزارة الخدمة المدنية، ووزارة الصحة نفسها ومن ثم مجالس المناطق. هذا سيجعل العبء ملقى على مجلس الخدمات الصحية الذي يدعمه توجه جميع الأعضاء الممثلين للجهات الصحية في القطاع في جميع المناطق والذين يشكلون أفضل حلقة في دوائر المسؤوليات. مما يشد الانتباه هو أن سياسات هذا الأساس تركز على زيادة المرافق الصحية وهذا مطلب حسن ولكن المواءمة بين المطلوب والمفترض أن يكون على أرض الواقع تحددها الأولويات وإذا كانت المعلومات متغيرة من منطقة إلى أخرى ومن وكالة إلى وكالة فكيف سنصل إلى «التوزيع المتوازي»؟ ثم ما الميزانية المطلوبة لهذه المرافق الجديدة التي لا تقل تكلفتها عن 60 مليار ريال إجمالا (تقدير شخصي)، إذا افترضنا تخصيص ثلاثة مليارات سنويا مضافة إليها تكاليف الجودة (التطوير الإنشائي والتقني والمهني) على مدار سنوات تطبيق الاستراتيجية؟.
ثم يأتي السؤال المهم وهو: من يضمن ويضبط تنفيذ ذلك عبر الـ 20 عاما المقبلة مع تغير الإدارات سواء في هذه الجهة أو تلك؟. اعتقد أن مجلس الخدمات الصحية ومن ورائه مجلس الشورى لديهم تفاصيل أكثر في هذا الموضوع بالذات لأنه في حاجة إلى دراسات موسعة في هذا المجال قبل الطرح.
في الأساس الاستراتيجي الـ 11 تكمن الشفرة التي تحتاج إلى فكها وتحليلها. في كثير من الجهات دائما ما نحوم حول تطبيق معايير الجودة ولكن لا نحقق ما نتمناه. إن أحد أهم مشكلات هذا الأساس ولم يلوح لها من قريب أو بعيد هي التمويل. ثم من بعد ذلك أن تكون الجودة هاجس أعلى سلطة في الجهاز التي لا يغمض لها جفنه.
في الأول؛ قد يقول قائل: إن هذه استراتيجية، وليس من شأن معديها إلا أن يركزوا على الهدف. ولكن أقول: إن رفع الواقع استند إلى إبراز مشكلة التمويل، وأن أول كلمة في الأساس الاستراتيجي الأول هي «التمويل»، وأن أهم مؤشر كان زيادة نسبة الإنفاق الصحي، وأن أهم آلية في تقوية البنية التحتية لبرامج الرعاية الصحية الأولية في الأساس الاستراتيجي السابع هي: تخصيص الاعتمادات.
لذلك، فالصرف في هذا الأساس الاستراتيجي المهم هو أساس النجاح، فكيف السبيل إلى تنفس الصعداء؟
وللحديث بقية.