الصناديق العقارية «حج وبيع سبح»
بعض الحجاج وهم قادمون إلى الديار المقدسة لأداء فريضة الحج يحملون معهم سلعاً وبضائع ومنتجات يبيعونها لتغطية بعض أو كل تكاليف حجهم، وكل من حج رأى هؤلاء الحجاج التجار في ساحات منى وشوارع مكة المكرمة يعرضون بضائعهم وتجارتهم في ظاهرة قديمة قدم الحج نفسه، ولكون ''السبح'' من السلع الأقل وزنا والأكثر بيعا فقد كان كثير من الحجاج يأتون بها معهم لبيعها ما ولد المثل القائل ''حج وبيع سبح'', الذي أصبح يضرب عندما يريد أي كان تحقيق هدف رئيس وهدف ثانوي فرعي متلازم معه يعزز تحقيق الهدف الرئيس دون تكاليف إضافية تذكر, كما تعزز مبيعات الحجاج قدرتهم على تحمل تكاليف الحج والعودة إلى ديارهم سالمين غانمين.
في بلادنا نعاني أزمة إسكانية قائمة ويخشى تفاقمها مستقبلا، وفي ظل التوجهات الاقتصادية لبلادنا وواقع القطاع العقاري الذي تشكل عبر أكثر من 50 سنة مضت أستطيع القول بكل ثقة إن الاعتماد على موازنات الدولة لن يحل هذه الأزمة وأنه لا خيار أمامنا سوى التوجه لتفعيل قوى عناصر السوق العقارية (المطورون، الممولون، المستفيدون، الوسطاء، المقيمون، المقاولون، والموردون.. إلخ) بتنظيمها وتطويرها وحماية المتعاملين بها وتحفيزها بتحسين الأنظمة وتسهيل الإجراءات ودعم المطورين من خلال المساهمة في استكمال البنى التحتية والعلوية ( شبكات تمديد الخدمات، إيصال الخدمات للأحياء المطورة، الطرق, الإنارة, والتشجير .. إلخ) وتسهيل حصول المطورين والمقاولين وشركات التمويل العقاري على التمويل وإعادة التمويل للاستمرار في دورات إنتاجية متتالية توفر المنتجات العقارية عالية الجودة متعاظمة القيمة المتناولة سعريا, حيث يستطيع المواطن من الطبقة المتوسطة اقتطاع ما لا يزيد على 30 في المائة من دخله الشهري لشراء المنزل الملائم في الوقت المناسب ليستقر وأسرته نفسيا واجتماعيا ليكون مُؤهلا ومُحفزا لمزيد من الإنتاج والعطاء في عمله أو تجارته.
وإذا بحثنا في كل المحفزات التي تدعم عناصر قوى السوق لوجدنا التمويل يمثل المحفز الأهم والأكبر على اعتبار أنه أكسجين أي نشاط تجاري, وكلنا سمعنا عن توقف أو تأجيل كثير من المشاريع العقارية في بلادنا والدول المجاورة بسبب شح التمويل عندما وقعت الأزمة المالية العالمية وأحجمت المؤسسات والأسواق المالية عن تمويل المطورين والمقاولين, وبالتالي فإن الممولين سواء كانوا مؤسسات مالية أو أفرادا (من خلال السوق المالية) يعدون أهم عناصر السوق العقارية التي يجب تعزيز قوتها للقيام بدورها على أكمل وجه لزيادة الإنتاج العقاري الذي يشكل الإسكاني منه نحو 70 في المائة, كما هو معتاد.
ولتحقيق الهدف الرئيس المتمثل في تمويل الشركات العقارية المطورة التي بدورها ستمول المقاولين بدفعات دورية حسب جداول التنفيذ علينا أن نفكر في تحقيق هدف ثانوي مهم أيضا يعزز قدرة السوق التمويلية على تحقيق الهدف الرئيسي – كما هو وضع بيع ''السبح'' في الحج – وهو تحقيق عوائد استثمارية للممولين من الأفراد أصحاب المدخرات الذي يرغبون في تنميتها لتساعدهم على تحمل تكاليف معيشة أسرهم التي تتوسع عددا وتزداد مطالبها بمرور الزمن كما ونوعا, وذلك بطرح أدوات تمول المطورين من ناحية وتوفر فرصة استثمارية آمنة ومجزية لأصحاب المدخرات لتنمية مدخراتهم من ناحية أخرى.
الصناديق العقارية التي كشف الخبير والمستشار الاقتصادي خالد سيف الدوسري بحسب ما نشر في موقع ''أرقام'' يوم السبت الموافق 10/10/2009, أن هيئة السوق المالية تدرس أكثر من 20 طلباً للموافقة على طرحها في مناطق المملكة تمثل صيغة تمويلية رائعة تحقق الهدف الرئيس (تمويل المطورين) والثانوي (تنمية مدخرات المواطنين) بشكل يعزز كل منهما الآخر بما يفضي بالمحصلة إلى تنمية السوق العقارية في بلادنا وتعزيز قدرتها على إنتاج كميات كبيرة ومتنوعة من الوحدات السكنية الجيدة والملائمة لجميع الطلبات بأسعار متناولة، كما تفضي إلى نمو مدخرات المواطنين في أدوات استثمارية آمنة ومجزية, خصوصا إذا علمنا أن طرح مثل هذه الصناديق مدروس من قبل هيئة السوق المالية بما يحفظ حقوق المساهمين ويحقق لهم عوائد مجزية ويتيح لهم تداول وحداتها متى ما أرادوا تسييلها لأي ظرف استثنائي كان.
صيغ الصناديق العقارية متعددة من حيث درجة المخاطرة، وبكل تأكيد فإن الصناديق العقارية المدرة للدخل أو ما يطلق عليها البعض ''صناديق الدخول'' والمدعومة بعقارات مؤجرة ومقيمة تقييما عادلا وإيجاراتها تشكل نحو 10 في المائة من قيمتها (الإيراد المعياري للعقارات المؤجرة) ومن المتوقع تعاظم قيمتها بمرور الزمن وفق مؤشرات متعددة ( مطورة تطويرا مؤسساتيا شاملا، تقع في مناطق سيزداد سكانها ويصلها مزيد من الخدمات إلى غير ذلك من الأسباب), أعتقد أنها تمثل الصيغة الأكثر أمانا والأكثر فائدة وتحفيزا لأصحاب المدخرات لعدة أسباب: فهي تحقق عوائد سنوية نقدية تمكن المستثمر من الاستفادة منها إذا أراد ذلك بخلاف تلك التي لا تحقق أي عوائد مالية إلا إذا انتهى المشروع الذي يطوره الصندوق بالتعاون مع المطورين العقاريين، ولأن تلك الصناديق تمتلك عقارات من المتوقع ارتفاع أسعارها بمرور الزمن ما يجعل الصندوق يحقق إيرادات أخرى تتمثل في هامش الربح نتيجة الفرق بين سعر تقييم العقارات عند تأسيس الصندوق وسعرها عند تصفيته، وبالتالي فإن العائد المالي للمستثمرين خلال مدة الصندوق التي قد تصل إلى خمس سنوات عائد جيد حسب المعايير الاستثمارية المتعارف عليها وهو ما يجعلني آمل من هيئة السوق المالية والشركات العقارية أن تطرح صناديق عقارية مدرة للإيرادات كمرحلة أولى لكسب ثقة المستثمرين الأفراد من أصحاب المدخرات ومن ثم طرح الصيغ الأخرى تباعا حتى تصبح عندنا بدائل استثمارية متعددة بمرور الزمن تحفز أصحاب المدخرات لتمويل المشاريع العقارية بما يسهم في معالجة الأزمة الإسكانية بالمحصلة من ناحية وتنمي مدخراتهم من ناحية أخرى بما يعود على الوطن والمواطن بالخير والفائدة, بإذن الله, فضلا عما يعنيه ذلك من تنمية للسوق المالية التي مازالت المضاربة على الأسهم تمثل الخيار شبه الوحيد فيها.