المسلسلات في رمضان .. دراما رمضانية أم تراجيديا وطنية؟ (2 من 2)
تلقيت عديدا من الرسائل بعد مقال الدراما الرمضانية تراجيديا وطنية، مجمل التعليقات يدور حول يأس البعض من إمكانية قدرة الدراما السعودية على تقديم الوجه الحقيقي للدور السعودي في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والإنسانية والإسلامية والعربية لأسباب مختلفة. البعض عزا هذا الفشل بسبب النظرة السلبية للمجتمع السعودي للمجتمع الفني وأنه مجتمع غير أخلاقي، بينما عزا البعض الآخر لتخلف الدراما السعودية لغياب المعاهد أو التخصص في الجامعات السعودية إلى غير ذلك من الأسباب.
ولعلي في هذا المقال أن أتحاور مع هذه المداخلات على اختلاف مشاربها. فما زلت ابتداء أصر على أن الممثل والمخرج والسيناريست والكاتب أدوات لمعالجة قضية ما وإبرازها. لكن الشيء الذي لا بد أن يكون سعودي المنشأ هو الهدف الدرامي والقضايا المراد إبرازها للمتلقي. فإذا كان لدينا قضية ومبدأ نريد إيصالها للناس فبإمكاننا - ولو لفترة مؤقتة - أن نستورد الكاتب والسيناريت والمخرج بل وحتى الممثل. فهناك أفلام حققت رواجا كبيرا ولم يكن الممثلون والمخرجون من البلد نفسه، بل إن عديدا من نجوم السينما في أمريكا ليسوا أمريكان المنشأ، فضلا أن تكون اللغة الإنجليزية لغتهم الأم. كما أن اليابان استثمرت في بعض المؤسسات الإعلامية في هوليوود طلبا لتحقيق مكاسب إعلامية.
أما على المستوى العربي ففيلم عمر المختار الشهير لم يكن البطل عربيا أو مسلما فضلا عن أن يكون ليبيا. كما أن المخرج وفريق العمل لم يكونوا ليبيين، لكن فيلم عمر المختار استطاع أن يبرز ليبيا بطريقة إيجابية، بل إن ما يعرفه البعض منا عن ليبيا لا يتجاوز ما قدم في فيلم عمر المختار. فالمقصود أننا بحاجة ماسة جدا إلى الاستثمار في صناعة السينما بطريقة تعكس منجزاتنا الحضارية بصورة احترافية بغض النظر عن جنسية المخرج أو الممثل أو السيناريست. فتأثير فيلم ناجح واحد في تصوري يفوق ما تنفقه الدول في المعارض والمهرجانات للتعريف بثقافتها وحضارتها.
لا شك في أن إحدى أهم المشكلات الأساسية في الدراما السعودية تكمن في غياب مؤسسات الإنتاج القادرة على إنتاج عمل إعلامي بحجم المساهمة السعودية ليس فقط في الاستحواذ وتملك عديد من القنوات الفضائية، بل كداعم رئيس لسوق الإعلانات التجارية. فلدينا القنوات الإعلامية المشهورة، كما أن المال موجود عبر الإعلانات التجارية لتجار سعوديين والمشاهد موجود لكن المادة الإعلامية والرسالة الإعلامية مفقودتان.
الغريب جدا أن المحاولات الدرامية السعودية البائسة تريد لمدرب الفريق أن يكون رئيسا للنادي، كما تريد لكابتن الفريق أن يكون لاعبا محترفا. فالأعمال السعودية تقوم في مجملها على الربح المادي البحت المختزل. فبطل الفيلم هو المنتج وهو المؤلف وأخشى أن يكون في المستقبل المخرج وصاحب القناة الفضائية. فالدراما التي نراها اليوم، وفي ظل غياب الحبكة الدرامية، تحاول جاهدة أن تعوض هذا النقص عبر الإثارة غير الفاعلة وأحيانا الهابطة. فالإثارة في الأعمال السينمائية مطلوبة لكن هناك مَن يعزف على وتر الشذوذ من أجل جذب المشاهد. اللافت للنظر أن الأفلام كلما قلت أو ضعفت حبكتها الدرامية حاولت تعويض هذا النقص عبر زيادة الجرعة الجنسية.
فالدراما السعودية الحالية تقدم صورة أحادية لصورة السعودي السلبي كإرهابي أو شهواني أو متخلف دون إبراز الجانب الآخر من المعادلة والذي يمثل السواد الأعظم من السعوديين.
لا شك في أن تأثير الأفلام في الأسرة أحيانا أقوى من تأثير الأب والمسجد والمدرسة أو الجامعة. لذا يجب أن تسعى جميع المؤسسات الحكومية، خصوصا الإعلامية منها، إلى تشجيع الدراما الأسرية القادرة على إيصال رسالة هادفة للقارئ بعيدا عن المزايدات وتصفية الحسابات الشخصية أو التراشقات الفكرية. فتأثير الأفلام قوي جدا خصوصا أنها تقدم مادة يتقبلها المشاهد وهو راغب فيها لا مجبر عليها . فالإعلام الهادف عبر الدراما ليس عسيرا ولكن يحتاج إلى تضافر الجهود بين مؤسسات المجتمع للرقي به والالتفاتة الصادقة لإصلاحه، فالصورة التي نزرعها في مسلسلاتنا عن أنفسنا هي الصورة العالقة في ذهن الآخر عنا والمزروعة في عقله الباطن.