الدول الصاعدة: مصداقية البنك الدولي تتآكل في غياب عدالة التصويت
ألقى خلاف حاد بشأن حجم النفوذ الذي ينبغي أن تتنازل عنه الدول الغنية لصالح الدول النامية بظلاله على محادثات يجريها وزراء المالية لتوسيع دور صندوق النقد الدولي. ويقول الصندوق الذي قدم قروضا تزيد قيمتها على 50 مليار دولار إلى بلدان في شتى أنحاء العالم هذا العام أنه يحتاج إلى مزيد من الموارد للإشراف على انتعاش الاقتصاد العالمي ومنع حدوث أزمات مستقبلية.
لكن ذلك يتوقف على منح اقتصادات الأسواق الصاعدة حصة أكبر في المؤسسة. وتطالب دول نامية رئيسة بزيادة حقوق التصويت الممنوحة لها بشكل يتضمن قيام الدول المتقدمة بالتنازل عن سبع نقاط مئوية من حصتها لصالح الدول الناشئة.
وقال جيدو مانتيجا وزير المالية البرازيلي البارحة الأولى ''نأمل أن تدرك الدول المتقدمة التي تحظى بتمثيل زائد أنها قد تلحق ضررا شديدا بالصندوق إذا حاولت منع أو تأخير إصلاحات نظام الحصص والتصويت''.
وقال إن الصندوق يحتاج إلى تغيير هيكل مجلسه لكي يمحو صورته ''كمؤسسة أمريكية أوروبية في الأغلب ويصبح بحق مؤسسة متعددة الأطراف''، واتفقت مجموعة العشرين خلال قمة في بيتسبرج الشهر الماضي على تحويل خمس نقاط مئوية على الأقل من حصص التصويت لمصلحة الدول التي لا تحظى بتمثيل يتناسب مع حجمها مثل الصين. لكن مطلب السبع نقاط المئوية يلقى مقاومة من الدول المتقدمة وبخاصة الدول الأوروبية التي لا ترغب في التنازل عن جانب كبير من نفوذها.
وحذر أندرس بورج وزير مالية السويد التي ترأس الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي من أن أوروبا قد تصبح شحيحة في دعمها المالي للصندوق إذا خسرت نفوذها فيه، وقال بورج ''المشاركة بنسبة كافية في عملية صنع القرار في الصندوق هي شرط أساسي لاستمرار دعم دافعي الضرائب للمساهمات المالية الكبيرة''.
ومنذ عام واحد فقط كان الصندوق يحارب لإقناع الحكومات بأهميته لكن الأزمة المالية رفعت بشكل كبير الطلب على القروض والخدمات الاستشارية التي يقدمها الصندوق لدول تكافح لمواجهة عجز في الموازنة والحساب الجاري. ومن شأن السماح للدول النامية الكبرى بدور أكبر في صندوق النقد الدولي أن يدر على المنظمة العالمية مساهمات جديدة بمليارات الدولارات.
وقال دومينيك ستراوس كان رئيس الصندوق إن من المتوقع أن يحتاج الصندوق إلى مساهمات جديدة تصل قيمتها إلى تريليون دولار لضمان استقرار الاقتصاد العالمي بما يجعل الدول تتوقف عن الاحتفاظ باحتياطيات هائلة من العملات الأجنبية بهدف تأمين نفسها. لكن الصين والبرازيل وروسيا والهند تقول إن أي زيادة في مساهماتها يجب ربطها بتغييرات في حصص التصويت.
وقال يي جانج نائب محافظ البنك المركزي الصيني إن الصين ترى ضرورة تعديل المساهمات بشكل تلقائي لتتناسب مع حجم اقتصادات الدول، إضافة إلى دور صندوق النقد الدولي كمقرض ملاذ أخير تريد مجموعة العشرين التي تدير التعافي العالمي أن يتأكد من تحقيق نمو متوازن عن طريق رفع تقارير للمجموعة عن سياسات الدول والتوصية بتعديلات.
وتريد الصين التي تملك أكبر احتياطي من النقد الأجنبي في العالم التي تضررت أسواقها المالية بفعل تقلب التدفقات الرأسمالية، أن تمتد أنشطة الإصلاح في الصندوق لما هو أبعد من ذلك. وقال يي إن على صندوق النقد الدولي أن يشدد رقابته على تدفقات الرساميل العالمية وأن يشجع الاستقرارالنسبي لعملات الاحتياط الرئيسية، وطالب وزراء المالية الدول الصاعدة والنامية بمزيد من حقوق التصويت في إدارة البنك الدولي على غرار الإصلاحات المقترحة في صندوق النقد الدولي. وتحدث الوزراء في بداية الاجتماع السنوي للبنك والصندوق في اسطنبول، وقال وزراء روسيا، الهند، إندونيسيا، البرازيل، وفنزويلا في كلماتهم أن مصداقية البنك ستتآكل ما لم تحظ الدول بحقوق تصويت تتناسب وحجمها في الاقتصاد العالمي.
وكان اجتماع قمة مجموعة العشرين في بيتسبرج في أمريكا الأسبوع الماضي ذكر أن المجموعة، التي تضم دولا صاعدة، ستحل محل مجموعة السبع، للدول الغنية المتقدمة، في ادارة الاقتصاد العالمي. وتم الاتفاق في القمة على إعادة توزيع 3 في المائة من حقوق التصويت في البنك الدولي و5 في المائة من حقوق التصويت في صندوق النقد الدولي.
وقال جورجي جيورداني وزير التخطيط والتنمية في فنزويلا: ''علينا أن ندرك أن مصداقية وشرعية البنك الدولي يمكن أن تتضرر دون تقدم ملموس وسريع في إصلاح عملية التصويت والمشاركة الحالية''.
وقال وزير المالية الروسي أليكسي كودرين إن روسيا يحق لها مزيد من حقوق التصويت لأن نصيبها من الاقتصاد العالمي يتجاوز 3 في المائة، وهو أكبر من نصيبها الحالي في التصويت. ومع بدء الاجتماعات السنوية للصندوق والنقد الدوليين شهدت إسطنبول إعلان مزيد من الدول عن تعهدات مالية لدعم موارد صندوق النقد الدولي.
وكانت البرازيل أحدث دولة تعلن عن مساهمتها في دعم مهمة الصندوق كجهة إقراض عالمية. وقال وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيجا إن بلاده ستشتري سندات للصندوق بقيمة عشرة مليارات دولار.
وكانت الصين أول من أعلن عن شراء سندات للصندوق بقيمة 50 مليار دولار وتلتها الهند بإقرار شراء سندات للصندوق بقيمة عشرة مليارات دولار. وتشكل التزامات الصين، الهند، والبرازيل سدس مبلغ 500 مليار دولار تعهدت بها مجموعة العشرين في اجتماعها الأخير. كذلك أعلنت روسيا عن عزمها شراء سندات بقيمة عشرة مليارات دولار أيضا.
وتعهدت الدول الأعضاء في البنك الدولي أمس بضمان بقاء المؤسسة التي تكافح الفقر في العالم متمتعة بتمويل جيد للقيام بعملها، وقالت لجنة التنمية في البنك الدولي في بيان بعد اجتماعات ''نحن ملتزمون بضمان أن يكون لدى مجموعة البنك الدولي موارد لمواجهة تحديات المستقبل''، وحثت البنك الدولي على استكمال مراجعة احتياجاته الرأسمالية بحلول ربيع عام 2010.
في الوقت ذاته، طالب وزراء مالية أفارقة البارحة الأولى بدور أكبر لبلادهم في مجموعة العشرين حتى تؤخذ احتياجاتهم التنموية طويلة الأجل في الحسبان، وتعهدوا بإظهار الانضباط المالي في أعقاب الأزمة المالية العالمية وقالوا إنهم بحاجة إلى مزيد من المساعدة من صندوق النقد والبنك الدوليين لدعم ميزانياتهم والقيام بالاستثمارات اللازمة وإعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي. وكانت الدول الإفريقية قد تلقت ضربات عنيفة عندما تسببت الأزمة في خفض أسعار السلع الأولية وأطاحت بالاستثمار الأجنبي وشددت على أنها حشدت مواردها المحلية وتتطلع إلى توسيع مصادر الدخل وتحسين جمع الإيرادات.
وقالت نيجيريا، ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا جنوبي الصحراء، إنها تطمح إلى دور في مجموعة العشرين للاقتصادات الناشئة والمتقدمة. وقال وزير المالية النيجيري منصور مختار في مؤتمر صحافي ''نطالب بأن يكون لنا دور أكبر، شاغلنا الرئيسي أن نرى قبول هذا المبدأ''.
وخفض صندوق النقد الدولي هذا الشهر تقديراته لنمو الناتج الإجمالي لإفريقيا جنوبي الصحراء في 2009 من 1.5 في المائة إلى 1.3 في المائة ملقيا باللوم على انهيار التجارة العالمية وهبوط أسعار السلع الأولية.
وقال وزير المالية الإثيوبي سفيان أحمد ''الأزمة المالية تقلص جهود خفض الفقر، نطلب من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي زيادة الموارد المتاحة للدول الإفريقية'' وأن يخففا من الشروط المفروضة على القروض.