البنك الدولي: الأزمة أحدثت تحولات في مواقع النفوذ العالمية

البنك الدولي: الأزمة أحدثت تحولات في مواقع النفوذ العالمية

مع اقتراب موعد اجتماعات محافظي صندوق النقد والبنك الدوليين المقرر انعقادها الأسبوع الحالي في إسطنبول، قال مراقبون إن أجواء الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي ستسيطر على أجواء الاجتماعات وسط مؤشرات إيجابية عن تعافي الاقتصاد العالمي وقرب استعادته قوته. وتزامنا مع ذلك، قال رئيس مجموعة البنك الدولي، إن الأزمة الاقتصادية العالمية تسهم حالياً في حدوث تحوّلات في علاقات القوة والنفوذ في العالم من شأنها أن تؤثر في أسواق العملات، والسياسات النقدية، والعلاقات التجارية، ودور البلدان النامية. وفي خطاب له قبيل الاجتماعات، قال زوليك إن على القادة إعادة تشكيل نظام تعدد الأطراف وبلورة «عولمة تتسم بالمسؤولية» تشجع النمو العالمي المتوازن والاستقرار المالي، وتتبنى الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، وتوسع الفرص المتاحة أمام البلدان الأكثر فقراً في العالم.
وتنقسم اجتماعات البنك والصندوق الدوليين السنوية إلى قسمين الأول رسمي ويستمر لمدة يومي 6 و7 تشرين الأول (أكتوبر) 2009، والثاني يغلب عليه الطابع غير الرسمي ويستمر لفترة أسبوع تقريبا، يبدأ 28 أيلول (سبتمبر) ويستمر حتى 7 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، ويشمل في الغالب مجموعة من المحاضرات والندوات وورش العمل واستعراض التقارير الدولية.
كما سيتم على هامش هذه الاجتماعات استعراض مجموعة من تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين ومن بينها تقرير عن الاستقرار المالي في العالم لخوسيه فينيالس كبير الخبراء الماليين ورئيس إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد الدولي وتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لاوليفر بلانكارد كبير الخبراء الاقتصاديين ومدير إدارة البحوث في صندوق النقد الدولي. كما سيتم بحث تقرير حول التنمية في العالم وتغير المناخ وتقرير آفاق الاقتصاد في آسيا والمحيط الهادئ لانوب سينغ مدير إدارة آسيا والمحيط الهادئ في صندوق النقد الدولي، وتتضمن اجتماعات إسطنبول حلقات نقاشية من بينها حلقة حول صندوق النقد الدولي والسياسات التجارية الحمائية لسوزان شادلر من مكتب التقييم المستقل في صندوق النقد الدولي إلى جانب حلقة نقاشية حول الانتعاش الاقتصادي في اليابان.
واستعدت تركيا وتحديدا عاصمتها الاقتصادية إسطنبول لهذه الاجتماعات منذ نحو ثلاث سنوات وقت وقع عليها الاختيار لاستضافتها بعد منافسة مع عدة دول أخرى تقدمت بطلب الاستفادة، وكان ذلك في الاجتماع الذي عقد خارج واشنطن في سنغافورة عام 2006.
ويتوقع حسب الأرقام التي أعلنتها الجهة المنظمة عبر موقعها على الإنترنت ومن خلال كشوف المسجلين أن يشارك في الاجتماعات أكثر من 13 ألف مسؤول حكومي من وزراء للمالية ومحافظي البنوك المركزية ومسؤولين حكوميين آخرين إلى جانب ممثلي البنوك وشركات الاستثمار ومختلف القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى ممثلين عن المنظمات غير الحكومية أو منظمات المجتمع المدني.
ومن المتوقع أن تثير هذه المنظمات الكثير من القضايا بسبب الأزمة المالية وانعكاساتها على المجتمع المدني، خصوصا أن هذه المنظمات سبق أن حذرت من مخاطر العولمة والانجراف بشدة نحو عولمة المؤسسات المالية والذي أسهم بشكل كبير في امتداد آثار الأزمة ليشمل كل دول العالم تقريبا.
بالتزامن مع ذلك، قال رئيس البنك الدولي زوليك في كلمة ألقاها أمام حشد من كلية بول نيتزه للدراسات الدولية المتقدّمة SAIS في جامعة جونز هوبكنز، «لقد واجه النظام الاقتصادي الدولي القديم مصاعب في مواكبة التغير قبل اندلاع الأزمة الراهنة. وكشفت لنا الاضطرابات التي نشهدها اليوم وجود فجوات صارخة واحتياجات ملحة. لقد حان الوقت للحاق بالركب والمضي قدماً إلى الأمام».
وفي خطاب له بعنوان «ماذا بعد الأزمة؟»، قال زوليك: «مما لا شك فيه أن استعراض الأقران للإطار الجديد الخاص بتحقيق نمو قوي وقابل للاستمرار ومتوازن الذي تم الاتفاق عليه أثناء مؤتمر قمة مجموعة العشرين في الأسبوع الماضي يشكل بداية طيبة، لكنه سيتطلب مستوًى جديداً من التعاون والتنسيق الدوليين، بما في ذلك وجود رغبة جديدة لأخذ نتائج الرصد العالمي مأخذ الجد. وستتطلب آلية استعراض الأقران ضغطاً من الأقران».
وأشار زوليك إلى أن من الأهمية كذلك ألا تنسى مجموعة العشرين تلك البلدان غير الجالسة على طاولة المفاوضات. حيث قال: «ووفقاً لما تم الاتفاق عليه في بيتسبرج في الأسبوع الماضي، ستصبح مجموعة العشرين المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي الدولي فيما بين البلدان الصناعية المتقدمة والقوى الصاعدة. لكن لا يمكنها أن تكون لجنة قائمة بذاتها. ومن غير الممكن كذلك تجاهل أصوات أكثر من 160 بلداً خارجها».
وقد استرعت الأزمة اهتمام المشرعين إلى الدور الكبير الذي تلعبه البنوك المركزية. إذ كان أداء البنوك المركزية جيداً عندما اندلعت الأزمة، لكن دورها في التصدي لتراكم الأسباب التي أفضت إلى الأزمة كان أقل إقناعاً.
وأضاف زوليك: «في الولايات المتحدة، سيكون من الصعب منح المزيد من الصلاحيات إلى واضعي السياسات التكنوقراط المتمتعين بالاستقلالية والقوة في مجلس الاحتياطي الفدرالي. وتتمثل قراءتي لإدارة الأزمة الأخيرة في أن وزارة الخزانة احتاجت إلى مزيد من الصلاحيات كي تجمع معاً مجموعة من الهيئات التنظيمية المختلفة. علاوة على ذلك، فإن وزارة الخزانة هي وزارة تنفيذية، وعليه يمكن للكونجرس والجمهور الإشراف بدرجة أكبر على كيفية استخدامها لأية صلاحيات إضافية».
وقد شهدت البلدان النامية بالفعل تحقيق معدلات نمو مرتفعة قبل الأزمة، وقد تعزز مركزها نتيجة لذلك. وكان تزايد حصتها من الاقتصاد العالمي تطوراً إيجابياً. وقال زوليك، «عند استشراف المستقبل، يمكن أن يستفيد نموذج نمو أكثر اتزاناً واشتمالاً للعالم من تعدد أقطاب النمو. فمع توافر الاستثمارات في البنية الأساسية والناس ومؤسسات الأعمال الخاصة، يمكن للبلدان في مناطق أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط الأوسع نطاقاً المساهمة في بلورة «معيار جديد» من أجل الاقتصاد العالمي».
وقد أشاد مسؤول في البنك الدولي بسياسات الإصلاح الاقتصادي التي اتبعتها دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الأزمة العالمية، ألا أنه إن البطالة تعتبر التحدي الرئيسي الذي تواجهه جميع دول الشرق الأوسط من البحرين شرقا وحتى المغرب على ضفاف الأطلسي غربا.
وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن هذه المنطقة تمتد من المغرب إلى إيران وهي تضم نحو 307 ملايين نسمة ونقدم قروض البنك لنحو عشرة دول فيما نقدم الاستشارات الفنية لدول مجلس التعاون الخليجي. بالتالي فإن دور البنك الدولي في المنطقة يتمثل في تقديم المساعدات للحكومات لمعالجة المشكلات الكبرى التي تواجهها الآن، وأبرزها مشكلة البطالة حيث تحتاج دول المنطقة إلى خلق ما بين أربعة إلى خمسة ملايين فرصة عمل سنويا وخاصة للخريجين والشباب الذين يواجهون صعوبات هائلة في العثور على وظائف ضمن الهياكل الاقتصادية القائمة. ونرى بأن هناك خمسة تحديات رئيسية تواجه المنطقة هي البطالة وتنشيط القطاع الخاص وتفعيله وتعزيز الإدارة لجعلها أفضل وأكثر كفاءة وحل مشكلة المياه ودور المرأة التي يجب أن تشارك بصورة كاملة في عملية التنمية. وهذا بالضبط ما نفعله في هذه الدول أي محاولة إيجاد الحلول لتلك المشكلات ونحن على اتفاق مع الدول المنضوية في هذه المنطقة حول ضرورة مواجهة تلك التحديات وخاصة البطالة التي تعد الهم الأكبر.

الأكثر قراءة