مشاريع الصرف الصحي وإتلاف شوارعنا
ذهب أحد الأصدقاء بسيارته التي اشتراها قبل سنتين للصيانة الدورية فقالوا له: إن كراسي الماكينة وناقل السرعة والأذرعة تحتاج إلى إصلاح واستبدال, فرفض مستغربا، لأن سيارته جديدة، فقالوا له: لا تستغرب ذلك فأنت تسير في شوارع الرياض التي أصبحت تتطلب سيارة رباعية الدفع مصممة للطرق الوعرة، أما غيرها من السيارات المصممة للطرق المرصوفة جيدا، كما هو وضع سيارتك، فإنها لا تتحمل مثل شوارع الرياض وتتطلب صيانة دورية، واضطر صاحبنا إلى دفع مبلغ دسم لإصلاح سيارته، ولجأ إلى سيارة الدفع الرباعي كحل لا بد منه.
لا أخفيكم أني لجأت إلى شراء سيارة دفع رباعي قبل سماع قصة صديقي هذا، بعد أن رأيت التلف الكبير الذي أحدثته الحفريات في شوارع الرياض حتى بت أعتقد أني أسير في أرض جبلية، فما إن ترتفع عجلات السيارة نتيجة حفرية تمت سفلتتها أعلى من منسوب الشارع حتى تهبط أخرى تمت سفلتتها أدنى من منسوب الشارع وهكذا. وللأمانة فإن الجهات التي تقوم بحفر شوارعنا لتمديد خدماتها من شركات اتصالات، كهرباء، ماء، وصرف صحي، التي تشكل مديرية المياه والصرف الصحي خلال السنوات القليلة الماضية أكثرها هي جهات عادلة في إتلاف الشوارع، فالتلف أصاب أرقى المناطق التي يتجاوز سعر المتر السكني فيها أكثر 2500 ريال، كما أصاب مناطق متوسطي الدخل وما دونه سواء بسواء، وبالتالي فلن تجد طرقا أفضل حالا من الأخرى سوى تلك التي وصلت لها الخدمات من سنوات طويلة وقامت الأمانة بإعادة سفلتتها.
في عالم الطب إذا قام الطبيب بمعالجة مريض من مرض معين بدواء أو بجراحة ثم تسبب ذلك في مرض آخر فإن ذلك يعد خطأ طبيا يعاقب عليه الطبيب إذا لم يطبق المعايير المعتمدة للعلاج التي تعد حقا أصيلا من حقوق المريض، إذ يجب على الطبيب تشخيص المرض تشخيصا دقيقا من خلال الكشف والتحاليل وجميع الأجهزة التحليلية المتاحة ومن ثم معرفة تاريخه الطبي واختيار العلاج الذي يتناسب مع المرض وحالة المريض، فلا يعقل أن يقول الطبيب إني عالجت التهاب الرئتين ولكنه في الوقت نفسه سبب فشلا كلويا للمريض أو أن يكون أزال حصى من المرارة وسبب قطعا في أحد الأوردة.
هذا الأمر ينطبق على الأوضاع كافة فلا يعقل أن تقوم مديرية المياه والصرف الصحي في الرياض بمعالجة مياه الصرف الصحي من خلال بناء شبكة صرف صحي متكاملة ومحطات معالجة بمليارات الريالات من أجل إسعاد المواطن ورفع جودة حياته بمعالجة الآثار السلبية للصرف الصحي المدمر لأساسات المنازل والناشر للأمراض وباستثمار المياه المعالجة للاستخدامات الصناعية والزراعية والآدمية، ومن جانب آخر تقوم بإتلاف كبير في شوارعنا بشكل مدمر لممتلكاتنا (السيارات) والإضرار بصحتنا، حيث يصاب الكثير بالانزلاقات الغضروفية بسبب «الخضخضة» المستمرة للجسم من ناحية وما يتطلب مليارات الريالات لمعالجة الطرق من ناحية أخرى، فضلا عن تكاليف إصلاح وصيانة السيارات المتكررة التي يتحملها مستخدم الطريق، وكلي ثقة لو أن أحدا أراد حفر الطريق لتمديد معين ودمر البنية التحتية للصرف الصحي أو الكهرباء أو الهاتف لما سكتت تلك الجهات عن هذا التخريب، ولكن شوارعنا لا بواكي لها كما يبدو لي.
التلف الكبير والمؤلم في شوارع الرياض، خصوصا في الأحياء نتيجة الحفريات عامة وحفريات الصرف الصحي على وجه الخصوص لا يحتاج لمن يخرج علينا بالنفي والفذلكة الكلامية، فالواقع خير شاهد وأدعو كل مسؤول في الجهات المنفذة لمشاريع الخدمات في الأحياء أن يتكرم وينزل إلى تلك الأحياء ليرى التلف الذي أصاب شوارع الرياض نتيجة عدم احترام الإنسان المستخدم لتلك الطرق، الذي بكل تأكيد سيكون هو أو أحد أفراد أسرته أو أقاربه أحدهم، ونتيجة لعدم الشعور بالمسؤولية تجاه مقدرات الوطن وممتلكاته.
وأقول رضينا كرها بطول فترة تنفيذ مشاريع الخدمات، حيث يأتي ثلة من العمالة فيحفروا الطريق ويغيب المقاول أكثر من شهر، ثم تأتي ثلة أخرى وتضع الأنابيب أو الأسلاك أو أيا كان ويغيب المقاول شهرا آخر، ثم تأتي ثلة أخرى لتردم وتغيب، وتأتي ثلة أخرى لتسفلت دون أي معايير ليصبح لدينا مطب أو حفرة بعد أن كان الشارع مستويا، لماذا هذا الاستهتار بالوطن ومقدراته وأبنائه؟ هل يرضي أحد أن تدفع حكومتنا المليارات لإيصال الخدمات ثم تدفع مليارات لإصلاح التلف الذي نتج عن إيصال هذه الخدمات؟ ألم تقم الحكومة بإيصال الخدمات لرفع مستوى حياة السكان من مواطنين ومقيمين، فلماذا يكون العلاج مدمرا؟ لماذا تولد الحلول مشكلات أكبر منها؟
في العالم المتقدم يتم الحفر والتركيب والتسوية ليلا عندما تكون حركة السيارات في أدنى مستوى لها بخطط دقيقة ترتكز على احترام حقوق الإنسان وعدم إزعاجه، ولدينا, آخر ما تفكر فيه الجهات المقدمة للخدمات التحتية هذا الإنسان المسكين، فجل اهتمامها النجاح في إيصال خدماتها، أما أن تعيد وضع الأمور الأخرى إلى ما كانت عليه، فهذا ليس من شأنها، وإذا كان ذلك فكرها ومع الأسف الشديد يأتي سؤال آخر حول دور أمانات المدن والبلديات التي ترخص لتلك الجهات لإيصال الخدمات في وضع معايير لإيصال هذه الخدمات من حيث طريقة الحفر ووقتها وضرورة تنفيذها بأعلى جودة وبأقصر مدة، كما هو الوضع في بلديات الدول المتقدمة، أليست البلديات هي المسؤولة عن حماية المواطن وضمان سلامته في المدينة كونها المسؤولة عن كل ما يوضع تحت الأرض وعلى سطحها وفي سمائها؟
أعتقد جازما أنه حان الوقت للالتفات إلى «مصيبة» تدمير شوارع الرياض وإزعاج سكانها بشكل غير مقبول بتاتا بداعي إيصال الخدمات، من خلال وضع معايير دقيقة وصارمة من قبل أمانات المدن وبلدياتها من حيث إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الحفر وكأن الشارع لم يحفر، ومن حيث وقت التنفيذ ومدته باستخدام «نظرية إدارة المشاريع» التي تعالج الوقت والتكلفة والزمن بالارتكاز على سياسة مهمة ومحورية تقول إن سلامة السكان وراحتهم عنصر رئيس في وضع هذه المعايير والالتزام بتطبيقها، وكلي ثقة بسمو أمين مدينة الرياض أن يعالج الموضوع عاجلا.