رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


كيف أدى التضخم إلى تحول جذري في أفكار الاقتصاد ؟

ارتفع التضخم مجددا على غير المتوقع، مسددا صفعة على وجوهنا ومذكرا إيانا بأن أفكار السياسة الاقتصادية التي توافق عليها كثيرون تبين خطؤها وتحتاج إلى التغيير. ومن حسن الحظ أن الأفكار "الجديدة" التي نحتاجها خضعت لعديد من التجارب وترقد الآن حبيسة الرفوف. فالتضخم يعلمنا أن العرض، وليس الطلب، هو ما يقيد اقتصاداتنا، وأن الاقتراض الحكومي محدود، وينشأ التضخم عندما يتجاوز الطلب الكلي العرض الكلي. ولا يصعب العثور على مصدر الطلب، فاستجابة للاختلالات الناجمة عن الجائحة، أرسلت الحكومة الأمريكية شيكات بنحو 5 تريليونات دولار إلى الأفراد والشركات، منها ثلاثة تريليونات دولار كانت قد تمت طباعتها حديثا، دون وضع أي خطط لاسترداد هذه المبالغ. وأقرت بلدان أخرى توسعات مماثلة في مالياتها العامة وحصدت تضخما مكافئا في المقابل. أما العرض، فهو مثار جدل. فقد انكمش العرض بالفعل خلال الجائحة. ولكن التضخم ارتفع بعدما أوشكت الجائحة على نهايتها، وعديد من القطاعات التي شهدت "صدمة العرض" كانت مستمرة في الإنتاج بقدر ما كانت تنتج من قبل ولكنها لم تستطع مواكبة الطلب. ونمو الاقتصاد محدود العرض يتطلب سياسات تركز على العرض، وليس دفعات تنشيطية. وفي الوقت الحالي، أصبحت "الوظائف" تكلفة لا ميزة. ومع بلوغ معدل البطالة الأمريكي 3.7 %، أصبح كل عامل في مشروع مصطنع لا يقوم بدور أكثر أهمية عن نظيره العاطل. ويستهلك بناء المساكن كثيرا من الوقت والتكلفة بسبب القوانين. ومن خلال نظام الهجرة القوي، تصل تدفقات من البشر للعمل والإنتاج ودفع الضرائب. ونحتاج إلى بنية تحتية عامة، ولكن تكلفتها الباهظة باتت من قبيل الإسراف الذي لا يسعنا تحمله بعد الآن. والجمارك التي تضطرنا إلى دفع أسعار مبالغ فيها مقابل بنود يمكن للبلدان الأجنبية توفيرها بصورة أفضل ليست إلا عبئا على الاقتصاد. والسياسات التي تركز على مسألة "من يحصل على ماذا" عليها أن تركز الآن على الحوافز التي تعد أساس النمو. الكساد هو السرطان الماكر الذي ينهش جسد الاقتصاد بهدوء في عصرنا الحالي. فعقب 2000، تراجع النمو الأمريكي إلى النصف. وتشهد أوروبا والمملكة المتحدة كسادا أكبر. ونصيب الفرد من النمو في إيطاليا لم يرتفع منذ 2007. وبذلك يصبح إحياء النمو على المدى الطويل فوق أي سياسة، ووحدها السياسات الموجهة لتعزيز العرض والكفاءة والإنتاجية والحوافز هي التي يمكنها إحياء النمو على المدى الطويل. وربما تبدو هذه الأفكار قديمة. لا بأس، فتطور علم الاقتصاد لم ينشأ قط عمن أوعظوا الآخرين بإضافة مكونات جديدة إلى الإناء، مثل "اكترث أكثر بالبشر"، أو "أضف علم النفس"، أو "اخلط السياسة بالاقتصاد"، أو أضف تعقيدات "العالم الحقيقي" أو الأفكار "المبتدعة"، وتحريك الخليط آملين في الخروج بوصفة حساء قابلة للهضم. بل دائما ما كان تطور الفكر الاقتصادي نابعا عن إجابات تم التوصل إليها بعد صبر طويل والتحقق من صحتها عن طريق التجربة. إجابات تبسط الحقائق في صورة ملاحظات عملية حول الأسباب والآثار. ويعاني مجال صنع السياسات الاقتصادية وجود عديد من المثقفين الذين يسارعون إلى واشنطن مطالبين بإنفاق تريليونات الدولارات وتدخلات لا حصر لها في شؤون المواطنين، بناء على سيل من الأفكار الجديدة نصف المطهية. وينبغي أن تعتمد السياسات الاقتصادية على مفاهيم مجربة. وعندما يحاول الاقتصاديون تقديم أفكار استجابة لمطالبات سياسية بالتحديث الظاهري، فإنهم يخرجون علينا بأفكار اقتصادية رديئة وسياسات رديئة. وما يبدو قديما لنا قد يكون حديثا أيضا. فأفكار آدم سميث التي صاغها منذ 250 عاما لا تزال جديدة لأغلب السياسيين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي