شركات التأمين تتمركز في 3 مدن رئيسية وتهمل البقية

شركات التأمين تتمركز في 3 مدن رئيسية وتهمل البقية

يواجه عدد من المحافظات والمناطق البعيدة عن المدن الرئيسية، معضلة كبيرة في الحصول على الخدمات التي تقدمها شركات التأمين، وذلك بسبب عدم توافر مكاتب لتلك الشركات في هذه المناطق على اعتبار أن 80 في المائة من شركات التأمين التي تمارس نشاطها رســـــــميا مســـــــجلة فـــــــي مدينة الرياض، والـ 20 في المائة الباقية موزعة على مدينة جدة والمنطقة الشرقية.ويعاني كثير من سكان المحافظات والمناطق البعيدة عدم وجود مكاتب لشركات التأمين بالقرب من مناطقهم، ما يدفعهم إلى قطع مسافات طويلة والسفر إلى المناطق الرئيسية التي يستقر فيها مقدمو خدمات التأمين للحصول على الخدمة التي أصبحت إلزامية في كثير من شؤون الحياة مثل: تأمين المركبات، التأمين الصحي، والتأمين على العمالة الوافدة، وغيرها.
وعلى الرغم من أن نشاط شركات التأمين التي تجاوز عددها الـ 25 شركة كان قد انطلق بشكل فعلي في السعودية قبل ثلاث سنوات، إلا أن معظم هذه الشركات لم تضع في استراتيجيتها التوسع في افتتاح فروع جديدة والانتشار لأسباب عزاها عدد من المتعاملين في قطاع التأمين إلى البداية المتعثرة أو كما أطلقوا عليها ''البداية الثقيلة'' لهذه الشركات في السعودية وبالتالي قد لا يكون لها جدوى اقتصادية، إذ إن التوسع يحتاج إلى شوط طويل في العمل لتجاوز مرحلة التأسيس على اعتبار أن سوق التأمين السعودية لا تزال ناشئة، وتحتاج إلى غرس الثقافة التأمينية وتدريب أيد عاملة متخصصة لتغطية متطلبات هذه الشركات قبل الشروع في الانتشار.
وتحدث لـ ''الاقتصادية'' عدد من المختصين والمتعاملين في قطاع التأمين في المملكة، الذين أجمعوا على الخطأ يكمن في قلة الكفاءات، وضعف الثقافة التأمينية لدى أكثر المستثمرين في المناطق النائية، وكان الحل لدى أغلبهم قد تركز على أهمية توعية رجال الأعمال في هذه المناطق بالدخول في هذا القطاع عن طريق الوكالات والحصول على شراكات إستراتيجية مع خبراء فنيين لديهم خبرة في هذا المجال.
وأوضح عبد العزيز أبو السعود مدير عام مجموعة الموارد للتأمين عضو اللجنة الوطنية للتأمين في مجلس الغرف السعودية، أن التأمين أصبح إلزامياً تبعاً لحاجة الفرد التي تقضي تعويض المواطن عن الأضـــــــرار التي قد تلــحق به - لا قدر الله - وبالتالي تجنبه كثيرا من المشكلات التي قد تعرضه للدخول السجن لعدم سداد ما حل بالطرف الآخر في الحوادث وغير ذلك.
وعن تفسيره لأسباب عزوف شركات التأمين عن افتتاح فروع لها في المناطق والمدن البعيدة عن المدن الرئيسية، بين أبو السعود أن فتح أي فروع جديدة لشركات التأمين يتطلب مبدئياً موافقة مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، والموافقة تعني أن المؤسسة ستقوم بدراسة جميع وثائق التأمين التابعة للشركة التي تصل إلى 70 وثيقة، وهو الأمر الذي قد يستغرق فترات طويلة، وفي آخر المطاف قد لا تسمح المؤسسة إلا بتداول عشر وثائق فقط بحسب المناطق والطلب فيها، وهو ما سيدفع شركات التأمين إلى توقيف مشاريعها التوسعية على أمل الحصول على موافقة على بقية الوثائق، هذا إضافة إلى أن فتح مكتب في منطقة نائية وبمصروفات تشغيلية عالية نسبيا تجعل شركات التأمين تعيد التفكير في طموحاتها التوسعية، طالما أن المردود المالي غير مجزي في كثير من المناطق النائية. وأفاد أبو السعود بأن هناك عددا من الصعوبات التي تواجه قطاع التأمين في السعودية وتحد من انتشاره، مبينا أن على رأس هذه الصعوبات هو افتقار القطاع إلى لأيدي العاملة من المتخصصين في هذا المجال، وإذا وجدت فإن بقاءها لن يطول في القطاع بحكم الفرص التي قد يجدها الموظف في أي قطاع آخر طالما كان العرض أفضل مما هو عليه في عمله الأصلي.
وأضاف قائلا: ''إن استقطاب متخصصين من الخارج يواجه عقبات كثيرة، أولها صعوبة الحصول على تأشيرات عمل لهؤلاء الموظفين، وهو السبب الرئيسي الذي حد من طموحات كثير من شركات التأمين في السعودية''.
وأشار أبو السعود إلى أن أفضل حل لمواجهة معضلة عدم تغطية المحافظات والمناطق البعيدة بخدمات شركات التأمين يتمثل في أمرين الأول: أن تقوم شركات التأمين بتدريب موظفين من المناطق نفسها التي يراد فتح مكتب للشركة فيها وبعد توظيفهم يتم نقلهم للعمل هناك في منطقتهم التي هم من أهلها أصلا، عن طريق إعطاء وكالات لأي من رجال الأعمال الموجودين في هذه المنطقة، وإعطاء صلاحية إصدار شهادات تأمين للمواطنين والأفراد، على أن يتابع من جهته مسألة مخاطبة الجهات الحكومية، ويتحمل المصروفات التشغيلية نظراً لدرايته بالمنطقة التي يعمل فيها''. ومن جانبه ذكر أستاذ التأمين في جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبد الإله ساعاتي، أنه من غير المنطق أن يكون التأمين على اختلاف أنواعه إجبارياً على مواطني المملكة بمساحاتها الشاسعة، في حين أن مكاتب شركات التأمين في هذه المناطق تعد على الأصابع، حتى إن بعضهم يقطع مسافات طويلة من أجل هذا الأمر. وقال: إن عدد شركات التأمين في السعودية وصل إلى 25 شركة مرخصة، وهناك نية لرفع العدد إلى 31 شركة، والهدف بطبيعة الحال خلق فرص تنافسية جديدة لتوسيع دائرة الخدمة في قطاع يعد من أقوى القطاعات الاقتصادية، مطالبا مؤسسة النقد بوضع حلول جادة وصارمة لحل هذه الإشكالية.
وبين ساعاتي أنه يمكن حل هذه المعضلة من خلال طريقتين: الأولى تتمثل بإلزام شركات التأمين بفتح فروع جديدة لها في المناطق كافة حتى إن كان الأمر صعباً في البداية، ولكن النتيجة ستكون بالتأكيد من مصلحة الجميع، وأما الطريقة الثانية فتكون بتشجيع افتتاح وكالات للتأمين في هذه المناطق، ويكون ذلك من خلال تخفيف الشروط التي وصفها بـ ''التعجيزية'' لافتتاح هذه النوعية من الوكالات.
واتفق الدكتور عمر زهير حافظ الرئيس التنفيذي للمجموعة المتحدة للتأمين التعاوني ''أسيج''، مع ما ذهب إليه الدكتور ساعاتي بقوله: ''إن الحل يكمن في افتتاح الوكالات التأمينية، فهي من ناحية التكلفة أقل بكثير من افتتاح شركة كاملة، حيث تبلغ كلفة رأسمال الوكالة 400 ألف ريال، في حين أن الشركة تتطلب ضمانات بـ 100 مليون ريال''.واقترح حافظ أن تكون مبادرة افتتاح الوكالات عن طريق رجال الأعمال الموجودين في المناطق نفسها التي تحتاج إلى خدمات التأمين، بحيث تكون شراكة استراتيجية بينهم وبين شريك فني متخصص في هذا المجال، وذلك حسب النظام الذي أقرته مؤسسة النقد، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذا الحل ليس صعباً طالما وجدت الرساميل التي ترغب في الاستثمار.

الأكثر قراءة