إنتاج بحر الشمال النفطي .. على طريق الانحدار أم الانتعاش؟
هل دخل بحر الشمال مرحلة التراجع النهائي فيما يتعلق بالإنتاج النفطي، أم أن تلك المنطقة لا تزال تحظى باحتياطيات تكاد تماثل ما تم استخلاصه منها على مدى أكثر من ثلاثة عقود من الزمان؟
السؤال أصبح مطروحا بشدة إثر تقارير ودراسات جديدة صادرة عن الجانب الاسكتلندي، فهناك من يشير إلى أن إنتاج بحر الشمال وصل قمته في 2000 عندما بلغ الإنتاج 6.4 مليون برميل يوميا، وكان وقتها يمثل 9 في المائة من الإنتاج العالمي، وهناك أيضا تقرير الوكالة الدولية للطاقة التي تقدر أن إنتاج بحر الشمال وصل قمته في 2004، ودخل مرحلة التراجع المنتظم بسبب تقدم العمر بالنسبة للحقول الكبيرة.
لكن الوزير الاسكتلندي ألكس سالموند تقدم بتقرير العام الماضي اعتمد على دراسات من جامعة أبردين، أن هناك نحو 300 حقل ما بين جديدة ويمكن تحسن أدائه بالتطوير لا تزال تنتظر الاستغلال الأمثل، وذلك كمدخل للمطالبة بالمزيد من الضرائب على الشركات لصالح المواطنين الاسكتلنديين، لأنه يتوقع استمرار ضخ الإنتاج من هذه المنطقة لفترة 40 عاما مقبلة.
ومع أن حجم الاحتياطيات المؤكدة في بحر الشمال لم يعرف بدقة وبصورة قاطعة، إلا أن آخر تقرير يشير إلى أنه ومنذ بدء الإنتاج مطلع السبعينيات تم استخراج 37 مليار برميل، ويعتقد بوجود نحو 25 مليار برميل أخرى تنتظر الاستغلال.
ويشير بعض المتشككين إلى أن الشركات النفطية، خاصة الكبرى منها، تتعمد ترك موضوع الاحتياطيات مسربلا بالغموض لتتجنب مطالبة الحكومة لها دفع ضرائب أعلى، كما أن تركيزها على الحديث عن متاعبها يهيئ الأرضية للمطالبة بإعفاءات ضريبية تعاونها على تخطى المراحل الصعبة المتمثلة في تدهور الأسعار.
التراجع الحالي في سعر البرميل إضافة إلى ضعف التمويل بسبب أزمة الائتمان العالمية التي ضربت قطاع المصارف جعلا العمل صعبا لاستخراج المزيد من النفط من بحر الشمال. ومع أن حجم التدهور في الإنتاج ليس واضحا بالكامل، فإن التحدي أمام الحكومة البريطانية والصناعة النفطية هناك يتمثل في كيفية المحافظة على التنافسية في ذلك الميدان والاستفادة من بعض التطورات التي صحبت التدهور الأخير في سعر البرميل.
الانطباع السائد أن نحو 20 في المائة من بعض النشاطات السائدة حاليا في بحر الشمال تقف على حافة الانهيار بسبب ضعف الأسعار، لكن من ناحية أخرى فإن الصناعة النفطية في بحر الشمال مرت بظروف مشابهة في السابق استفادت منها، ومع خروج شركات كبرى تبرز شركات أصغر تعمل على تشغيل الحقول بفعالية أكبر.
ويمكن الإشارة إلى نموذج شركة ''بي. بي'' التي باعت امتيازها في حقل فورتيز المعروف إلى شركة أباتشي الأمريكية قبل ست سنوات وقيامها باستثمار نحو مليار جنيه استرليني في مختلف المرافق، أدت إلى تحسن في وضع الاحتياطي الموجود في الحقل ورفعه من 150 مليون برميل إلى 200 مليون.
أحد التفسيرات لهذا الوضع أن الشركات الصغيرة مسلحة بالتقنية المتقدمة لديها حافز أكبر للتركيز وتحقيق نتائج، لأن انشغالها بمشهد أكبر على مدى الصناعة النفطية أقل من انشغال الشركات الكبرى، كما أنها وبسبب ضعف قدرتها على التحمل الاقتصادي تسعى بجد لتحقيق اختراق بصورة أسرع. برز بحر الشمال في دائرة الضوء عام 1964 عندما منح أول ترخيص للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق المغمورة فيه، كما بدأ العمل في أول بئر بواسطة شركة شيفرون تكساكو بعد ذلك مباشرة، وتجاوز الإنتاج حاجة الاستهلاك المحلي عام 1981، وهي الفترة التي بدأ فيها المنتجون من خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في البروز على الساحة الدولية حتى أدوا في العام التالي إلى إرغام ''أوبك'' على خفض إنتاجها بسبب التخمة التي يعانيها السوق.