أي شرائح المجتمع تجعلنا أكثر الشعوب استهلاكاً؟
بالنسبة لمن أراد البحث عن مواضيع تهمه عن حماية المستهلك Customer Protection أو ما يتعلق باستهلاك المواد بمختلف أنواعها، فسيجد ما يفوق التصور من مصادر وكتابات ووثائق وبلغات عدة أيضا. ولكن مع توافر هذا الكم المعلوماتي إلا أن الاستفادة منها على المستوى الفردي ضعيف جدا ويكاد ينعدم. مما يجعل ميزة توافر المعلومة وسرعة انتشارها في هذا العصر لا قيمة لها. قد يرجع ذلك إلى فقد مصداقية في المحتوى أو الجهة المسؤولة أو ضعف في آلية تبليغ الرسالة أو غير ذلك ولكن لابد من الجزم في ماهية السبب الرئيس وراء ذلك. لنأخذ مثلا الاستهلاك الآدمي للمواد الغذائية والكمالية، فقد نعتنا بأننا أكثر مجتمعات العالم استهلاكا لأصناف المواد المختلفة، وحاولت دراسات عدة أن تضع أرقاما وتصور الأمر وكأننا نبتلع العالم بما نأكل ونشرب ونلبس ونستخدم ونستفيد منه. لقد ألقي اللوم على المستخدم، أو المستفيد، أو المستعمل، أو المستهلك، أو كل ما يمكن إطلاقه على الإنسان البشري (وبالذات في المملكة ودول الخليج) وتحميله نتيجة فقدان توازن الكرة الأرضية وهدر الموارد وأزمة الاقتصاد، والتسبب في الفقر حول العالم. في حين أن الله قد قدر الأرزاق وخلق كل شيء بحساب، وإننا كبشر كما نستهلك فنحن الذين نصدر الأنظمة التي تحدد وتقنن اشتراطات الشراء والامتلاك والاستخدام وننفذها. على الرغم من تسليط الأقلام أحبارها تجاه هذا الفرد واستهلاكه، إلا أن الاستجابة لتوعية المستهلك تحتاج إلى استخدام وسائل جديدة وطرق مختلفة.
أرى أننا نبالغ أحيانا في بعض الأمور بل بتكرار كلام بعضنا بعضا في كثير من الأحيان من دون أن نتمعن أو نتثبت بحقيقة مقنعة كيف أصبح هذا الشأن مشكلة وما هو حجمها وما مدى تأثيرها محليا أو إقليميا أو عالميا على سلوكياتنا. السؤال هنا: هل هناك مسؤول؟، أم أنها دوافع غريزية؟، أم أن هذه عجلة تمر بها كل الشعوب في دورات حياتها؟. إذا كان هناك مسؤولا عن ذلك فهل هو: (1) رب الأسرة الذي لم يحسن التصرف فيما يملك ووجه أبناءه ومن يعودهم على حفظ النعم ويعود عليهم بالخير. (2) من تمكن من الدراسة الميدانية الواقعية العلمية ولم يقم بها بكفاءة، أو نفذت توصياتها في حينها على الأقل، (3) المسؤول عنها ولم يتسن له نشرها وتعميم الفائدة منها. (4) من تمكن من منصب ولم يخدمه حق خدمته مع أنه مجتهد، (5) من كلف بالتوعية ولم يحسن إيصال الرسالة ولم يعمل على ذلك، أم من؟. أما إذا كانت دوافع، فلابد أن هناك مسببات كما لا بد أن هناك تغايرا في الأنماط تؤثر في ماهية الرسائل وكيفية توجيهها. بالنسبة للعجلة أو إعادة التاريخ نفسه فهذه فلسفة قد نؤجل مناقشتها لمناسبة أخرى.
عملياً، تطالعنا بعض الصحف والمجلات المحلية وغيرها من وسائل الإعلام في كثير من الأحيان بعبارات لا يمكن قبولها بسهولة وهي مثلا: «أجريت دراسة» و»أثبتت الدراسات» «استنتجت الدراسة»، من دون أن يعلن عمن أجرى الدراسة؟ أو متى؟ وأين نشرت؟، وتفاصيل أخرى تهم العامة قبل الباحثين؛ ليعوا ما هم فيه من مشكلة، والباحث أو صاحب الرأي؛ فيساند المجتمع على تفهم حجم أي مشكلة. هل ما تم من دراسات ميدانية يكفي لأن ننعت المجتمع بما تمارسه شريحة واحدة فيه؟. هل هناك من يحمي القارئ، وهو هنا المستفيد أو المستهلك، من عموم الأخبار والنتائج والتصاريح التي قد تكون موجهة إحصائيا لتثبت ما يريده مصمم الدراسة أو مجريها أو القائم بها أصلا؟. إن مجرد خطأ اختيار عينة الدراسة يعني رفضها منهجا ونتيجة. كذلك المعتمد على منهجية واحدة، أو طريقة تحليل معينة يمكن أن يقع في فخ توجيه النتائج. هنا يبدأ العامة في السؤال هل يتم التفريق بين من يشتري الخضار من «حلقة الخضار» وذاك الذي يشتريها من «السوبر ماركت» بسبب القدرة على ذلك؟. ألا يعتد لتنامي أعداد السكان ووجود نهضة شاملة تستوجب وجود ملايين العمال والوافدين، إضافة إلى عوامل أخرى تتعلق بتغيير مواقع القوى الشرائية وقيمة المستهلك؟. ألا يكون كل ذلك تمدداً طبيعيا للقوة الشرائية بعد أن زاد الانفتاح على العالم بما توافر من وسائل دعائية وإعلامية؟. هل أخذ في الحسبان زيادة نسبة اليافعين والشباب عن باقي الفئات في المجتمع اليوم؟. هل قيست تأثيرات التغير الطبيعي لمجتمع ظل يلبس الثوب والشماغ ويأكل الكبسة ولا يستطيع امتلاك السيارة لعقود مضت، وفي خلال عقدين من الزمان تحول للجينز والهامبورجر وانتقاء نوع السيارة ولونها؟. هل قيس التغير بتغيرات الشعوب الأخرى الأقل والأعلى مستوى ونهضة؟.
إذا كانت الدراسات صحيحة بأنها تضعنا كأكبر «ملتهمين» ومستهلكين ومحبين للتملك والتخزين، فلابد أن يبرز ويحدد أولا أن العبء يتحمله مثلا أكبر المستهلكين وأشرههم شراء والقادرين على الصرف، فتوجه لهم الرسائل للبدء في الترشيد ليكونوا قدوة لغيرهم. ثم من بعد ذلك يمكن أن نجد لمساعي التوعويين صدى إيجابيا إذا ما سلطنا الضوء على عملية التقليد وحب المظاهر وأبرزنا مدى تأثيرها الكبير في تحريك الأسرة من شريحة إلى أخرى قد تنتهي بالفقيرة. وللحديث بقية.