رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حتى في إعمار بيوتنا.. هدر اقتصادي

لا شك أن السكن يعتبر حلماً لكل فرد في المجتمع، وهو حق مشروع في وجوده وتوفيره. ولن أتحدث هنا عن الإسكان ومشكلاته وتقسيمات محاور النقاش فيه، إذ إن الموضوع طويل جداً لا يتسع أولاً المجال له، وثانياً أنه أُشبع حديثاً وبحثاً، لكنني هنا سأتحدث عن جزئية من تبعات تلك المشكلات الكثيرة التي أفرزتها هذه القضية وانعكاسها الاقتصادي بشكل إجمالي. إننا هنا في الأغلب وبعد الجهد المعنوي والمادي (والديون) لتوفير قيمة الأرض وتكاليف البناء، نبدأ في التنفيذ، معتمدين بذلك - بعد الله - على حصيلة معرفية متواضعة تبدأ باستشارات الأقارب والأصدقاء، ومن سبقت له التجربة من المعارف، وانتهاء بطرح الموضوع على بساط النقاش في حديث المجالس الشخصية، فلربما من ساعد برأي من واقع خبرة سابقة أو ربما اللجوء إلى تجربة الصح والخطأ. ومع طول فترة التنفيذ تتراكم لدى صاحب المنزل أو العقار معرفة بالبناء والتكاليف وأساليب هندسية وإنشائية وغيرها، حتى إن أغلب الذين نفذوا لأول مرة وحين انتهاء مشروع بيته يبدأ بالقول: لو بنيت مرة أخرى لكان كذا وكذا وذلك نظير ما ارتكبه من أخطاء، إما في التصميم أو التنفيذ أو كليهما. وفي النهاية وبعد حصيلة معرفية تراكمت عبر شهور (إن لم تكن سنوات) من خبرة التنفيذ والتمرس في معرفة أسرار أنواع المواد في البناء والتصاميم وغيرها، التي بلا شك ذات انعكاس اقتصادي واضح على صاحبها، تنتهي هذه الحصيلة لتكون مجرد ذكريات، إما جميلة أو أليمة، حيث لا يستفيد منها الشخص أو غيره في الأغلب إلا بما يمكن أن يدلي فيه بدلوه في مجلس ما حين الحديث عن أمر من تلك الأمور التي تهمّ البناء أو العقار.
بلا شك أن هناك هدرا حصل وعدم كفاءة طيلة التنفيذ، وذلك بحكم عدم الدراية والمعرفة الفنية والهندسية وغيرها التي لا يلام الشخص عليها، وهناك هدر أيضاً بعدما تراكمت هذه المعرفة في عدم الاستفادة منها بعد الانتهاء من أول أو ثاني تجربة. السبب في ذلك الهدر هو عدد من الأمور، من أبرزها في تقديري: عدم الإيمان بالتخصص، فكلنا نعرف نبني، وكلنا نعرف الإنشاءات، وكلنا نعرف الجوانب الهندسية المختلفة وما إلى ذلك، علاوة على غياب المرجعية المعرفية والمؤسساتية التي من الممكن أن تساعد على صنع قرار سليم. أما أن نؤمن بأن هناك إشرافا هندسيا أو نظاما مؤسساتيا في التنفيذ فهذا أمر لم يقتنع به كثير. لماذا؟ الأمر واضح: أن الفائدة من الجهود والمعرفة الفردية أكثر منها في مثل ما يجب أن يكون من جماعية تخصصية لعدم ثبات جدوى التنفيذ المؤسساتي لعدد من الأسباب، منها: المالية وتكليف صاحب العقار مبالغ أكثر مما هو قادر بالكاد على تنفيذ ما يريد في منزله أو الكفاءة في الأداء أو غيرها، كالأمور النظامية وحقوق الأطراف المعنية. إن الهدر الاقتصادي في الغالب حين القيام بأي عمل بفردية، واضح وجلي بعكس التنظيم المؤسساتي، الذي من المفترض أن يكون أكثر حصافة وإنتاجية وكفاءة أداء فقط حين تكون النظم المؤسساتية واضحة المعالم دقيقة التنظيم وذات بنية تشريعية مؤهلة لضبط أعمالها. إن جملة الهدر الاقتصادي في أعمال إنشاءاتنا واضحة لا تحتاج إلى تدليل، وبالطبع المعرفة الهندسية وتطبيقها والخبرة المتراكمة هي واحد منها من المؤكد أنه يصعب تقديرها بمبالغ مادية محددة غير أن انعكاسها غير المباشر أفضى إلى الارتجالية في التنفيذ وارتفاع التكاليف بشكل إجمالي يخسر معه الاقتصاد ملايين الريالات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي