عام فارق للسندات الزرقاء .. 3.9 مليار دولار قيمة إصدارات 2023 بنمو 1200 %

عام فارق للسندات الزرقاء .. 3.9 مليار دولار قيمة إصدارات 2023 بنمو 1200 %

أصبح 2023 عاما فارقا للسندات الزرقاء، الذي توجه فيه متحصلات الإصدار نحو مشاريع استدامة إدارة المياه والحفاظ على التنوع البيولوجي البري والمائي.
وبحسب رصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، أظهرت هذه السوق الصغيرة نسبيا نموا في حجم الإصدارات بنحو 1200 في المائة على أساس سنوي، لتبلغ 3.9 مليار دولار في 2023 مقارنة بنحو 300 مليون دولار في 2022.
وجاءت نهضة سوق السندات الزرقاء الصغيرة في الوقت الذي يدقق المستثمرون والمحللون، بشكل متزايد، في استخدام الأموال المجمعة عبر مثل هذه الديون، للتأكد من أن المقترضين لا يستغلون نواياهم الصادقة بشأن الاستدامة للاستفادة من الطلب المتزايد.
ومن بين الاستخدمات الأخرى لمتحصلات الإصدار ما يتعلق بأهداف التنمية المستدامة الخاصة بالانتقال نحو اقتصاد أزرق مستدام، بما يشمل إدارة النفايات البلاستيكية، وتحسين الوصول إلى المياه العذبة وتعزيز استدامة التنوع البيولوجي البحري في المحيطات والبحار وجميع الموارد البحرية وتقليل تسرب الكيماويات الزراعية والصرف الصحي في المياه.
وأظهر الرصد عدم وجود أي إصدار من السندات الزرقاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل إن معظم الإصدارات قادمة من آسيا وأمريكا الجنوبية، ومع هذا، فإن مصر الدولة العربية الوحيدة التي أشارت في 2023 إلى أنها تفكر بجدية نحو خيار السندات الزرقاء.
ووفقا لمنصة "البيانات البيئية المالية" المعروفة اختصارا بـ(EFdata)، فإن إجمالي إصدارات السندات الزرقاء في خمسة أعوام بلغ 6.48 مليار دولار، وأول إصدار جاء في 2018 عن طريق شركة يابانية بقيمة 45 مليون دولار.
وجاء ذلك متبوعا بإصدار سيشل كأول جهة سيادية تطرق باب السندات الزرقاء، علما أن أغلبية الإصدارات مقومة بالعملات المحلية مثل الأسترالية والبرازيلية والصينية واليابانية.
وتميل الدول ذات الوجهات البحرية أو الشاطئية بشكل أكبر نحو إصدار السندات الزرقاء مثل فيجي وسيشل.
وجهات الإصدار موزعة على خمس جهات، وهي الحكومات والبلديات والبنوك التنموية والشركات والجهات المالية.
وتوجد أحجام إصدارات صغيرة جدا تراوح من 3 إلى 50 مليون دولار، الأمر الذي يجعل هذه الإصدارات لا تحظى باهتمام المستثمرين الذين يبحثون عن إصدارات كبيرة لا تقل عن 500 مليون دولار.
وأكدت بيانات الرصد أن حجم سوق السندات الزرقاء لا يزال صغيرا، ويتطلب دعم الحكومات والمؤسسات الدولية من أجل لفت أنظار المستثمرين الدوليين.
واعتمد رصد "الاقتصادية" على بيانات السندات والقروض (بجميع فئاتها من الخضراء والزرقاء إلى الاجتماعية وذات الطبيعة الاستدامية) والمتوفرة لدى لمنصة "البيانات البيئية المالية (EFdata)، التي تعود قاعدة بياناتها إلى 2007 وتعد المنصة بمنزلة المرجع الرئيس للبنوك الاستثمارية والوكالات الإخبارية الاقتصادية.

الاقتصاد الأزرق في إفريقيا

وفي أكتوبر 2023، قرار الرئيس النيجيري إضافة حقيبة وزارية جديدة لحكومته تتعلق بالاقتصاد البحري والأزرق، وتنامي الوعي الإفريقي بما يحمله الاقتصاد الأزرق في طياته من آثار اقتصادية مبهرة يمكن أن تحدث طفرة نوعية في نمو القارة.
الاهتمام بالاقتصاد الأزرق لم يكن حكرا على نيجيريا، فأعداد متزايدة من البلدان الإفريقية تضع الآن استراتيجيات وطنية لاستغلال المحيطات والبحار على أمل أن تكون رافعة مستقبلية مهمة لتحفيز وتعزيز الجهود التنموية.
ولا يبدو ذلك مستغربا في قارة تضم 38 دولة ساحلية وجزرية، من إجمالي 54 دولة، وتغطي مياهها الإقليمية 13 مليون كيلومتر مربع، و90 في المائة من صادراتها ووارداتها تتم عن طريق البحر.
والأرقام الخاصة بمساهمات الاقتصاد الأزرق في إجمالي النشاط الاقتصادي الإفريقي تدفع بالحكومات الإفريقية إلى منح هذا النشاط كثيرا من الاهتمام باعتباره مدخلا لتوليد مزيد من فرص العمل وضمان حياة كريمة لملايين الأفارقة الآن ومستقبلا.
وفي الوقت الراهن، تضخ الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالبحار والمحيطات ما يقدر بـ300 مليار دولار في النشاط الاقتصادي الإجمالي في القارة السمراء، ويدعم الاقتصاد الأزرق ما يقارب 50 مليون وظيفة في إفريقيا.
والأسماك على سبيل المثال توفر ما يقرب من 20 في المائة من البروتينيات الحيوانية، التي يستهلكها سكان القارة، وترتفع النسبة إلى 50 في المائة في البلدان الجزرية والساحلية.
وتدخل فكرة السندات الزرقاء ضمن الجهود الإفريقية لتوسيع الإمكانات الكامنة في الاقتصاد الأزرق في القارة، ومن الواضح أن القارة السمراء تجد في هذا الاقتصاد مدخلا ملائما للتخصص في التكنولوجيا البحرية وتربية الأحياء المائية ودعم الجهود المبذولة في مجال الطاقة المتجددة.
وبالنسبة إلى الفترة الممتدة من 2020 إلى 2030، تحتاج سيشل إلى ما يقدر بنحو 61.3 مليون دولار سنويا لتنفيذ سياسات تغير المناخ، لكنها تواجه عجزا قدره 14.4 مليون دولار سنويا، وفقا لبنك التنمية الإفريقي.

النشاط الآسيوي

وفي 2022، أصدر عملاق المأكولات البحرية اليابانية "ماروها نيشيرو" سندات زرقاء مخصصة لتمويل مصايد الأسماك المستدامة وتمويل مشاريع تشمل زراعة السلمون.
وتستورد "ماروها نيشيرو"، ومقرها في طوكيو، السلمون وسرطان البحر ومنتجات الأسماك الأخرى لتلبية الطلب الهائل على المأكولات البحرية في اليابان.
وبحسب "بلومبيرج"، تعد آسيا من أكثر المناطق في العالم التي تحتاج إلى نوع جديد من الديون المستدامة (الزرقاء) لتمويل مشاريع المياه، وحماية المحيطات في ظل امتلاكها شواطئ تمتد لمسافة 100 ألف كيلومتر.
وعلى الرغم من أن ما يعرف بـ"السندات الزرقاء" نادر جدا، إلا أن ذلك على وشك التغير في ظل تركيز مزيد من الدول الآسيوية المطلة على المحيط الهادي على تحسين استدامة الموارد المائية والحياة البحرية، وفقا لوحدة إدارة الأصول في "بي إن بي باريبا".
وقال جابرييل ويلسون-أوتو، المدير العالمي لأبحاث الاستدامة في "بي إن بي باريبا" في هونج كونج "أتوقع أن أرى مزيدا من التركيز على استعادة وحفظ النظام البيئي، ما قد ينتج عنه مزيد من إصدار السندات المستدامة التي تركز على الاقتصاد الأزرق، والمياه، والمخلفات".
وبعد أن باعت سيشل أول سندات سيادية زرقاء في 2018، حذا حذوها عدد قليل يعد على الأصابع من المقترضين أغلبهم في آسيا، واستكمل مصدر صيني أول صفقة زرقاء مزدوجة العملة في سوق خارجية في سبتمبر 2021، وهي الصفقة الأولى من نوعها في المنطقة.
وأصدرت فروع "بنك أوف تشاينا" (Bank of China Ltd) في باريس ومكاو سندات لأجل ثلاثة أعوام بقيمة 500 مليون دولار، وسندات لأجل عامين بقيمة ثلاثة مليارات يوان (464 مليون دولار) للمساعدة في مشاريع مرتبطة بالبحار.
ويقول ويلسون-أوتو، إن ظهور هذه المسميات بمنزلة ظاهرة عالمية، إلا أن خصائصها الأساسية في آسيا تركز على تحديات الاستدامة المحلية، التي تشمل الاقتصاد الأزرق الذي يتضمن قضايا المحيطات النظيفة، والصيد المستدام، والمخلفات البلاستيكية، والمياه، وإيجاد مدن مستدامة ذات تحول أفضل للطاقة، ومنازل معقولة التكلفة.
وأصدر بنك التنمية الآسيوي سندات زرقاء عبر مبادرة تمويل المحيطات التي من شأنها توسيع استثماراته ومساعداته للاقتصاد الأزرق إلى خمسة مليارات دولار بحلول 2024.

 

الجانب التسعيري

الاستثمار البيئي والاجتماعي والاستثماري في طريقه ليصبح عنصرا أساسيا في المناقشات المالية في دول الخليج.
وتتباين الهيكلة الهندسية للقروض الخضراء بالأسواق الناشئة والمتطورة، بحيث على سبيل المثال، تزداد الفوائد عليها أو تنخفض بمقدار التزام جهة الإصدار بالمعايير البيئية التي وضعتها.
ومع العلم أن التسهيلات الائتمانية قد يتم إعادة تسعيرها، وفقا لمستوى الامتثال البيئي أو الاجتماعي أو الحوكمة للشركات للجهة المستدينة.
وتزدهر سوق الاستثمار في أدوات الدخل الثابت المرتبطة بالاستدامة في الأسواق العالمية، إذ تقدم التغيرات المناخية دليلا واضحا على تكلفة تجاهل تغير المناخ.
ويستمر الازدهار في إصدار الديون أو السندات الخضراء على قدم وساق رغم القلق من القواعد المتعلقة بتصنيف ما يعد صديقا للبيئة، التي قد تؤدي إلى تجزئة السوق بين الجهات المصدرة للسندات الخضراء التي تلتزم بهذه المعايير وغير الملتزمين، حيث تقوم جهات الإصدار بإعداد التقارير حول الفوائد الاجتماعية للمشاريع الخضراء.

تأقلم الوكالات

وطورت وكالتا "فيتش" و"موديز" تصنيفات خاصة بالاستدامة من أجل المساعدة في عكس تأثير مخاطر المناخ على التصنيفات.
فيما تقول وكالة "ستاندرد آند بورز"، إن الشركة "ضمنت عوامل الائتمان المتعلقة بمعايير الاستدامة، مثل مخاطر التحول المناخي المرتبطة بتكلفة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وغازات الاحتباس الحراري الأخرى".
وعن متحصلات إصدار السندات الخضراء، فإن جهة الإصدار السيادية على سبيل المثال تقوم بنشر إطار التمويل الأخضر الخاص بها، الذي يوضِح بالتفصيل أنواع المشاريع، التي تنوي تمويلها، بما في ذلك إدخال مزيد من وسائل النقل العام عديمة الانبعاثات، وتركيب التقنيات الحرارية المتجددة، وتعزيز التنوع البيولوجي، وذلك لتحقيق أهدافها المتمثلة في خفض انبعاثات الكربون.

 

تباين هيكلة القروض الخضراء

ومعلوم أن أي إصدار من الصكوك الخضراء أو قروض الاستدامة الإسلامية، فإن على جهات الإصدار أن تضع منظومة إطار العمل الخاصة بمعايير السندات الخضراء والمبادئ التوجيهية لسندات الاستدامة التي نشرتها الرابطة الدولية لسوق رأس المال ICMA.
ومع هذا النوع من التمويل المستدام، تقوم جهات الإصدار بتقديم تقارير سنوية توضح فيه كيفية توزيع متحصلات الإصدار على المشاريع الخضراء كالتي تركز على الطاقة المتجددة والمياه المستدامة.
وتتباين الهيكلة الهندسية للقروض الخضراء بالأسواق الناشئة والمتطورة، بحيث، على سبيل المثال، تزداد الفوائد عليها أو تنخفض بمقدار التزام جهة الإصدار بالمعايير البيئية التي وضعتها.
وربطت شركة "فورد" تسهيلاتها الائتمانية الدوارة بمقاييس كمية مثل تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وزيادة استخدام الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة في مواقع التصنيع، والتزمت بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من سياراتها في أوروبا.
وبناء على إخفاقها أو نجاحها في تحقيق الأهداف، تخضع القروض التي تحصل عليها "فورد"، إما إلى زيادة تكلفتها، أو تخفيض في أسعار الفائدة عليها.

الاسترشاد بالأنظمة الأوروبية

وعلمت "الاقتصادية" من مصادر بأسواق الدخل الثابت، أن الشركات الخليجية لديها مساران لإصدار الصكوك الخضراء أو الحصول على القروض الخضراء، الأول وهو الأسهل يكمن عن طريق تطوير الأنظمة الخاصة الداخلية للشركة (التي تعنى بالامتثال لتشريعات التمويل الأخضر كشرط أساسي للحصول على التمويل من المستثمرين)، وذلك عبر الاسترشاد بالأنظمة الأوروبية الرائدة في هذا المجال، ومن ثم الاستدانة الدولارية.
أما الخيار الثاني فيكمن في انتظار التشريعات المحلية الخاصة بعمليات التمويل الخضراء والمستدامة من الجهات التنظيمية المحلية، ومن ثم إصدار أدوات دين أو الحصول على قروض بنكية بالعملات المحلية ترتكز على تلك التشريعات.
وبحسب رصد "الاقتصادية"، تميل جهات الإصدار الخليجية لتبني الخيار الأول، وفقا للإصدارات التي تم إغلاقها خلال الفترة الماضية.
في حين تتجنب تلك الشركات الخيار الثاني، نظرا لتوقعاتهم بأن الجهات التنظيمية الخليجية، ستستغرق وقتا أطول لتبني التشريعات التنظيمية للتمويل الأخضر.

التحول نحو الاقتصاد الأخضر

وبعد اتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي في 2015، أعلنت دول الخليج برامجها الداعمة لتقنين اعتمادها على النفط ودعم الطاقة المتجددة.
وأدت تلك التطورات إلى ظهور قطاع مالي جديد بالمنطقة خلال العامين الماضيين يعنى بدعم التمويل المستدام الذي تدعو مبادئه المعنية بمراعاة البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة ESG.
وساهمت أهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة واتفاقية باريس في تحفيز دول العالم للتحول نحو تعزيز الاستثمارات بالاقتصاد الأخضر.
وجرى خلال الأعوام الخمسة زيادة الوعي البيئي للمستثمرين والمصدرين والمقترضين، وذلك بعد أن تم دمج التمويل المستدام في القطاع المالي، وذلك عبر هيكلة عديد من المنتجات الاستثمارية الجديدة الصديقة للبيئة.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة