احتكار حليب الأطفال الصناعي يترك للآباء خيارات محدودة

احتكار حليب الأطفال الصناعي يترك للآباء خيارات محدودة

إحدى النتائج الأكثر إثارة للدهشة في مراجعة هيئة رقابة المنافسة في المملكة المتحدة لتضخم أسعار المستهلك الشهر الماضي هي أن شركتي دانون ونستله استحوذتا فيما بينهما على 85 في المائة من سوق حليب الأطفال الصناعي.
بينما لا يسمح للقابلات بالتوصية بحليب صناعي معين لأنها لا تختلف كثيرا في القيمة الغذائية، فإن أغلبية الآباء يختارون النوع الذي سيستخدمونه لطفلهم قبل الولادة أو أثناء وجودهم في مستشفيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية. وبمجرد أن يختار أحد الوالدين الحليب الصناعي، فإن 65 في المائة سيلتزمون به، وفقا لهيئة الرقابة.
لقد اجتذبت الطبيعة الموحدة للغاية لصناعة الحليب الصناعي العالمية مزيدا من التدقيق في الأعوام الأخيرة بعد النقص المزمن في الولايات المتحدة، وسحب المنتجات التي قد تكون غير آمنة، وارتفاع الأسعار خلال أزمة تكلفة المعيشة.
قال ويل ماكماهون، المدير التجاري لكيندال نوتريكير، شركة مصنعة تمتلك حصة 9 في المائة من سوق المملكة المتحدة: "نختار العلامات التجارية التي تعرض أقل الأسعار في مناقصات [هيئة الخدمات الصحية الوطنية]، لكننا نواجه منافسة حتى في المستشفيات التي تتعامل مع علامات تجارية معينة منذ وقت طويل".
"تنفق الشركات متعددة الجنسيات ملايين الجنيهات كل عام لتعزيز هذا الاعتقاد... بأن منتجها هو الأقرب لحليب الأم ويمنحهم أفضل بداية في الحياة".
وتقول هيئة المنافسة والأسواق: إن التركيز في هذه الفئة ترك للآباء خيارات محدودة ومكن الشركات من رفع الأسعار أعلى من تكاليف مدخلاتها.
وقالت سارة كارديل، الرئيسة التنفيذية لهيئة المنافسة والأسواق: "نشعر بالقلق من أن الآباء قد لا يكون لديهم دائما المعلومات الصحيحة لاتخاذ خيارات مستنيرة ومن أن الموردين قد لا يكون لديهم حوافز قوية لتقديم الحليب الصناعي بأسعار تنافسية"، مضيفة أن هيئة الرقابة ستجري مزيدا من التحقيقات وتنظر فيما إذا كانت التغييرات على اللوائح التنظيمية ضرورية.
يحذر خبراء الصحة العامة من أن اللاعبين المهيمنين يستخدمون التسويق المضلل لتبرير الأسعار المرتفعة.
وقالت الدكتورة رنا كونواي، زميلة أبحاث بارزة في جامعة كوليدج لندن: "هناك مشكلة في وجود هذه العلامات التجارية في المستشفى – لأنها لا تزال بمنزلة اعتماد لها".
خلال بحثها حول كيفية تسويق الحليب الصناعي للآباء في المملكة المتحدة، وجدت كونواي أن النساء يشعرن بالاطمئنان من السعر المرتفع أو التغليف المتميز للمنتج، لأنه في غياب إرشادات واضحة للاختيار، ساعدهن ذلك على الشعور بأنهن يفعلن الأفضل لأطفالهن.
وفي المملكة المتحدة، ارتفعت أسعار حليب الأطفال بنسبة 25 في المائة خلال العامين الماضيين، وفقا لهيئة المنافسة والأسواق. وإلى جانب أغذية الحيوانات الأليفة، التي يهيمن عليها أيضا لاعبان، مارس ونستله، فإن البضائع الاستهلاكية المتعلقة بالأطفال من بين المنتجات ذات هامش الربح الأعلى على الرفوف.
قال إيان سيمبسون، محلل في بنك باركليز: "بشكل عام، تميل فئات هامش الربح الإجمالي الأعلى إلى أن تكون فئات يشعر الناس بارتباط عاطفي حقيقي تجاهها". وقال إن هذه تشمل أيضا مستحضرات التجميل، حيث يهتم المستهلكون كثيرا بالمنتجات التي يضعونها على وجوههم أكثر من اهتمامهم بأقراص غسالة الأطباق التي يستخدمونها.
حددت هيئة الرقابة في المملكة المتحدة منافسة ضعيفة في هذه الفئة، حيث يميل المستهلكون إلى عدم التحول للمنتجات الأرخص أو ذات العلامات البيضاء، ما يمنح الشركات المهيمنة مساحة أكبر للتنفس عندما يتعلق الأمر بالتسعير.
قال سيمبسون: "لا يوجد سبب يمنع وجود حليب صناعي ذي علامة تجارية خاصة في المملكة المتحدة. سؤالي هو: هل سيشتريه الوالدان؟"
حتى مع إعلان شركات السلع الاستهلاكية العملاقة تباطؤ حجم المبيعات في فئات أخرى، فقد صمدت مبيعات حليب الأطفال الرضع، رغم الزيادات المتكررة في الأسعار والتباطؤ العالمي في معدلات المواليد.
ونمت مبيعات حليب الأطفال العالمية لشركة نستله بنسبة 9.2 في المائة على أساس المثل بالمثل في الأشهر التسعة حتى أكتوبر، مقارنة بنمو بنسبة 5.3 في المائة في الأطباق الجاهزة وأدوات الطبخ ونمو بنسبة 6.6 في المائة في منتجات الألبان والآيسكريم. ولا تقوم شركة دانون بالإبلاغ عن أرقام محددة للحليب الصناعي.
وقال متحدث باسم شركة نستله: إن الشركة ترحب بمراجعة هيئة المنافسة والأسواق وأن هدفها هو إبقاء المنتجات في متناول الآباء مع الاستمرار في دفع أسعار عادلة لمورديها، وزيادة الأسعار فقط "كملاذ أخير".
لقد أدى التركيز في السوق في السابق إلى عواقب وخيمة على الآباء. وفي الولايات المتحدة العام الماضي، أجبرت فضيحة تتعلق بالسلامة شركة أبوت لابوراتوريز على إغلاق مصنع في ميشيجان كان يوفر 15 في المائة من الحليب الصناعي في الولايات المتحدة. وتفاقم النقص بسبب ضغوط سلسلة التوريد المرتبطة بكوفيد - 19 والحرب في أوكرانيا، إضافة إلى موجة من الذعر بعد أن بدأ تجار التجزئة بتقنين المبيعات.
وقالت اليزابيث وارين السيناتورة الأمريكية في ذلك الوقت: "إن النقص في حليب الأطفال يرجع جزئيا إلى قلة المنافسة".
وفي العام الماضي، أطلقت لجنة التجارة الفيدرالية تحقيقا في التواطؤ المحتمل بين صانعي الحليب الصناعي في عطاءاتهم للحصول على العقود الحكومية.
وفي الولايات المتحدة، تقدم وزارة الزراعة حليب الأطفال مجانا للأسر ذات الدخل المنخفض التي لديها أطفال عبر برنامج التغذية التكميلية الخاصة للنساء والرضع والأطفال، الذي يمثل أكثر من نصف مبيعات الحليب الصناعي في الولايات المتحدة. وتهيمن عليها شركة أبوت وشركة ريكيت الاستهلاكية العملاقة في المملكة المتحدة.
وقال هنري دينيس، المحلل في شركة بيرنشتاين، إنه بالمقارنة بـمحال البقالة، تميل فئات صحة المستهلك لأن تكون أكثر تركزا لأن العقبات التي تحول دون الدخول إلى هذه السوق أعلى. "اللوائح التنظيمية تجعل من الصعب على الشركات الصغيرة المشاركة".
وأضاف دينيس أنه بينما يقدم برنامج النساء والرضع والأطفال في الولايات المتحدة الدعم التنظيمي للاعبين المهيمنين، فإن أوروبا لديها عدد أكبر من اللاعبين الصغار، ما يقلل من مخاطر قيود العرض.
إلى جانب التدقيق التنظيمي، أصدرت هيئات الصحة العامة تحذيرات متكررة من أن الشركات تستغل مخاوف الآباء لبيع منتجات "مكافئة من الناحية الغذائية" – في كثير من الأحيان بأسعار مختلفة.
ووجدت هيئة المنافسة والأسواق أن سعر 100 مل من حليب الأطفال الرضع البقري في أغسطس تراوح من 13 بنسا لأرخص منتج لشركة دانون، حليب الأطفال الرضع كاو أند جيت، إلى 35 بنسا للحليب الأغلى، أبتاميل 1 فيرست ميلك تابس.
وقال متحدث باسم شركة دانون في المملكة المتحدة وأيرلندا: إن الشركة أطلقت أنواع حليب اصطناعي أكبر لمساعدة الآباء وإنها تقدم أفضل عبوات الحليب قيمة في السوق.
وقال المتحدث باسم الشركة: "عبر تجربة شركة دانون، فإن سوق الحليب الصناعي تنافسية"، مضيفا أن الشركة "ستواصل تقديم القيمة والابتكار للآباء".
لم تعلق شركة دانون ولا شركة نستله مباشرة على عملية تسويقهما.
وقد وجدت سلسلة من الدراسات حول الرضاعة الطبيعية نشرت في مجلة لانسيت هذا العام أن تسويق حليب الأطفال يعرض سلوكيات الطفل الطبيعية على أنها غير طبيعية من أجل تشجيع الآباء على التحول إلى الحليب الصناعي، وبالتالي "تقديم المنتجات كحلول".
وقال نايجل رولينز، عالم منظمة الصحة العالمية، الذي قاد هذه السلسلة: "إنه أمر غير عادل ويستغل كل تطلعات ومشاعر الآباء الجدد، وهناك شيء مثير للقلق بشكل أساسي بشأن استعدادهم للقيام بذلك".
ووجدت دراسة دولية أخرى أجريت على 757 من منتجات حليب الأطفال في المجلة الطبية البريطانية هذا العام أن معظم الادعاءات المتعلقة بالصحة والتغذية المقدمة ليست مدعومة "بأدلة قوية من التجارب السريرية".
قالت كونواي من جامعة كوليدج لندن: إنه ما لم نضبط النشاط الترويجي للعلامات التجارية وإنفاذه، فستظل المنافسة غائبة ولن يحصل الآباء على المعلومات التي يحتاجون إليها لاتخاذ قرار مستنير.
"لن يكون من مصلحة الشركات الكبرى أن تنتشر الرسالة القائلة إن جميعها متشابهة من الناحية الغذائية".

الأكثر قراءة