فن الملل المفقود .. حرية غائبة عن حياتنا
نحن نقترب من الدوامة بين الكريسماس ورأس السنة الجديدة، حيث نتفق جميعا دون كلام على نسيان الوقت، وأن نتوقف عن التظاهر بأننا مشغولون للغاية وربما نستلقي رأسا على عقب، رؤوسنا تتدلى من الأريكة، نحدق في الفراغ.
أرى أن هذا صحي. أنت تعرف عبارة "فقط المملون من يشعرون بالملل" ربما أسأنا فهم الأمر كله. ربما يمكن للصبورين والمثيرين للاهتمام تحمل الملل، ونسي بقيتنا كيف. خلال دوامة هذا العام، أتعهد بتحمله.
قبل أسبوعين، في عودتي الطويلة والشاقة إلى منزلي في بروكلين وسط مانهاتن، شاهدت بطارية هاتفي تتناقص من 6 في المائة إلى 2. عندما أطفأته، أدركت أن انتباهي لن يشتت كليا لساعة. كان من المفترض أن يكون هذا جيدا، كان لدي متسع وقت. أعرف طريقي إلى المنزل. أسوأ شيء يمكن أن يحدث حقا، هو أني سأمل. لكن للحظة، انتابني خوف خالص. خائفة، من الملل! كنت أرغب في قلب بشرتي من الداخل إلى الخارج، لأحك مكانا لا يمكنني بلوغه.
وقفت عند المحطة. حدقت في اللافتة. وقت الانتظار 14 دقيقة، وفكرت "14 دقيقة!!" جبل لا يمكن التغلب عليه من اللا شيء! فتشت حقيبتي مثل حيوان، وخرجت بقلم وأربع بطاقات فهرسة، وبدأت أقتصد في استعمالي لها. كتبت ما لاحظته "معاطف سوداء كثيرة، رجال كثر يمضغون العلكة". ثم ركبت مترو الإنفاق، ونظرت إلى أنوف الناس، ورسمت مجموعة من الأحذية. لقد كان، عموما، وقتا طيبا جدا، وخرجت في محطتي منتصرة.
لكن الرضا عن الذات سرعان ما سقط. منذ متى والملل غير مألوف؟ لقد نشأت في التسعينيات. كنا دائما ملولين.
لأسبوع، سألت الناس متى شعروا بالملل حقا حين كانوا أطفالا وفي الحاضر. أطفالا، قال معظمهم الانتظار، انتظار والديهم، الحافلة، أو حرفيا أي شيء ينتهي أو يبدأ. لكنهم كافحوا لتحديد المرات التي يملون فيها في الحاضر. عندما يشعرون بالوخزة الأولى منه (عند بدء كتاب جديد، الانتظار، التنقل)، فإن ما يلهيهم في متناول أيديهم. أفضل الأمثلة على الملل الحقيقي كانت المرات التي لم يتمكنوا فيها من الانسحاب، إما لأنه كان سيعد وقاحة، كما هي الحال في حفلة أو في اجتماع، أو لأنهم كانوا غير متصلين رقميا، مثلي في ذلك القطار.
عندما أفكر في الوقت والحياة، أعود في الأغلب إلى كتاب أوليفر بوركمان، " أربعة آلاف أسبوع: إدارة وقتنا المحدود في الحياة". يشرح فيه أن المكان الذي تولي فيه انتباهك مهم، لأنه يشكل المحتويات الفعلية لحياتك. والسبب في أن الملل يمكن أن يكون "بغيضا ومستفزا بغرابة" هو أنه يجبرك على مواجهة أن لديك تحكما محدودا. عندما تكون مشتتا، فإن ما يشتت انتباهك يقيدك. أما عندما تشعر بالملل، فأنت غير مقيد. لا يمكنني "استغلال" تلك الدقائق الـ14، أو حتى "إهدارها" على "تيك توك". كل ما يمكنني التركيز عليه هو أنا، ماضيي وحاضري ومستقبل يستحيل علي معرفته بالكامل.
بحثا عن حل، اتصلت بملكة الملل، الصحافية في مجال التكنولوجيا ومعدة البودكاست مانوش زمرودي. قبل عشرة أعوام، مشروعها على الإذاعة العامة تحدى الناس لمعرفة ما إذا كان الشعور بالملل يجعلهم أكثر إبداعا، باستخدام تجارب صغيرة دفعتهم إلى تقليل الاعتماد على هواتفهم. لقد كان ناجحا، شارك 20 ألف مستمع، كنت من بينهم. كتبت زمرودي كتابا، وتقدم تقارير عن تأثير التكنولوجيا فينا منذ ذلك الحين. أردت أن أعرف كيف تعيش الملل الآن.
قالت "أعتقد أني عبرت إلى الجانب الآخر! أدركت أني لا أستطيع الإتيان بأفكار جيدة إذا كنت أعيش دائما على اتصال. تعتمد مسيرتي المهنية على ألا أبقى على اتصال باستمرار".
أخبرتني زمرودي أنها أجرت مقابلات مع عديد من العلماء لدرجة أنها تعرف ما يحدث من الناحية الفسيولوجية الآن عندما تقطع اتصالها الرقمي، ويمكنها أن تشعر أن عقلها بدأ يصبح حاضرا أكثر. "أقول لنفسي، أنا مجرد كتلة من اللحم. تنبعث نبضات كهربائية كثيرة، ويمكن التلاعب بي بسهولة بالغة. هذه الدقائق العشر الأولى من المشي فظيعة. لكني أعلم أن المردود موجود. من المؤكد أن هذا هو الوقت الذي لدي فيه أفكاري الكبيرة".
سألتها، هل يجب أن نفكر بشكل مختلف في عدم الراحة؟
قالت: إن موضوع الحرب في غزة فتح في الآونة الأخيرة في منزلها. قال لها ابنها "اقرئي الجو يا أمي!" كان الأمر غير مريح، ولم يرغب في التحدث عنه. لكنها أصرت على أن يتحدثوا عنه. قالت لي: "نحن نعيش في مجتمع يقول فيه الناس باستمرار: أنت تجعلني غير مرتاح، وهذا يعد غير مقبول". "لكن الأشياء غير المريحة تستحق الحديث عنها، والمشاعر غير المريحة يمكن أن تستحق الشعور بها."
تستند نصيحتها الأخرى إلى أحدث تجربة صوتية لها، "بودي إلكتريك"، على منصة تيد راديو أور: " الحل عندي. خذ جولة مشي ساعة أو نصف ساعة، دون أي شيء مرتبط بك. بلا شيء. الأمر بهذه السهولة، وبهذه الصعوبة".
في الأسبوع المقبل، أخطط لأخذ إذن زمرودي وبوركمان لأشعر بالملل، أحرر وقتي، وأجلس فيه. لن أعطيه اسما (تأمل!)، أو أضع حدودا تعسفية (أبتعد عن الشاشات في الليل، إلى الأبد!). سأقرر الأشياء التي أريد إيلاء انتباه إليها (كتاب، تمشية، رسم)، أثق في عقلي البشري السخيف غير المعصوم، وأقبل ضيق أول عشر دقائق، وأتذكر أنه حتما، سيبدأ في أن يتحلى بالإبداع والرضا دائما.
يجب أن تجربوها أيضا، وأخبروني عن تجربتكم